رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

دلالات وتداعيات الصراع الداخلى فى إثيوبيا

نظام الحكم القائم فى إثيوبيا فيدرالى اندماجى ديمقراطى برلمانى أساسه العرق واللغة والادارة، فى اطار من الحكم شبه الذاتى أو الذاتى للأقاليم العرقية التسعة التى تتكون منها إثيوبيا ويحمل كل اقليم اسم العرق المنتمى اليه، مع الاخذ بنظام علمانى يفصل الدين عن الدولة ودون تحديد دين للدولة، ولعدد من السكان يبلغ نحو 110 ملايين نسمة (أكثر من 50% مسلمون). يعطى النظام للمجموعات العرقية الحق فى تقرير المصير شريطة, طبقا للمادة 39 من الدستور الاثيوبى, موافقة ثلثى أعضاء البرلمان الفيدرالى وهو تقريبا بمثابة فيتو أى حقا للنقض. وعلى الرغم من أن بإثيوبيا 87 قومية إثنية إلا أنها لم تشهد صراعات قوية فيما بينها حتى وقت قريب بسبب المصاهرة والتوافق فيما بينهم، وهو الأمر الذى بدأ ينحسر بشدة لأسباب مستحدثة تتعلق بالصراع على السلطة والثروة، واقتران ذلك بموجة من الغضب والاحتجاجات فى العديد من الاقاليم ضد سياسات وممارسات آبى أحمد التى تتسم بالديكتاتورية وانتهاكات لحقوق الانسان وكان أبرزها ما شهده اقليم الاورومو الذى ينتمى اليه آبى احمد من اضطرابات راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى اثر مقتل المغنى الاشهر فى إثيوبيا. واقع الامر أن تحالفا تحت مسمى الجبهة الديمقراطية الشعبية الثورية هو الذى يمسك بزمام الامور، ويتولى مقاليد الحكم فى البلاد منذ تولى ميليس زيناوى, المنتمى الى التيجراى, السلطة وحتى الآن. ويضم التحالف جبهات تحرير قوميات التيجراى (6%) والاورومو (نحو 40%) والامهرة (نحو 18%) من اجمالى عدد السكان، بجانب جماعات جنوبية فى التحالف، ولكنها جميعا تتحالف كاحزاب سياسية. ظلت جبهة تحرير التيجراى على مدى عقود هى الحاكم الفعلى للبلاد. فقد قادت النضال ووحدت الجبهات تحت رايتها ضد حكم هايلى مريام، وأضحت المسيطرة على التحالف خاصة أنها الاقوى عسكريا (نحو 250 الف جندى) والافضل عدة وعتادا وتنظيما، وهو الامر الذى أتاح لقادتها نفوذا فى مؤسسات الدولة وأجهزتها العسكرية والامنية، على نحو بدا معه تهميش واضح لأعضاء التحالف الاخرين من ذوى الأغلبية (الاورومو والامهرة وقد تحالفا معا ضد جبهة التيجراى)، حيث تنامت مؤخرا الاحتجاجات من هاتين القوميتين خاصة الاورومو وجرت أحداث وتطورات دامية فى هذا الاطار ليجىء آبى أحمد عام 2018 الى السلطة من قومية الاورومو بدعم أمريكى واوروبى، ليبادر باجراء اصلاحات داخلية جوهرية فى كل القطاعات الحيوية خاصة فى القوات المسلحة والاجهزة الامنية والقطاعات الاقتصادية لتنحسر سيطرة التيجراى مع اتهامات لقادة الجبهة بالفساد واستغلال النفوذ، كما قام بالانفتاح على دول الجوار خاصة اريتريا وعقد اتفاق سلام من شأنه اعادة منطقة بادمى الى اريتريا انفاذا لقرارات دولية، وهو أمر لم يرحب به التيجراى نظرا لأن غالبية سكان المنطقة من أقلية التيجراى ويفضلون البقاء فى اطار الاقليم، وهو الامر الذى يفسر موقف اريتريا المؤيد لآبى أحمد وما يتردد عن مشاركة قوات اريترية مع القوات الحكومية فى الحرب الدائرة ضد جبهة التيجراى. اثار اعلان آبى أحمد تأجيل الانتخابات اكثر من مرة ثم الى اجل غير مسمى بدعوى تفشى جائحة كورونا حفيظة قادة التيجراى ومؤسسات الحكم الذاتى بالاقليم لقناعتهم انه قصد بذلك تواصل ولايته كرئيس للوزراء لفترة مفتوحة ستتواصل فيها على حد قولهم استهدافهم وتهميشهم وملاحقاتهم فى ظل انتهاكات لحقوق الانسان من جانب آبى أحمد ضدهم. اعتبر آبى احمد أن الاجراءات التى اتخذها الاقليم غير قانونية وأن الامر تمرد يستوجب إنهاءه. وقد نشب صدام عسكرى ضارى راح ضحيته قتلى وجرحى بالمئات وفرار عدد يقدر بنحو 15 الف نازح ولاجئ الى السودان واريتريا بما ينذر باوضاع وازمة انسانية. وأعتقد أن آبى أحمد ربما تولدت لديه هواجس بوجود نزعة استقلالية لدى قادة الاقليم، خشي معها أن يطالب الاقليم بتقرير المصير، وهو أمر قد تنتقل عدواه الى اقاليم اخرى حيث يواجه آبى أحمد معارضة قوية فى بعض الاقاليم وخاصة فى اقليم الاورومو الذى ينتمى إليه. وهو الامر الذى نجد تفسيره فى اجرائه مؤخرا تغييرات واسعة استبعد بموجبها العناصر التيجرانية من قيادات الجيش والاجهزة الامنية ومن الخارجية الاثيوبية وتعيين حاكم للاقليم واسقاط الحصانة عن اعضاء من التيجراى فى البرلمان واتهامه لقادة التيجراى بالارهاب وبالخروج عن النظام والقانون. أما عن تداعيات تلك الحرب الاهلية على دول الجوار ومنطقة القرن الإفريقى، بما يهدد الامن والاستقرار بها، فقد بدأت ارهاصاتها بما يتردد عن مشاركة اريتريا فى الحرب، وقد تنتقل عدوى الصراعات العرقية الى دول الجوار ومنطقة القرن الافريقى بحكم التركيبه العرقية للسكان بها، واحتمال ان تدفع تلك التطورات حركة الشباب فى الصومال لتصعيد عملياتها العسكرية سواء داخل الصومال أو بدول الجوار كما أن تدفق النازحين واللاجئين على اريتريا والسودان يخلق ازمة انسانية تشكل عبئا على قدرات البلدين. وعن تداعيات تلك الحرب على ملف سد النهضة، فمن المرجح استثمار تلك التطورات من جانب أثيوبيا لتتهرب من عقد الاجتماعات ولتواصل التسويف والمماطلة وتظل الازمة تراوح مكانها دون التوصل الى الحل المنشود، وهو أمر يجب تجنبه تماما تحت ضغوط عامل الوقت ربطا بالتطورات السياسية فى الولايات المتحدة الامريكية التى تستوجب التوصل الى حل لازمة السد قبل انتهاء الرئاسة الامريكية الحالية على أن يقترن ذلك بوقف عملية بناء السد، وإلا وجب اللجوء الى خيارات أخرى تحسم الموقف.

---------------------------------------

 نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الإفريقية


لمزيد من مقالات السفير ـ د. صلاح حليمة

رابط دائم: