رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

دور مصر الإقليمى مجددا

هناك مدرسة مصرية فكرية وسياسية متكاملة النظر إلى دور مصر الإقليمى بالاستناد إلى مفردات ومقولات وسلوكيات الفترة الناصرية من التاريخ المصري. ورغم أن أنصار هذه المدرسة كثيرا ما يؤكدون إدراكهم لما أتى به الزمن من تغيرات محلية وإقليمية ودولية، وجميعها تفرض نظرة وسلوكا مصريا مختلفا فى اللحظة الراهنة، فإنهم ما إن تأتى لحظة التعامل العملى مع الواقع نجد أنفسنا فى مقتربات اللحظة الناصرية بما فيها من محورية القضية الفلسطينية والعداء للقوى الاستعمارية السابقة والميل إلى الاصطفاف داخل مجموعة العالم الثالث مع درجة غير قليلة من التجاهل لما تقوم به مصر خلال المرحلة الراهنة. دور مصر الإقليمى الحالى يدور أولا على ضرورة التكامل مع عملية البناء الداخلى للدولة؛ وثانيا على أنه يجرى فى دائرة الجوار البحرى والبرى القريب والذى يعظم من الواقع الجيو سياسى للدولة المصرية؛ وثالثا على حماية المصالح المصرية الحيوية وفى المقدمة منها الآن حماية نصيب مصر من مياه النيل، ومقاومة الإرهاب الداخلى والخارجى بكل أشكاله وأنواعه؛ ورابعا تحقيق الاستقرار فى الإقليم المجاور لمصر بعد عقد كامل من عدم الاستقرار والحروب الأهلية والانقسام والعنف. وفى هذه النقطة الأخيرة فإن الإدراك المصرى للدور الذى يمكن أن يلعبه النفط والغاز، وما يتفرع عنها من عمليات نقل وتسييل وصناعات، فضلا عما يمكن أن تحققه من نتائج مباشرة للتنمية المصرية، فإنه يمكن أن يلعب دورا فى الإقليم مماثلا لذلك الذى لعبه الفحم والحديد فى تحقيق الاستقرار الأوروبى بعد الحرب العالمية الثانية. وبدلا من أن تكون الموارد الطبيعية فى المنطقة أحد أسباب الحروب والنزاعات، فإنها يمكنها أن تكون أحد أسباب الوصل والترابط وحل المنازعات والصراعات. وكان مفتاح وجهة النظر هذه هى عمليات تخطيط الحدود البحرية المصرية أولا مع السعودية؛ وثانيا مع قبرص واليونان، حيث خرجت مصر منهما بمناطق اقتصادية خالصة واسعة النطاق، ومعها تشكيل منتدى غاز شرق البحر المتوسط الذى يضم مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا.

هذا المنتدى يعبر تعبيرا صادقا عن مصالح اقتصادية مهمة ليس فقط لمصر، وإنما للدول الأعضاء التى تنتج كلها الغاز أو تستهلكه بكثافة، والتى كانت على استعداد للقبول بقانون الأمم المتحدة للبحار كقاعدة لتعيين المناطق الاقتصادية. هو ساحة للتعاون الاقتصادى فيما هو أوسع من أمور اقتصادية يضاف لها أمور استراتيجية تظهر من وقت لآخر فى مواجهة السلوك التركى العدواني، ولكنها من ناحية أخرى تشجع إسرائيل على السلوك التعاونى فى المنطقة. فقد قبلت إسرائيل بفلسطين وهى ليست دولة بعد بأن تكون طرفا دوليا له نفس الحقوق والواجبات فى المنتدى. وكما هو معروف فإن إسرائيل تجرى الآن مفاوضات مع لبنان لترسيم الحدود البحرية بينهما من أجل تعيين حقول الغاز المتداخلة بين بلدين، كلاهما يحتاج السلعة وما يعود منها من فوائد مالية رغم أنهما لا يزالان فى حالة حرب. وليس سرا على أحد أن هذه المفاوضات لم تكن لتحدث لو أن حزب الله كان معترضا عليها، كما أنها تمثل الحل الوحيد للبنان الشقيق فى محنته وحل مشكلاتة الاقتصادية المزمنة عندما تدخل إلى مجال إنتاج الغاز واستخدامه وتصديره.

فلسطين هنا لم تدخل الموضوع كطرف دولى فحسب، وإنما طرف فى عملية إنتاج الثروة فى المنطقة بما لغزة من ساحل على بحر حدث أنه يحتوى على غاز موزع، كل حسب نصيبه، بين دول الإقليم. وفى 4 نوفمبر الحالى نشرت دورية المونيتور الأمريكية المعنية بشئون الشرق الأوسط موضوعا بعنوان مصر تتفاوض على الحدود البحرية مع فلسطين جاء فيه أن المسئولين الفلسطينيين اتخذوا أولى الخطوات العملية لترسيم الحدود البحرية بين فلسطين ومصر من خلال تشكيل فريق من المتخصصين للتفاوض مع القاهرة. وكانت السلطة الوطنية الفلسطينية قد وقعت فى شهر سبتمبر الماضى ميثاق منتدى غاز شرق المتوسط؛ وكذلك وقعت على قانون الأمم المتحدة للبحار. ونقلت الدورية عن مسئول فلسطينى أنه يتوقع بدء المفاوضات مع مصر فى القاهرة فى الأشهر المقبلة بعد اتفاق الطرفين على موعد. وأوضح أن احتياطيات الغاز الطبيعى التى تم اكتشافها على بعد 36 كيلومترًا قبالة ساحل قطاع غزة عام 1999 ستلبى احتياجات الطاقة والغاز المحلية لمدة 20 عامًا على الأقل. وقال إنهم سيحولون فلسطين إلى دولة مصدرة للغاز ويحققون أرباحًا بمليارات الدولارات سنويًا. وكما هو معلوم تحتاج الحكومة الفلسطينية إلى سد العجز المالى الناجم عن تراجع المساعدات الدولية والعربية وحجز إسرائيل عائدات الضرائب الفلسطينية. وهكذا قدمت فلسطين فى 8 أكتوبر 2019 خرائط وإحداثيات إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية توضح الممتلكات والقدرات الفلسطينية من الغاز.

وبغض النظر عن المواقف المعتادة من الأشقاء، وما ورد فى الصحافة التركية فى 22 يونيو الماضى من تصريح للسفير الفلسطينى فى أنقرة أن فلسطين مستعدة للتفاوض مع تركيا لترسيم الحدود البحرية؛ وقوله نحن منفتحون على أى فكرة من شأنها أن تعمق علاقاتنا مع تركيا، بما فى ذلك صفقة بشأن المناطق الاقتصادية الخالصة، وكل ذلك رغم عدم وجود حدود بحرية فلسطينية تركية من الأصل. رغم كل ذلك فإن المفاوضات المصرية الفلسطينية فى النهاية سوف تقرر أول حدود معلومة ومعروفة ومعترف بها دوليا للدولة الفلسطينية؛ وأكثر من ذلك فإنها سوف تفتح الباب لترسيم الحدود البحرية بين فلسطين وإسرائيل الذى لا يبدو أنها تعارضه فى ظل وجود الطرفين فى منتدى شرق المتوسط. هذا المقترب من القضية الفلسطينية، ومن الدور الإقليمى لمصر، يختلف كثيرا عما اعتدنا عليه من ترجمة للأدوار الإقليمية بمدى قدرتها على مواجهة الصراع والنزاع، بينما أن هناك طرقا جديدة مفتوحة للتعاون القائم على تحقيق المصالح المشتركة بين أطراف لا تزال فى حالة عداء وخصومة. هو تفكير جديد ومبتكر ويتلاقى مع المقتربات التى تقوم بها دول عربية أخرى تجعل من الممكن حل القضية الفلسطينية من ناحية، ومساعدة جميع أطرافها على التنمية والبناء والتعمير.


لمزيد من مقالات د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: