رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الحسابات الدولية والإقليمية فى أزمة التيجراى

د. أمانى الطويل
آبى أحمد يعلن الطوارئ فى تيجراى

يشكل الصراع المسلح القائم حاليا فى إثيوبيا، أحد الدورات الثأرية والاحتكاكات الخطيرة والممتدة على مدى عقود زمنية، والمُؤَسسة على معطيات عرقية وقومية لم تصل إلى مرحلة الاندماج الوطنى، بعد لتأسيس الدولة الوطنية الإثيوبية.

وتعد هذه الحالة الإثيوبية أحد أهم مهددات الأمن الإقليمى فى منطقة القرن الإفريقى، ذات الصلة الوثيقة بمصالح إقليمية ودولية لا يُستهان بها، خصوصا تلك المرتبطة بأمن البحر الأحمر. كما يساهم هذا الصراع بشكل واضح، فى التأثير على استقرار وبنية عدد من دول الجوار الإثيوبى، التى تأثرت فعليا بالصراع العسكرى الإثيوبى، مثل إريتريا والسودان. كما أنه من المتوقع أيضا أن تتأثر الصومال إن لم يتم التدخل لتهدئة هذا الصراع المسلح.

وربما يكون من نافلة القول، إن إثيوبيا تشكل أهمية إستراتيجية للمصالح الغربية، والتى ساهم فى بلورتها بشكل فعال التوجهات الإسرائيلية منذ منتصف القرن العشرين، حيث اهتمت إسرائيل بإثيوبيا من زاويتين: الأولى، مرتبطة بالصراع العربى ــ الإسرائيلى، كون إثيوبيا دولة متاخمة للجوار العربى، قادرة على التأثير فى بيئته الإقليمية. الزاوية الثانية، هى دينية ثقافية، ذلك أن قبيلة «الفلاشا» الإثيوبية تعدها الأساطير اليهودية القبيلة الثالثة عشرة من الأسباط اليهودية. وطبقا لهذه التقديرات، تصاعدت الأهمية الإثيوبية فى الدوائر الغربية، خصوصا مع صعود الحركات الإسلامية المتطرفة فى كل من السودان والصومال اعتبارا من تسعينيات القرن الماضى، حيث مارست إِثيوبيا حروبا بالوكالة خصوصا فى الصومال ضد تنظيمى القاعدة وتنظيم الشباب الجهادى الصومالى اعتبارا من تسعينيات القرن الماضى.

وفى ضوء هذا الوزن الإثيوبى، يبدو أن الموقف الدولى، خصوصا الأمريكى، يساند تقليديا عدم السماح بتفكك الدولة الإثيوبية على النمط الصومالى، وذلك على الرغم من أن حدة وعنف الصراعات الإثيوبية، هى أكبر بما لا يقارن مع الصومال، التى تتمتع باندماج وطنى ودينى ومذهبى (مسلمين شوافع). وربما يكون ذلك أحد أسباب اتجاهات الغرب فى تحجيم الصومال، والرهان على إثيوبيا. من ثم فالمرجح أن التباطؤ الأمريكى فى الاهتمام باتخاذ موقف من اندلاع الصراع، هو مرتبط بالرهان على قدرة آبى أحمد على حسمه عسكريا. ولم يصدر عن الإدارة الأمريكية استهجان من العمليات العسكرية إلا على مستوى السفارة الأمريكية فى أديس أبابا، ومساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية. وذلك على الرغم من أن الحسم العسكرى يبدو مشكوكا فيه، خصوصا مع امتلاك إقليم التيجراى صواريخ طويلة المدى، وفقا لما صرح به حاكم الإقليم ديبراصيون جبراميكائيل، وكذلك قيام جيش التيجراى بقصف متواز لكل من مطارى أسمرا فى إريتريا ومطارى بحر دار وغوندر فى إقليم أمهرا.

أما على الصعيد الأوروبى، فإنه لم يتم بلورة مبادرة تدخل سياسى سريع لإنقاذ الموقف فى إثيوبيا، لكن الاتحاد الأوروبى دعا فى بيان له إلى ضرورة إنهاء هذا الصراع المسلح. وفى المقابل، تبدو الصين صامتة عن إبداء موقف واضح من هذا الصراع الداخلى، الذى كلفها جزءا من استثماراتها فى إثيوبيا حينما قصف آبى أحمد محطة كهرباء تكيزى فى إقليم تيجراى، وهى المحطة التى أقامتها الصين، وذلك تحت مظلة استثمارات إجمالية بلغت ما يقارب 1.5 تريليون دولار حتى نهاية 2018، نتجت عن توقيع اتفاقات تعاون بين الجانبين فى 2014.

على المستوى الإقليمى، يشكل استمرار هذا الصراع فى إثيوبيا بيئة مناسبة لإعادة تشكل لخرائط الصراعات والتحالفات، سواء الداخلية فى إثيوبيا أو الخارجية فى القرن الإفريقى. فعلى مستوى القرن الإفريقى، فإن إريتريا تحتل موقعا رئيسيا فى ديناميات هذا الصراع المسلح، وذلك بحسبان أن قومية التيجراى هى قومية مقسمة بين كل من إريتريا وإثيوبيا، وهو ما يجعل حسابات أسمرا، تسير دائما نحو عدم استقواء التيجراى الإثيوبيين بما له من تأثيرات على التوازنات الداخلية الإريترية. وفى هذا السياق يمكن نفهم التحالف بين آبى أحمد وأسياس أفورقى، وهو التحالف الذى جعل أسمرا هدفا لقصف إقليم التيجراى الإثيوبى.

على الصعيد السودانى، فإن التكلفة الاقتصادية التى تتحملها السودان تبدو كبيرة نتيجة لجوء الفارين إليها، لكن التكلفة السياسية والتأثير على استقرار شرق السودان، سيكون مؤثرا فى حالة دعم البجا الإريتريين للبجا السودانيين ضد قبيلة البنى عامر فى شرق السودان، وهى المنطقة التى تشهد توترات حاليا. من هنا، أقدمت السودان على إغلاق كامل حدودها مع كل من إثيوبيا وإريتريا، حيث لا يدخل منها إلا الفارون المدنيون من ويلات الحرب.

ولا تبدو الصومال بعيدة عن هذه التفاعلات، إذ أن تنظيم الشباب الجهادى، قد يجد هذه البيئة الصراعية مناسبة للانتقام من أديس أبابا التى خاضت حربا ضد التنظيم فى الصومال، خصوصا أن الجيش الإثيوبى قد سحب عناصره من بعثة الإتحاد الإفريقى هناك.

طبقا لهذه البيئة الصراعية فى القرن الإفريقى، ربما تكون دول الإقليم هى الأسبق للتفاعل مع الحرب الناشبة فى إثيوبيا من زاوية مصالح كل طرف. وإذا اتفقنا أن إسرائيل لديها علاقات قوية بإثيوبيا، فإن التسريبات بشأن الدعم العسكرى الإسرائيلى لأديس أبابا يكون منطقيا، خصوصا من زاوية إمداد آبى أحمد بطائرات الدرون. فى السياق ذاته، اتجه أردوغان لعرض خدماته الداعمة لأديس أبابا، حتى يكمل «قوس» النفوذ التركى المنطلق من الصومال، فضلا عن سعيه المستمر إلى «مكايدة» القاهرة.

لكن يبدو الموقف الإثيوبى من مسألة التفاوض مع حكام إقليم تيجراى مازال بعيدا، وهو ما يؤكده ما قاله وزير الخارجية الإثيوبى ونائب رئيس الوزراء، ديميكى ميكونين، أثناء زيارته كمبالا، أن أديس أبابا ترى أن الوقت مبكر بشأن حلول تفاوضية. كما يبدو أن الرفض الإثيوبى لحلول سياسية قائم على أمرين: الأول، إدراك آبى أحمد أن الانتخابات العامة الإثيوبية التى أقدم على تأجيلها منذ أغسطس الماضى ستكون إحدى آليات الحل، وهو ما يطرح مستقبله السياسى على المحك. الأمر الثانى، هو مستقبل الصيغة الفيدرالية التى حاول آبى أحمد عبر حزبه «الازدهار» إنهاءها، وهو ما جر عليه معارضة وصلت إلى حد الحرب.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق