رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مع من نتكلم فى أمريكا المأزومة ؟

لاتزال معارك البيت الأبيض تفرض نفسها على العالم رغم انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ أسبوعين. كيف نتصرف إزاء هذه الأزمة ؟

الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر هو عادة موعد التصويت المباشر فى هذه الانتخابات الرئاسية، وعادة يتم فرز الأصوات وإقرار النتيجة بعدها بأيام. فى بعض الحالات الاستثنائية يستلزم إعادة فرز الأصوات فى بعض الأماكن عدة أسابيع، كما حدث فى فلوريدا سنة 2000 بين الديمقراطى آل جور، نائب الرئيس كلينتون الذى رشح نفسه ليخلفه، وبين الجمهورى بوش الابن، الذى فاز بالرئاسة فى نهاية المطاف وحتى أحيانا مع طول المدة لحسم السباق، فإن عملية الحسم تتم بسلاسة وطبقا لقواعد قانونية مما يُدَعّْم الثقة فى العملية الديمقراطية.

لا يوجد حسم هذه المرة، بل أكثر من ذلك هناك هوة فى الحكم على التصويت وحتى نزاهته، فبينما أعلن الإعلام الأمريكى فوز بايدن وقام بتهنئته العديد من زعماء العالم، لايزال منافسه ترامب يُؤكد أن هناك عملية تزوير، بل قال مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكى إنه يستعد لولاية ترامب الثانية لمدة أربعة أعوام أخرى ! نحن إذن أمام وضع تُشبه فيه أمريكا روسيا البيضاء حيث الشارع فى مظاهرات ضد رئيس يُقال إنه وصل إلى الرئاسة بالتزوير، وكذلك أوضاع متشابهة فى العديد من دول العالم الثالث أو الجنوب العالمى التى فقدت فيها العملية الانتخابية النزاهة والمصداقية المطلوبتين وانتهى الأمر فى معظم الأحوال بالتدخل العسكرى لوضع حد لعدم الاستقرار.

لن تصل الأمور لهذه الدرجة، لأن هناك ممارسة ديمقراطية اعتاد عليها النظام الأمريكى وتُؤمن بها الغالبية، لدرجة أن أعضاء مؤثرين فى الحزب الجمهورى وكذلك بعض أفراد أسرة ترامب ومستشاريه نصحوه بقبول نتيجة الانتخابات. ولكننا نعرف أيضا أن ترامب رئيس غير تقليدى بالمرة، وأنه نجح فى الانتخابات الرئاسية السابقة لأنه خارج المؤسسة السياسية التقليدية فى واشنطن، وأثبتت السنوات الأربع من رئاسته أنه مخالف للأعراف المتفق عليها سواء فى لغته السليقة أو ممارساته السياسية التى قد تؤدى إلى محاكمته عندما يفقد حصانته الرئاسية. هناك الكثير يمكن قوله عن عدوانيته، سلطويته بلا حدود، تأجيجه للتوترات العرقية وعنصريته، ونرجسيته التى لا يخجل منها، ألم يكرر أنه أقل الناس عنصرية وأنه «عبقرى متوازن للغاية».

وبالرغم من كل ذلك فقد أبلى بلاء حسنا فى هذه الانتخابات ولم نر زحف التصويت للمرشح الديمقراطى الذى تكلم عنه العديد من المحللين قبل الانتخابات، بل تُشير الأرقام حاليا إلى أنه فاز فى 24 ولاية وحصل على 70 مليون صوت أو ما يزيد على 47% من التصويت الوطني. وهى تأتى أكبر حصيلة من الأصوات لمنافس رئاسى فى التاريخ الأمريكي. هو إذن ـ رغبنا أم لا ـ رمز لاستقطاب خطير ليس فقط فى النخبة الحاكمة ولكن فى المجتمع الأمريكى بأسره. فهو يتمتع باتصال عميق بالملايين من أنصاره يقفون معه لحد العبادة، ظالما أو مظلوما. ألم يصرح فاخراً بأنه إذا وقف فى مانهاتن ـ أفخر أحياء نيويورك وأطلق النار جزافا، فإن مؤيديه سيستمرون فى دعمه. ولنتذكر ما قالته مستشارته للشئون الروحية ـ بولا وايت ـ عند تنظيمها صلاة عامة من أجل انتصاره فى الانتخابات وتنبأت بأن الملائكة من إفريقيا وأمريكا اللاتينية سيأتون لنصرته، وهى التى أعلنت قبل ذلك أن البيت الأبيض أرضا مقدسة بسببها وكذلك وجود ترامب.

ماذا يمكن أن نستخلص من هذا الوضع غاية فى الاستقطاب الحاد على مستوى النخبة الحاكمة وكذلك على مستوى المجتمع ككل ؟ أن الترامبيين والترامبية باقيان سواء بقى ترامب فى البيت الأبيض أم لا. بمعنى أنه فى النهاية إذا تم تدشين فوز بايدن وأصبح رئيسا، فإن المعركة السياسية والاستقطاب لن يتوقفا. بل بالعكس ستشتد المحاولات لنزع الشرعية عن فريق بايدن ـ هاريس، ومحاولة تخريب مبادرتهما السياسية. مثلا فى الشرق الأوسط الذى هو دائرة اهتمامنا سيكون هناك مقاومة لأى ضغوط على إسرائيل، حتى مع استمرار تطرف اليمين الإسرائيلى فى إقامة المستوطنات وضم الأراضى فى الضفة الغربية. سيكون هناك أيضا مقاومة صريحة وهجوم قوى عند محاولة بايدن العودة الى الاتفاقية النووية مع إيران والعمل مع حلفاء أمريكا التقليديين فى أوروبا وإعادة الحياة الى الشراكة عبر الأطلنطي، بل سيقوم الترامبيون بالتنسيق مع حلفاء الخارج فى هذا الصدد مثل اليمين الإسرائيلى وبعض دول الخليج التى تخشى التهديد الإيراني.

باختصار إذا نجحت المساومات الجارية الآن فى واشنطن وتم تأكيد فوز بايدن بالرئاسة، فسنكون مع ذلك أمام دولة أعظم تُعانى ليس فقط من الانقسام والاستقطاب الحاد، بل أيضا استنزاف نخبتها السياسية واضطرار البيت الأبيض للتركيز على الجبهة الداخلية ومناكفاتها والذى سيؤدى إلى عدم وجود الوقت والطاقة للاهتمام بالشئون الدولية -الكابوس الأمريكى وآثار الترامبية دون ترامب عرض مستمر. فى هذه الحالة نتكلم مع الجميع.


لمزيد من مقالات د. بهجت قرنى

رابط دائم: