رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العرب والإدارة الأمريكية الجديدة

سيطر تساؤل مطروح على الساحتين الإقليمية والدولية فى الأسابيع الماضية مؤداه البحث فى طبيعة الاختلافات المتوقعة بين إدارتى ترامب وبايدن وأيهما الأفضل للعرب ولقضايا شعوب الجنوب عمومًا، ولقد انتهت الانتخابات بفوز بايدن مع التسليم بوجود مناوشات قانونية بين مرشح الديمقراطيين والرئيس الجمهورى السابق وتلك طبيعة الانتخابات الأمريكية فى بعض مراحلها، ومازلنا نتذكر الجدل القانونى حول نتيجة الانتخابات بين آل جور وجورج دبليو بوش الابن حول أصوات ولاية فلوريدا، ولكن الاقتراب من واقع الحياة السياسية الأمريكية يضعنا أمام عدد من المؤشرات نطرحها فى النقاط التالية:

أولًا: إن الاختلاف فى السياسة الخارجية بين الديمقراطيين والجمهوريين لا يبدو جذريًا، فالشخصية الأمريكية واحدة فى الحالتين وهى تتكلم بلغة المصالح ولا تؤمن بغيرها، لذلك فإن الرهان على إحدى الإدارتين رهان خاسر، فكل الرؤساء الأمريكيين دعموا إسرائيل بغير استثناء وكان منهم من فعل ذلك بشكل واضح وفاضح مثلما فعل الرئيس الأمريكى الأخير ترامب الذى أقر القدس عاصمة للدولة العبرية، واتخذ خطوات تجاه تصفية القضية الفلسطينية برمتها، وحتى چون كنيدى رغم اعتزازنا به وإعجابنا بفترة حكمه القصيرة لكنه أمد إسرئيل بصفقة سلاح «صواريخ هوك» كانت تبدو متوقعة فى وقتها بل إن بيل كلينتون الذى نعتبره رئيسًا مقبولًا لدينا لم يتوقف هو الآخر عن دعم إسرائيل فهى الابنة المدللة للولايات المتحدة الأمريكية فى كل الأحوال.

ثانيًا: إن جماعات الضغط الأمريكى وفى مقدمتها «اللوبى الصهيوني» ترى أن الرئيس الأمريكى بشكل عام ـــ قد يستأسد فى فترة رئاسته الثانية ولا يصبح تحت سيطرة تلك الجماعات، لذلك فلا داعى لفترتين للرئيس الأمريكى من الآن فصاعدًا خصوصًا وأن ترامب قد أعطاهم أقصى ما لديه وبقى لليهود أن يبحثوا عن رئيس قادم يكمل المسيرة بحماس أشد خصوصًا وأن بايدن هو صاحب التصريح الشهير «ليس ضروريًا أن أكون يهوديًا لكى أصبح صهيونيًا» فهو يعتز بانتمائه للحركة الصهيونية رغم أنه ليس يهوديًا، بل إننى أشعر أحيانًا أن هناك سباقًا غير معلن بين الحزبين الأمريكيين الكبيرين لخدمة إسرائيل وتحقيق أهدافها الكبري، والذى يتابع الحملات الانتخابية الأمريكية فى كل مراحلها يكتشف أنها مباراة لإرضاء إسرائيل وخطب ود اليهود طلبًا لدعم اللوبى الصهيونى لهم فى الانتخابات.

ثالثًا: إننى كعربى مصرى كنت أتطلع إلى استمرار ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية لا حبًا فيه ولا احترامًا لعقليته المضطربة وتصرفاته غير المتوقعة ولكن إعمالًا للمأثورة الشهيرة «إن الشيطان الذى تعرفه خير من الملاك الذى لا تعرفه» ، كما إننى لا أنسى له موقفه الإيجابى نسبيًا مع مصر فى أزمة سد النهضة ومحاولاته الوصول إلى تسوية بين القاهرة وأديس أبابا وإن كانت هناك ضغوط قد حدثت على إثيوبيا نعرف مصدرها جيدًا وهى التى أدت إلى انتكاسة المباحثات وامتناع الوفد الإثيوبى عن السفر إلى واشنطن رغم أن الاتفاق كان شبه نهائى بين الطرفين، وقد يقول قائل إن ترامب كان شخصية متقلبة ولا ضمان لاستمرار موقفه فى اتجاه بذاته ـــ وهذا صحيح إلى حد كبير, ولكننا كعرب كنا قد دفعنا بالفعل ثمنًا لإدارة ترامب بتعديل كثير من مواقفنا تجاه إسرائيل، وسوف يحاول الرئيس الجديد أن يحصل على ميزات جديدة تنسب إليه وترتبط بإدارته.

رابعًا: علينا أن نفرق بين مواقف الأحزاب ومرشحيها أثناء الحملات الانتخابية وبينها عند الوصول إلى السلطة، فالكثير من تصريحات بايدن مقلق ولكننا ندرك أنها عمليات تصعيد فى المراحل الساخنة من الحملات المتبادلة أثناء السباق المحموم للوصول إلى أكبر منصب فى العالم، ولذلك فإن الرئيس الأمريكى القادم سوف تختلف سياساته ومواقفه عما كان يردده فى حملته الانتخابية فهو الآن لا يشترى أصوات الناخبين، ولكنه يضع دعائم إدارته ويطرح الخطوط العريضة لسياساته، وقد تختلف فى مجملها عن بعض تصريحاته أثناء حملته الانتخابية.

خامسًا: لعلنا نلاحظ أن أوروبا قد رحبت بجو بايدن بديلًا لدونالد ترامب إذ إن هجوم ترامب على أوروبا وانسحابه من الاتفاقيات الكبرى خصوصًا تلك المتصلة بتغير المناخ فضلًا عن بعض تصرفاته العنصرية التى كانت تضرب المبادئ الأساسية للقيم التى استقرت عليها مجموعة الدول المسيحية الغربية إلى جانب تجاهله للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، والتى كان من أمثلتها حظر دخول مواطنى دول محددة معظمها إسلامية إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى سابقة غير معهودة فى العلاقات الدولية المعاصرة.

إننا ندعو إلى عدم الإفراط فى التفاؤل أو التشاؤم، فالإدارات الأمريكية فى معظمها نسخ مكررة لا تختلف إلا فى الكاريزما الشخصية لكل رئيس جديد، كما أنه يتعين علينا جميعًا أن ندرك أن الدور الأمريكى فى العالم كله قد شهد فى السنوات الأخيرة نوعًا من التراجع النسبى بسبب تعاظم إمكانات القوة الثانية وهى الصين فضلًا عن الصحوة الروسية التى تمثلت فى الرئيس الروسى القوى فلاديمير بوتين والتى جعلت هناك ندية سياسية بين الروس والأمريكان وندية اقتصادية بين واشنطن وبكين، ونحن نتوقع أن تفتح الإدارة الأمريكية الجديدة ملفات حقوق الإنسان فى الدول المختلفة، وأن تجعل منها قضية تحاول أن تسيطر بها على سياسات تلك الدول إلى حد الابتزاز إذا لزم الأمر، ولا نظن أن بايدن سيكون أقل حماسًا لإسرائيل وأهدافها من سلفه، بل قد يشتط فى ذلك مزايدًا على ترامب وإدارته السابقة ولكن تبقى هناك ملفات شائكة على مكتب الرئيس الأمريكى الجديد، ومنها العلاقات مع كوريا الشمالية فضلًا عن الطبيعة الحساسة للعلاقات الحالية بين بكين وواشنطن، خلاصة القول إننا يجب ألا نتباكى على حكم ترامب وألا نقلق كثيرًا من رئاسة بايدن، فالتفاوت بين الإدارات الأمريكية يتضح فى الشئون الداخلية ولكنه فى الغالب لا تكون له درجة الوضوح فى السياسات الخارجية للدولة الأمريكية، لأنها سياسة عملية ذات إستراتيجية طويلة المدى لا ترتبط بأفراد أو أحزاب رغم تأثرها بهم.. وتبقى هناك مبادرات لأزمة من جانبنا لتحسين العلاقة بيننا وبين ساكن البيت الأبيض الجديد.


لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى

رابط دائم: