رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تاريخ مواز وصحافة ممتعة فى «الشعب يبدى رأيه»

هاجر صلاح

لو علم الصحفيون أن ما يسجلونه اليوم فى صحفهم من أخبار وحوارات وتحقيقات سيكون ربما بعد سنوات مصدرا لكتابة التاريخ ، لأدركوا هول المهمة الملقاة على عاتقهم، ولتحروا المزيد من الدقة والأمانة فى عملهم. هذا ما يؤكده لنا كتاب « الشعب يبدى رأيه فى كل ماحدث » الصادر أخيرا عن دار شمس للكاتب محمد الشماع.

انتقى الكاتب فى كتابه الذى هو أقرب الشبه بالمجلة؛ مجموعة من الأخبار والتحقيقات والحوارات والإعلانات المنشورة فى صحف ومجلات مختلفة، معظمها فى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وكان بالطبع لما انتقاه من مواد صحفية دلالات واضحة ربما يستشفها القارئ من العناوين .. تخيل مثلا أن تقرأ تقريرا يحمل عنوان القاهرة علبة سردين! منشورا فى عام 1949 فى مجلة «الاتنين والدنيا»، يحوى إحصائيات عن عدد الأتوبيسات ومركبات الترام المتاحة ،ومقارنتها بعدد سكان العاصمة ( 2مليون و365ألفا) لتتأكد أن الزحام فى مصر مشكلة أزلية! هل تتصور أن تجد تحقيقا بعنوان انقذوا هذا الجيل فى ذات المجلة فى عام 1952 متحدثا عن مواليد الأربعينيات وكيف أنهم ضائعون مدللون وفاشلون دراسيا ، وبعمل استطلاع رأى لهم اكتشف المحقق ضحالة معلوماتهم التاريخية والجغرافية، فـ80% منهم مثلا لا يعرفون البلد الذى عاصمته دمشق! هل كان صاحب التحقيق متجنيا على الجيل الناشئ كما هو الحال دائما بين كل جيل وخلفه..ربما! .

من يتصفح الكتاب سيدرك كم كانت الصحافة فى تلك الفترة الزمنية جذابة بشكل حقيقى للقارئ، ليس فقط بالعناوين الجريئة، كذلك العنوان الذى حمله حوار مع توفيق الحكيم بمناسبه اختياره عضوا فى مجمع اللغة العربية، فكتب لطفى رضوان: أحدث أعضاء المجمع اللغوي.. لا يعرف عنوان المجمع! وهى حقيقة وردت بالفعل على لسان الحكيم فى الحوار، أو أن تجد تقريرا فى أوائل الخمسينيات عن حال كبار الموظفين فى الدولة بعنوان: « الموظف الكبير .. غلبان كبير»! الجرأة امتدت إلى الأفكار المطروحة ،فهل تتخيل أن تجد تقريرا بعنوان: أين مكانك فى الآخرة؟! وهو السؤال الذى وجهه كاتب التقرير فى مجلة «مسامرات الجيب» لعدد من كبار الكتاب، فيجيب مصطفى أمين بأنه يعتقد أنه ذاهب إلى الجنة إلا اذا كان حراسها من الوفديين!، بينما يضحك محمد التابعى من السؤال ويجيب بأنه يعتقد بدخوله الجنة رغم أن أصدقاءه يعتقدون أنه ذاهب للجحيم. الحرص على جذب القارئ - دون خداعه- كان سمة أساسية فى صحافة زمان، فنجد مثلا خبر القبض على الرجل الذى شرب نهر النيل! ليتبين فى نهاية الخبر الذى تمت صياغته فى صورة قصة قصيرة أن «نهر النيل» ما هو إلا نوع شائع حينها من المخدرات! وبالعودة لنقطة التأريخ نجد مثلا تقريرا ينسف فكرة ارتباط تحديد الملكية الزراعية بثورة يوليو، فهاهو الملك فاروق يمنح أراضى زراعية لصغار الفلاحين، بناء على قانون أعدته حكومة النقراشى ووزير ماليته مكرم عبيد، ونشرت جريدة المصور تغطية للحدث تحت عنوان: 600 أجير يصبحون ملاكا، جاء فيها أن مشروع توزيع الأراضى على صغار الفلاحين أول محاولة عملية لتحقيق العدالة الاجتماعية. لم يهتم الشماع فى كتابه بالموضوعات الطريفة أو الغريبة فحسب، بل عرض مجموعة من الحوارات والمقالات الجادة أيضا، منها السياسى والثقافى والفني، لكنها مع ذلك لم تخل من طرافة وابتكار كما قال الموهوب الشاب أحمد فؤاد نجم فى حوار معه إنه يطلب عملا شريفا لأن له مواهب إجرامية، أو أن تصف أم كلثوم باريس فى نهاية الأربعينيات بأنها مدينة الفقر والمرض والجهل، أو أن يكشف جورج سيدهم وسمير غانم أنه بعد وفاة الضيف أحمد ثالثهما فى فرقة ثلاثى أضواء المسرح، أنهما قدما مسرحية لم يحضرها سوى ثلاثة متفرجين! ولن نجد فى الختام أفضل من ذلك الإعلان العجيب الذى نشرته مجلة « الاتنين والدنيا» عن صابون نابلسى فاروق، والذى جاء فى صورة جادة للغاية على هيئة تصريحات لأبرز الشخصيات السياسية حينها ؛كشريف صبرى وعلى ماهر واسماعيل صدقى ومكرم عبيد، جاء على صفحة كاملة تحمل صور الشخصيات المهمة، وبجانب كل صورة تصريح صاحبها ، يشيد بالصابون ويتمنى له الرواج والنجاح ، فى إطار يبدو الظاهر منه تشجيع الصناعة الوطنية! ومن المعروف أنه بعد ثورة يوليو غير صاحب المنتج اسمه إلى نابلسى شاهين، فى نموذج صارخ للنفاق السياسي.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق