رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«ستاشر»

لم أصدق نفسى حين قرأت نبأ فوز الفيلم المصرى الروائى القصير «ستاشر»: أخشى أن أنسى وجهك, بالسعفة الذهبية لمسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان «كان» السينمائى فى دورته المختصرة الأخيرة. صحيح أنه «كان» قد سبق له أن فاز بجائزة مهرجان موسكو الشهر الماضي، لكن مهرجان كان الذى يعتبره البعض أهم مهرجان سينمائى عالمى له مكانة مختلفة. تذكرت عقودا من محاولات المخرج الاستثنائى يوسف شاهين للفوز بهذا التكريم وإن كان قد كُرم فى النهاية على مجمل أعماله ليأتى تلامذة تلامذته ويحققونه كبشارة أمل فى انطلاقة طال انتظارها للسينما المصرية. نعرف قيمة الفوز أكثر عندما نعلم أنه دخل التصفية النهائية مع 11فيلما اختيرت من بين نحو 3800 فيلم تقدمت للمسابقة. لم يخل التاريخ الطويل للسينما المصرية من أفلام رائدة وعظيمة وخالدة لكن حلم العالمية ظل بعيدا عنها وإن كُرمت فى مهرجانات هنا وهناك، وكم تساءلت عن السبب وهل يكون فجوة ثقافية أم تحيزا ما أم علاقات عامة؟ طالما أن بعض الأفلام المصرية مثل دعاء الكروان ارتفعت إلى ذات مستوى الأفلام التى فازت بجوائز عالمية. لا أعرف عن «ستاشر» شيئا سوى أنه يحكى فى ربع ساعة قصة شاب عمره 16سنة يخوض رحلة من أجل توديع شخص عزيز عليه، ولا أعرف أحدا من صناعه أو ممثليه لكنى لم أستطع أن أمنع نفسى من إبداء ملاحظتين أساسيتين إحداهما عن الفيلم والثانية عن قوة مصر الناعمة.

أما الفيلم الذى تعود فكرته لمخرجه سامح علاء وكتب نصه محمد فوزى وأنتجه محمد تيمور وقام ببطولته سيف حميدة فهو أساسا نتاج جهد سنة ونصف السنة لمجموعة من الشباب لا شك أن لديهم رؤية وحافزا يستحقان الاحترام، وهو ما يمنحنا الأمل فى منحنى جديد صاعد للسينما المصرية بعد أن امتدت أزمتها، وقد لفتتنى بشدة ميزانية الفيلم التى يقول منتجه إنها نحو 200 ألف جنيه، وهو رقم بالغ الهزال إذا تذكرنا أن نسبته لا تتجاوز نصف فى المائة من أعلى أجر لممثل فى مسلسلات رمضان الماضي، والمحزن أن أسرة الفيلم قد عانت معاناة حقيقية فى تمويله، ويعنى هذا أن الفيلم الذى حقق لمصر هذا الفوز الثمين كان مهددا بألا يخرج إلى النور، وهو ما يدعو إلى التذكير بأهمية دور الدولة فى دعم هذه الأعمال الرائدة التى يثبت الفيلم أن هذا الدعم لا يمثل عبئا ثقيلا على كاهل الدولة فى مقابل العائد المعنوى الذى يمكن أن يأتى به، فضلاً عن أنه قد لا يشكل عبئا أصلا حال نجاحه تجاريا، كما تذكرت فكرة كنت قد طرحتها فى الأعمال التحضيرية للقمة الثقافية العربية لقيت اهتماما وبعض الحماس، وتتمثل الفكرة فى إنشاء «بنك ثقافي» يمكن أن تسهم فيه بعض مؤسسات الدولة المعنية بالثقافة والفن وبعض النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدنى ذات الصلة، بل بعض الأفراد المؤمنين بفكرته، وتقوم فكرة البنك على توفير رأسمال يكفى لتمويل أعمال فنية واعدة فى السينما والمسرح وغيرهما بشرط توافر معايير تضمن جديتها وقدرة بعضها على الأقل على الربح بحيث يستطيع البنك الاستمرار فى نشاطه والمحافظة على رأسماله إن لم يزده، غير أن القمة لم تنعقد أصلا وإن بقيت الفكرة قابلة للنقاش على المستوى الوطني.

أما المعنى الأهم فيتعلق بقوة مصر الناعمة التى لعبت فيها السينما والمسلسلات التليفزيونية المصرية دورا مهما وإن لم يكن الأهم إذا تذكرنا مثلا الدور الذى لعبته إذاعة صوت العرب فى معارك التحرر العربى من الاستعمار ، حيث نجحت فى تعبئة الجماهير العربية فى هذه المعارك إلى الحد الذى كان وقف حملات صوت العرب إجراء أساسيا من إجراءات بناء الثقة قبل بداية أى مفاوضات تكون مصر طرفا فيها مع أى قوة استعمارية كما كان الحال فى جنوب اليمن، وقد كان للسينما المصرية وضع احتكارى فى الوطن العربى مكنها من نشر القيم السياسية والاجتماعية التى عبرت عنها الأفلام المصرية، فضلا عن ذيوع اللهجة العامية المصرية وأذكر حواراً مع مخرج سينمائى من قطر عربى شقيق فى العصر الذهبى للسينما المصرية سألته فيه عن مستقبل السينما فى بلده فأجابنى بمنتهى الجدية: لن يكون هناك مستقبل مادامت بقيت السينما المصرية على حالها، ثم أتت عليها مرحلة شهدت فيها كماً مذهلا من الأفلام التافهة التى لا أدرى هل كانت نتاجاً لواقعٍ تردى أم أنها كانت سببا فيه أم الأمران معاً؟ وكنت فى الوقت نفسه أُلاحظ أن أجيالاً جديدة من شباب السينمائيين بدأت تبزغ فى بلدان المشرق والمغرب العربيين وتحقق إنجازات مهمة على الصعيد الدولي، وكان القلق يساورنى من أن تفقد مصر ريادتها العربية فى واحد من أهم عناصر قوتها الناعمة التى لا تقل أهمية بحال عن القوة الصلبة التى نجحت مصر فى السنوات الأخيرة بحمد الله فى بنائها، وتزداد هذه الأهمية بسبب حملات الكراهية المتعمدة المفتعلة التى تتعرض لها مصر فى بعض البلدان العربية، ومن هنا كان الوقع الاستثنائى لنبأ فوز «ستاشر» بسعفة «كان» الذهبية كمؤشر على مستقبل مشرق للفن السابع فى مصر يستعيد فيه ريادته العربية وينطلق إلى آفاق العالمية، ومن حسن الطالع أن يأتى هذا الحدث فى سياق إيجابى تمثل فى ظهور أعمال فنية رفيعة المستوى وبالذات من المنظور الوطنى كفيلم «الممر» ومسلسل «الاختيار» وهو ما يخلق مناخاً للتفاؤل فى استعادة القوة الناعمة المصرية مكانتها وفاعليتها فى الداخل والخارج، غير أن تحويل التفاؤل إلى واقع يحتاج جهودا مخلصة يتكاتف فيها الجميع على الصعيدين الرسمى وغير الرسمي. تحية لصانعى فيلم «ستاشر» بمن فيهم جميع الجنود المجهولين الذين لا نعرفهم بقدر ما أشاعوا فينا الأمل فى مستقبل أفضل تستحقه قوة مصر الناعمة.


لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد

رابط دائم: