رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بالكلمات: نعم.. بالطعنات : لا!

من حقنا بكل تأكيد ومن واجبنا أيضا أن نستنكر الرسم البذيء الذى نشرته صحيفة «شارل إبدو» الفرنسية وسخرت فيه من نبينا الكريم. لا لأن هذا الرسم أو أى فعل آخر صغر أو كبر قادر على أن ينال ذرة من نبى الإسلام، ولكن لأنه يستهزئ بديانة من أكبر ديانات العالم، ويؤذى مشاعر معتنقيها الذين يزيد عددهم على مليار ونصف مليار إنسان يملأون الدنيا من غرب الصين إلى غرب افريقيا، فضلا عن المسلمين الأوروبيين والأمريكيين الذين يبلغ عددهم خمسين مليونا منهم ستة ملايين فرنسى يحتلون من حيث العدد المكان الثانى بعد المسيحيين الكاثوليك. ونحن المسلمين لسنا وحدنا الذين يستنكرون هذا الرسم البذيء ويشعرون وهم يرونه بالاشمئزاز من الرسام الذى خطه ومن الصحيفة التى نشرته، ولكن العقلاء المستنيرين ذوى الضمائر الحية فى العالم كله يشاركوننا مشاعرنا ويقفون إلى جانبنا، لأنهم هم أيضا لهم ما يقدسونه وينتمون له ويعتبرون المساس به اعتداء عليهم وتهديدا لوجودهم، خاصة حين يرون أن الرسم المنشور لا ينطوى على رأى مفهوم ولا يعبر عن موضوع قابل للنقاش، وإنما هو تحرش عنصرى وعدوان مجانى على مواطنين فرنسيين لا يختلفون عن غيرهم إلا فيما يحق لهم أن يختلفوا فيه وهو عقائدهم الدينية ، ولا يملكون الكثير مما يملكه غيرهم، ويستندون قبل كل شيء للمبادئ والقوانين التى تضمن لهم حقهم فى ممارسة حياتهم مع غيرهم من المواطنين، دون شعور بأنهم مبعدون ومحاصرون وغير مرغوب فيهم. فإذا كانت الصحيفة الهزلية تحتج فى عدوانها هذا بحرية التعبير فهى أول من يسيء لحرية التعبير ويفرغها من محتواها. لأن حرية التعبير حق من حقوق الانسان يدافع به عن نفسه ويمارس به حياته على النحو الذى يمكنه من معرفة الحق والتزامه والعمل به، فإذا تحولت إلى مطية أو غطاء للعدوان على الآخرين خاصة على من لا يملكون القدرة على الرد فقدت قيمتها وسهل على الناس أن يستهينوا بها وألا يعولوا عليها، خاصة حين يحدث هذا فى فرنسا التى سبقت غيرها فى الدفاع عن الحريات، وفى مقدمتها حرية التفكير والتعبير والاعتقاد. من هنا وقف رئيس أساقفة تولوز وهو أحد أعمدة الكنيسة الكاثوليكية فى فرنسا معترضا، لأنه لا يحق لأحد أن يسخر من الأديان. والرسم الذى نشرته الصحيفة الفرنسية لا يسيء للإسلام وحده وإنما يسيء أيضا للمسيحية كما قال. والنتيجة هى ما حدث وما لا يزال يحدث حتى الآن. وحرية التعبير لابد أن ترافق بشعور عال بالمسئولية. وهذا الشعور هو الحد الذى يحفظ لحرية التعبير معناها ووظيفتها وهى أن تكون طريقا للتفاهم. نحن أحرار بالمعنى الذى عبر عنه الشعار الفرنسى المثلث الذى بدأ بالحرية ليصل إلى المساواة ومنها إلى الإخاء. نحن لسنا أحرارا لنتقاتل، بل نحن أحرار لنتآخي. والذى قاله رئيس الأساقفة الفرنسى قاله رئيس الوزراء الكندى الذى طالب بأن نتصرف مع الآخرين باحترام، وألا نجرح مشاعر الذين يعيشون معنا دون داع أو سبب، وأن يكون لدينا وعى بالنتائج المترتبة على ما نقوله ونفعله، خاصة فى مجتمع متنوع له أن يرتبط بأصوله المتعددة وعليه أن يحافظ على ما يتكامل به ويتوحد. ومن هنا حاجته لحرية التعبير التى تمكننا من أن نختلف ونتحاور ونتفاهم ونحتكم لعقولنا ومبادئنا وقيمنا ومصالحنا. وتلك هى حدود الحرية. ومن المؤكد أن الرسام الذى سمح له ضميره بأن يرسم الرسم البذيء الذى نشرته الصحيفة الفرنسية لا يعرف شيئا عن محمد ولا يعرف شيئا عن الإسلام، لا هو ولا من يعمل معهم. ولو أنه نظر وراءه ليرى العالم كيف كان قبل محمد وكيف أصبح بعده، لو قرأ ما جاء فى كتب المسلمين عن العقل، وحرية الإرادة، والتسامح، والحق فى الاختلاف، والأخوة الإنسانية، أو قرأ ما شهد به غير المسلمين ممن فكروا فى الإسلام بسعة صدر وموضوعية ومعرفة بالظروف التى ظهر فيها الاسلام وشق طريقه وصنع تاريخه وبنى حضارته.. لو أن هذا الرسام حسب حسابا للملايين الستة من مواطنيه المسلمين ولغيرهم ممن يدينون بالإسلام فى أنحاء العالم لكبح جماح نفسه ووقف عند الحد الذى لا يحق له أو لغيره أن يتجاوزه.

ولست فى حاجة للتأكيد على رفضى الحاسم لردود الفعل الهمجية التى تمثلت فى قتل المدرس الذى اعتبر الرسم المنشور فى الصحيفة الفرنسية تعبيرا عن حرية الرأي، كما تمثلت فى الهجوم الغادر على كاتدرائية نيس الذى أسفر عن قتل ثلاثة من المصلين رجل وامرأتين، ثم ما حدث فى أفيننيون، ثم ما حدث فى كيبك فى كندا، فضلا عن عشرات الجرائم المماثلة التى ارتكبها خلال السنوات الماضية من يدعون أنهم يدافعون عن الاسلام والاسلام منهم براء. هؤلاء لا يدافعون عن الاسلام بل يصمونه بالعنف والقسوة والدموية ويزودون من يعادونه بالحجة التى تبرر لهم إعلان الحرب عليه. أقول كذلك إن هؤلاء القتلة الذين يدعون الغيرة على الاسلام لا يختلفون فى شيء عن الذين استهزأوا به، بل هم يفوقونهم عنفا وجهلا بالاسلام الذى يسلم بحق البشر فى أن يختلفوا، وأن يقبلوا ويرفضوا، ويطالبهم بأن يتعاونوا ويتبادلوا المنافع والمعارف، وأن يتجادلوا بالتى هى أحسن. والإسلام بهذه القيم لا يتعارض مع الحضارة الغربية التى انتفع بها فى الماضى والحاضر وانتفعت به. فإذا كانت هذه القيم قد تراجعت فى هذا العصر وفقدت حضورها وتأثيرها، فالمسلمون هم المسئولون وليس الإسلام، لأنهم لا يراجعون أنفسهم ولا يجددون فكرهم. وكما يكون المسلمون فى أوطانهم يكونون فى مهاجرهم. وكما يكون المسلم صورة للإسلام الحق تكون صورة الإسلام فى عيون الآخرين. وكما يكون الفرنسى صورة للثقافة الفرنسية الحقة يكون احترامه للآخرين واعترافه بحقوقهم. علما بأن المسلمين فى فرنسا ليسوا آخرين بل هم فرنسيون. وهذا ما كنت أتمنى أن يكون واضحا فى كلام الرئيس الفرنسي. فإذا كان الرئيس الفرنسى يرى أن المسلمين لم يندمجوا بعد كما يجب فى المجتمع الفرنسى فليسأل عن السبب، وسوف يجد الجواب!.


لمزيد من مقالات بقلم ـ أحمد عبدالمعطى حجازى

رابط دائم: