رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العلم والإخفاق فى مواجهة كورونا

لا تزال الحيرة والدهشة والتساؤل والغرابة تستأثر بعالمنا المعاصر، ذلك بعد أمد زمنى من حالة الهلع التى ارتبطت بدايتها بانتشار الوباء الكونى لكن تظل مؤشراتها مجهولة رغم التسابق المحموم بين المختبرات على اختلاف مركزيتها الحضارية لإبادة الوباء الذى أعجز العلماء وثارت على أثره هالات من الشكوك فى مدى سطوة العلم وسيطرته المطلقة على كل الظواهر والأشياء، من ثم فقد تزحزحت درجة الإيمان به عن كونه العاصم الأوحد من ويلات ومآزق دائماً ما يستحدثها الظرف التاريخى، لكن توحد السؤال فى الأفق الإنسانى عن كيفية الخلاص ؟

فها هى البوصلة الجديدة التى تقدمها منظمة الصحة العالمية داعية خلالها إلى الانطلاق نحو ما هو أبعد من العلم ومعطياته بعد بصمة الإخفاق فى تفكيك معضلة كورونا، مؤكدة أن التعامل مع تلك المعضلة من خلال مسار العلم وحده لن يكون كافياً لاجتياز تلك الأزمة، ذلك بجانب ضرورة أن تتوافر للأنظمة والسلطات درجة من الشجاعة والتعاطف والإنصات للجماهير بما يسمح بوضع سياسات واعية تستند إلى فهم أعمق لاحتياجات تلك الجماهير، فهل كان ذلك لضعف الثقة فى العلم أمام توحش الوباء واستشرائه والذى مثل تحدياً غير مسبوق؟ أم بعداً عن الرؤية الأحادية المقيتة التى تكتفى بالعلم وحده متنكرة لأي أبعاد أخرى يمكن أن تكون ذات تأثير وفاعلية؟ وطبقاً لذلك فقد بدأت ألمانيا فى جولة كبرى لاستقصاء آراء الفلاسفة والمؤرخين وعلماء الاجتماع والنفس وكذلك علماء الدين وهى خطوة رائدة لكشف الغوامض والطلسمات على صعيد آخر، كما تعد دافعة نحو الوقوف على أغوار قضية شائكة لم تصمد لها تلك السياسات الاعتيادية التى أخفقت فى إنتاج استراتيجية إبداعية تمثل حصانة للكوكب الأرضى، ذلك بدلاً من التهالك على تطبيق نظرية المليار الذهبى المعتمدة فى جوهرها على انتقائية البشر وسلب الحق الإنسانى فى ممارسة أنماط الحياة وبالفعل هى إبداع عنصرى لا يتسق مع طبيعة الوضعية الحضارية

إن غياب المعايير الأخلاقية التى هى نتاج طبيعى للتنظيم الاجتماعى البشرى إنما تمثل مصدر خلل بارزا فى المنظومة المعاصرة، لأن الحضارة فى أصلها كانت وستظل هى جماع القيم الإنسانية العليا المحركة للنوازع الإيجابية ليس غير، من ثم فإنه وسط التأزمات الكبرى التى يعايشها المجتمع الدولى بأسره يصير الميثاق الأخلاقى حتمية معرفة محققة لغايات السلام والعدالة والحرية. فاستلهام القيم الدينية والروحية إنما يمثل دعامة محورية تُبرئ المجتمعات التى أقامت فلسفتها واستراتيجيتها الحياتية على المردودية والنفعية وغيرها من القيم المادية التى طمست الطابع الإنسانى، وتبعاً لانفجار الوضع الوبائى فإن نداءات منظمة الصحة العالمية تعد محفزة ودافعة لاختراق ساحة جديدة تتعدد فيها الرؤى والمنظورات بتعدد الآليات العلمية ومدى ديناميكيتها فى التفاعل مع الظواهر المستحدثة، من ثم تظل فكرة تكامل العلوم ووحدتها هى الأساس القوى فى جدلية التعامل الموضوعى مع كل ما يتجلى لإنسان هذا القرن، لأنه كلما تقدم العلم وازداد غوراً فى تخصصه غمض فهم العالم ووهنت قدرته على اكتساب الإنسان تلك الرؤية الشاملة التى تمكنه من إدراك عالمه بصورة مكتملة كما أكد أدموند هوسرل.


لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبو العلا

رابط دائم: