رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خطيئة ماكرون.. والرسوم المسيئة

التقينا مجموعة من الأصدقاء بمناسبة المولد النبوي الشريف، نتعطر بسيرته ومكارم أخلاقه، حين انحرف بنا الحديث إلى واقعة باريس الأخيرة، وتصريحات الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون المستفزة للمسلمين.

قلت: قطعا ندين أي إهانة لديننا ورسوله الكريم، ومن حقنا أن نعمل على وقف هذه الإساءات ومنعها تماما، لكن بنفس الدرجة لا نقبل قطع رقبة الرجل الذي أساء إلى الرسول.

فسألني صديق: وكيف نرد؟، أليست الرسوم المسيئة للرسول عنفا؟

قلت: ألفاظ السب عنف، الرسوم التي تسخر وتستهزئ برسول الله درجة أعلى من العنف، لكن القتل هو أقصى درجات العنف، خاصة إذا كان ذبحا وقطع رقبة.

وكيف نرد؟. أجبت: نرد كما رد الرسول نفسه، ولنا في سلوكه ما يغنينا ويصد عنا الشطط. سأل: كيف؟. قلت: كلنا نعرف ما حدث للرسول في مكة قبل الهجرة، من إساءات بالغة معنوية ومادية عنيفة من أول اتهامه بالسحر والشعر والشعوذة إلى إلقاء أشياء قبيحة عليه، ولم يرفع سيفه ليقتل من أساءوا إليه، بل كان يجادلهم بالتي هي أحسن.

قال: لا يجب القياس على فترة الاستضعاف في بدء الدعوة، فالمسلمون كانوا قلة، ولم يكن بمقدورهم رد العدوان المعنوي والمادي عنهم. قلت: لا تنس أن الدائرة دارت دورة كاملة، وامتلك الرسول والمسلمون كل أسباب القوة والتمكين ولم يقتلوا ولم ينتقموا.

سأل: ومتى حدث هذا؟. قلت: ثمة وقائع كثيرة بعد دخول مكة واستتباب الأمر للمسلمين فيها، لكن دعنا نذكر بما حدث عند الفتح وقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من دخل بيته فهو آمن ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن، وكان أهل مكة وقتها الأشد عداوة للرسول والإسلام والمسلمين، وظلوا على عداوتهم للنهاية، ومن هؤلاء هند بنت عتبة، التي أغوت العبد وحشي بالحرية والثروة ليقتل حمزة عم النبي في غزوة أحد، وغيرها كثير من أهل مكة ممن تعرضوا للرسول.

قال: يعني نسكت على إهانة رسولنا والإساءة إليه؟

قلت: قطعا لا، كان يمكن لمسلمي فرنسا أن يرفعوا دعوى ضد مدرس التاريخ بتهمة بث الكراهية والتحريض عليها، كان يمكن للتلاميذ المسلمين وأولياء أمورهم أن يتظاهروا على باب المدرسة مرة أو مرتين كل أسبوع، بلافتات تندد بسب الرسول وإهانة دينهم وإيذاء مشاعرهم ، كان يمكن أيضا لجمعيات إسلامية أهلية أن تشترى صفحة أو صفحتين في كبريات الصحف الفرنسية وتشرح وقائع الجريمة التي ارتكبها مدرس التاريخ عمدا، وتأثيرها على بنية المجتمع الفرنسي وسبب مطالبتهم بمحاكمته. بالقطع يملك المسلمون في فرنسا وفي غيرها من الدول الأوروبية عشرات الوسائل والأدوات للرد والجدال بالتي هي أحسن.

سأل: قطعا لن يحاكموه، ولن يقفوا ضده، ألم يقل الرئيس الفرنسي ماكرون إن الرسوم المسيئة هي من حرية التعبير الذي يجب أن تصونها فرنسا؟ أجبت: نعم..قال الرئيس الفرنسي ذلك، وهو خطأ كبير منه، فحرية التعبير كما يعرفها معجم ميريام ويبستر: هي الحق في التعبير عن المعلومات والأفكار دون قيود حكومية على أساس المحتوى، وتخضع فقط لقيود معقولة، كصلاحية الحكومة في تجنب خطر واضح وقائم، ولا تشمل حرية التعبير أفعالا من شأنها إلحاق الضرر بالآخرين، مثل الصياح أو إطلاق النار في مكان مزدحم أو صناعة مواد فاحشة وتوزيعها او الدعوة إلى تعاطي المخدرات.

رد: ليس فيها ما يمنع الرسوم المسيئة للرسول أو إهانة الدين. قلت: لا فيها.. الرسوم هي مواد فاحشة، والفاحشة هي كلمة أو تعبير مؤذ ومهين، وإهانة أي دين بأي شكل هو أذي معنوى شديد لأصحابه، وتقول كثير من المراجع القانونية: لا يمكن الاعتراف بحرية التعبير بأنها مطلقة، وتتعلق قيودها أو حدودها بالتشهير والافتراء والفحش والمواد الإباحية والفتنة والتحريض والكلمات القتالية والمعلومات السرية وانتهاك حقوق النشر والأسرار التجارية والحنث باليمين، ويقول جون ستيوارت ميل في كتابه «على الحرية»: الغرض الوحيد الذي يمكن للسلطة أن تمارس دورها على أي فرد في المجتمع المتحضر رغما عنه، هو منع إيذاء الآخرين.

سأل: وماكرون يعرف هذا ولا يعمل به؟ قلت: مؤكد يعرف، لكنه تصرف تحت تأثير تاريخ طويل من تربص بين الغرب والإسلام، لكن لو لجأ مسلمو فرنسا إلى القانون دون أخذ الحق بالقتل والذبح، لكان عملا عظيما لدينهم، وكان يمكن لمسلمي العالم أن يتظاهروا بأدب واحترام أمام السفارات الفرنسية في بلادهم، هاتفين باحترام إسلامهم ومحاكمة من يسيئون إليه.

سأل: ولماذا أصلا يفعل غربيون ذلك ضد المسلمين والإسلام، حدث في هولندا وألمانيا والدنمارك وغيرها؟ قلت: لم يرتكبوا ذلك مع الإسلام ونبيه فقط، بل فعلوه مع المسيح وأساءوا إليه كثيرا بادعاءات مشينة، من أول نسبه إلى زواجه. قال: هذا يبدو غير منطقي وغير مفهوم.

قلت: لا.. مفهوم جدا وله أصول تاريخية مرتبطة بنشأة الأديان في أوروبا، الاغريق والرومان عرفوا تعدد الآلهة من قديم الزمان، بل وصوروا هذه الآلهة على هيئات بشرية، تكره وتحب وتعشق وتنجب وتنتقم بل وتتصارع مع بعضها البعض، وعاشوا هذا قرونا طويلة، يعني ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ولم تؤمن أوروبا برسالة سماوية إلا مع المسيحية حين آمن بها قياصرة الدولة الرومانية وجعلوها ديانتها الرسمية، لكن ظلت الأساطير القديمة تتنفس في مخيلة الأوروبيين وتحت جلدهم دون أن تذوب في الثقافة المسيحية، فلم يجدوا غضاضة أبدا في الكلام عن الأديان والأنبياء بطريقة فجة وسخيفة ومهينة، خاصة ولهم تاريخ حاد مع الكنيسة في القرون الوسطى، لكن مصر وبلاد الشرق الأوسط عرفت الوحدانية من قديم الزمان، والوحدانية تفرض قداسة على كل ما يتعلق بها. وعموما الأوروبيون أحرار في تصرفاتهم، لكن حين يقتربون من ديننا فعلينا أن نتصدى لهم بالقانون والضغط السياسي دون عنف، ودون قطع الرقبة، فهي جريمة يتجاوز صداها مسرح الحادث إلى كل أرجاء المعمورة، فصور الرقبة المقطوعة تمنع العقول المتابعة للأحداث عن استيعاب أي دوافع أو أسباب تقال حتى لو كانت معقولة، وترسم في مخيلة ستة مليارات نسمة من سكان الأرض غير المسلمين صورا لا تختفى بسهولة.


لمزيد من مقالات نبيـل عمــر

رابط دائم: