رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

معركة اختيار قاضية المحكمة العليا بين المحافظين والليبراليين

فاطمة محمود مهدى
باريت تلقى كلمة بعد ترشحها للمحكمة العليا الأمريكية

إيمى كونى باريت، المرشحة للمحكمة العليا الأمريكية، هى قضية خلاف جديدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، تزيد الوضع اشتعالا قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فبمجرد الإعلان عن ترشيح الرئيس دونالد ترامب لها، ثار الجدل حول توقيت ترشحها، وتوجهاتها، ومعتقداتها، وبدأ الصراع بين الجانبين على أشده مابين مناصر ورافض، طبقا لمصلحة وهدف كل طرف من توليها هذا المنصب رفيع المستوى.

وواجهت باريت الأسبوع الماضى ما يقرب من 20 ساعة من الأسئلة من أعضاء مجلس الشيوخ، خلال جلسات الاستماع فى اللجنة القضائية، وسوف تقرر اللجنة مصير باريت غدا، ثم تقوم بإرسال الترشيح لمجلس الشيوخ للتصويت، ومن المرجح أن يتم ذلك فى 27 أكتوبر، أى قبل أسبوع من إجراء الانتخابات المقررة فى 3 نوفمبرالمقبل. وهو ما يحرص عليه الجمهوريون، لعدة أسباب أهمها أن تعيين كونى باريت، سوف يغير من التوازن الأيديولوجى للقضاة على مقاعد المحكمة العليا، ليصبح 6 أعضاء محافظين إلى جانب 3 ليبراليين، مما يشكل ضمانة  للموقف الذى قد  تتخذه المحكمة العليا، إذا أُجبرت على الفصل فى نزاع قانونى بشأن الانتخابات المقبلة.

وإذا تم التصديق على تعيين باريت فى هذا المنصب الذى ستشغله مدى الحياة، فستصبح خامس امرأة على الإطلاق تعمل فى المحكمة العليا، والقاضية باريت (48عاما) ولدت فى 28 يناير 1972، فى نيو أورلينز بولاية لويزيانا، وهى البنت الكبرى لخمس أخوات وأخ ، وعمل والدها مايكل كونى محاميا لدى شركة شل، ووالدتها ليندا ربة منزل، ووالدايها ينتميان للحزب الديمقراطى. تخرجت فى مدرسة سانت مارى الثانوية 1990، وحصلت على درجة البكالوريوس فى الأدب الإنجليزى بامتياز من كلية رودس عام 1994، ثم درست القانون فى كلية الحقوق فى جامعة نوتردام بمنحة دراسية، وتخرجت فى عام 1997، وكانت الأولى على دفعتها، وحصلت على درجة الدكتوراة فى القانون بامتياز، كما عملت باحثة قانونية فى نوتردام 15 عاما تقريبا، وعملت استاذة مشاركة فى كلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن، حيث قامت بتدريس المحاكم الفيدرالية والقانون الدستورى والتفسير القانونى. ونشرت العديد من الأوراق العلمية فى المجلات الأكاديمية المتخصصة، كما حصلت على جائزة «أستاذ العام المتميز» ثلاث مرات فى جامعة نوتردام، وعملت كاتبة قانونية مع قاضى المحكمة العليا الراحل أنتونين سكاليا، وقررت التمسك بنفس النهج الذى اتبعه، الذى وصفته بأنه مكرس لعائلته، «حازم فى معتقداته، ولا يخشى النقد»، وخدمت أقل من ثلاث سنوات فى الدائرة السابعة لمحكمة الاستئناف بالولايات المتحدة، التى تغطى إنديانا وإلينوى وويسكونسن، وتم تعيينها فى منصبها الأخير من قبل ترامب فى عام 2017، وواجهت معركة شرسة فى مجلس الشيوخ، حيث رفضها العديد من الديمقراطيين لآرائها السياسية والدينية، وهى متزوجة منذ عام 1999، من زميلها فى كلية الحقوق جيسى باريت، وهو مدع فيدرالى سابق فى ساوث بيند بولاية إنديانا، ولديهما 7 أطفال، اثنان منهم تم تبنيهما من هايتى من ذوى البشرة السمراء، وأصغر أطفالها البيولوجيين يعانى متلازمة داون.

ومواقف باريت وضحت خلال جلسات الاستماع، فهى ترفع شعار «القاضى يجب أن يطبق القانون كما هو مكتوب، والقضاة ليسوا صانعى السياسات»، وعند المواجهة  تهربت من عدة أسئلة رئيسية، وتجاهلت أسئلة الديمقراطيين، فلم تقل ما إذا كانت ستنحى نفسها إذا أُجبرت المحكمة العليا على الفصل فى نزاع قانونى بشأن الانتخابات المقبلة، وأجابت بردود فضفاضة، فقالت «آمل بالتأكيد أن يكون لدى جميع أعضاء هذه اللجنة ثقة أكبر فى نزاهتى، بدلاً من الاعتقاد بأننى سأسمح لنفسى بأن أستخدم بيدقا لتقرير هذه الانتخابات للشعب الأمريكي»، وبسؤالها حول التداول السلمى للسلطة، ردت كقاض أريد أن أبقى خارجها. كما رفضت التعبير عن رأيها فى إمكان الرئيس العفو عن نفسه. وتعارض باريت بوصفها، كاثوليكية محافظة، الإجهاض وزواج المثليين وأوباما كير، ولكنها لم تلزم نفسها فى أثناء الجلسات بالإجابة بنعم أولا وعند سؤالها عن إعلان عام 2006 ضد الإجهاض، وكانت قد وقعته لدعم إلغاء حكم عام 1973. أوضحت أنها وقعت عليه بصفتها مواطنة لكنها لن تفعل ذلك كقاضية.

وضغطت المرشحة الديمقراطية لمنصب نائب الرئيس كامالا هاريس عليها، وسألتها عما إذا كانت، قبل ترشيحها، على علم بتصريحات الرئيس ترامب التى تعهد فيها بتعيين قضاة «يسقطون» القانون، فأجابت باريت «لا أذكر أننى سمعت أو رأيت مثل هذه التصريحات»، وأكدت هاريس وجهة نظر الديمقراطيين بقولها «يتدافع الجمهوريون لتأكيد هذا المرشح بأسرع ما يمكن لأنهم بحاجة إلى قاضٍ آخر من ترامب، على مقاعد البدلاء قبل 10 نوفمبر للفوز وإلغاء قانون الرعاية بأسعار معقولة بالكامل». وردا على سؤال عما إذا كانت قد شاهدت فيديو وفاة جورج فلويد، قالت باريت: «نظرا لأن لديّ طفلين أسودين، كان ذلك أمرا شخصيا جدا بالنسبة لعائلتي» وذكرت أنها جلست مع ابنتها المراهقة وبكت عقب الحادث، قائلة «بكينا معا فى غرفتي».

وشددت باريت أكثرمن مرة، على أنها ملتزمة بفصل معتقداتها الخاصة، بما فى ذلك قناعاتها الدينية، عن أى قرارات قضائية، قائلة إن القيام بخلاف ذلك سينتهك يمينها القضائى، ووعدت بالحفاظ على ذهن متفتح، وقالت إنه لم يحاول ترامب ولا أى شخص آخر فى البيت الأبيض التأثير على آرائها، وأقسمت القاضية بأنها «ستطبق الدستور والقوانين كما هو منصوص عليها»، فى إشارة إلى أنها ستلتزم بمبدأ قانونى هو «حرفية النص» الشائع جدا فى أوساط المحافظين الأكثر تشددا.

ولقد أثارت ردود القاضية باريت جدلا ظهرت ملامحه بقوة، فى عرض الأعضاء الـ22 فى اللجنة القضائية، الذين كان لدى كل واحد منهم عشر دقائق للإدلاء بتصريحاتهم العامة، من خلال آرائهم المتناقضة بشأن ترشيح القاضية، لخص معارضوها موقفهم بطرح سؤال، ما هو الهدف من جلسة الاستماع إذا كنا لا نعرف ما هو رأيها فى أى قضايا طرحت عليها؟، كما ندد الديمقراطيون الذين لا يملكون ما يكفى من الأصوات لعرقلة تثبيتها، بأن إجراء جلسة استماع فى أثناء أزمة تفشى فيروس كورونا المستجد، خطوة «غير مسئولة». وعلى الجانب الآخر أشاد الجمهوريون فى مجلس الشيوخ بأنها قاضية «لامعة» وامرأة «استثنائية» و «نجمة قانونية».

وتجلى هذا الخلاف حولها بين مرشحى الانتخابات الرئاسية، قال المرشح الديمقراطى للرئاسة جو بايدن، إنه «ليس من المعجبين» بفكرة إضافة مقاعد إلى المحكمة العليا، قبل انتخابات نوفمبر، وأنه شكل من أشكال التعبئة فى المحكمة، التى لم يحدث من قبل، بعدما بدأت الانتخابات بالفعل، وأن الفرصة الوحيدة التى يحصل عليها الشعب الأمريكى لتحديد من سيكون عضوا مدى الحياة فى المحكمة العليا، هى عندما يختارون رئيسهم. ودعا بايدن مجلس الشيوخ إلى عدم المصادقة على تعيين باريت قبل الاستحقاق الرئاسى. وأن قرار تعيينها قبل الانتخابات «إساءة استخدام للسلطة»، وأكد أنه إذا فاز بالرئاسة فسوف يسحب هذه المرشحة. وعلى النقيض يصف الرئيس ترامب باريت، بأنها امرأة «ذات ذكاء خارق» و «ولاء لا ينضب للدستور، وواحدة من أكثر العقول القانونية ذكاءً وموهبة فى البلاد».وعن أدائها فى الجلسات قال «تقوم إيمى بعمل رائع». ويرجع البعض اختيار ترامب لباريت، أنها محاولة لإرضاء الناخبين المحافظين، الراغبين فى تعديل قوانين الإجهاض وزواج المثليين، وإلغاء النظام  الصحى اوباما كير.

وجدير بالذكر أن إيمى كونى باريت، قاضية كاثوليكية، مثل بايدن، ولكن الجدل الذى يدور حولها خاص بانتمائها لجماعة علمانية تعرف باسم «أهل الحمد»، حيث شغلت منصبا فى مجلس أمناء مدرسة الثالوث التابعة للجماعة، التى تعد واحدة من الجماعات المنتمية لتيار دينى مواهبى، آى يؤمن أتباعه بحلول الروح القدس عليهم، وقدرتهم على التنبؤ، والتحدث بلغات قديمة، وذلك هو التيار نفسه الذى ينتمى له عدد من القساوسة الإنجيليين الذين يدعمون ترامب. وهذا التيارغيرشائع فى أوساط الكاثوليك، ويثير انتقادات عدة وسط بعض اللاهوتيين والمفسرين، لأن نظامها القيادى محصور بأيدى الرجال فقط، ويستند أعضاؤها فى أبسط خيارات حياتهم الشخصية، إلى رأى قائد أو مرشد روحى. ولذلك يخشى كثيرون أن يكون لعقيدة باريت المتشددة، انعكاس سلبى على نزاهتها كقاضية.

 وتشير استطلاعات الرأى الى أن نحو 57% من الأمريكيين يعتقدون أن مهمة اختيار قاض بديل من مهام الرئيس المقبل، و38% يرون أن من حق ترامب الاختيار.

وترجع أهمية اختيار عضو بالمحكمة العليا للولايات المتحدة، لكونها أعلى محكمة فيدرالية (هيئة قضائية) فى أمريكا، تأسست بموجب المادة الثالثة من الدستور عام 1789، مكونة من رئيس المحكمة و8 قضاة معاونين، يعينهم الرئيس الأمريكى، ويتم الموافقة بالتصويت بالأغلبية بمجلس الشيوخ، ويظل القضاة فى مناصبهم لمدى الحياة، ما لم يستقل أو يتقاعد أو يقل بسحب الثقة. وتنعقد المحكمة فى مبنى المحكمة العليا فى «واشنطن دى سي»، والمحكمة فى المقام الأول هى محكمة استئناف نهائى لجميع قضايا المحاكم الفيدرالية، وهى المفسر النهائى للقانون الفيدرالى، بما فى ذلك الدستور الأمريكى، وقد تفصل فى قضايا ذات أبعاد سياسية، وذراعها التنفيذية هى السلطة التنفيذية وليس السلطة القضائية الحكومية. ولها الكلمة الأخيرة فى القوانين المثيرة للجدل، والنزاعات بين الولايات والحكومة الفيدرالية، وتولت فى الآونة الأخيرة قضايا الحقوق الإنجابية، وزواج المثليين، وهى محاور خلاف رئيسية بين الديمقراطيين والجمهوريين، لذلك يثار الجدل حول اختيار قضاة المحكمة العليا، لإحداث التوازن بين الاتجاه المحافظ والاتجاه الليبرالى، فى هيئة المحكمة التى تسن قوانين تحكم  أجيالا، وتشكل نظام المجتمع الأمريكى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق