رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اعتبارات ما بعد الكورونا

تستمر معظم المنظمات الدولية فى تأكيد على أن ظروف العالم ستتغير تماماً بعد انقضاء أزمة فيروس كورونا وتستمر فى التحذير من تزايد عمق الركود العالمي بالرغم من التدابير العالمية الواسعة النطاق للسيطرة على تفشي الفيروس. وفقاً للتنبؤات فإن معظم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية ستصل إلى أدنى مستوياتها منذ الكساد العظيم فى الثلاثينيات. تتمثل التوقعات الأساسية فيما يلى: حدوث انكماش بنحو 5٫2% في إجمالي الناتج المحلي العالمي في عام 2020 (من المتوقع أن تنكمش الاقتصادات المتقدمة بنسبة 7% أما الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية من المتوقع أن تنكمش بنسبة 2٫5% فقط).

بالتأكيد ستتأثر دخول الأفراد بانخفاض متوقع نسبته 3٫6% مما سينتج عنه بالتبعية زيادة معدلات الفقر بشدة، وهو بالفعل ما حذرت منه منظمة أوكسفام بالمملكة المتحدة من خلال تصريحها أن التداعيات الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا قد تدفع أكثر من نصف مليار شخص إلى الوقوع فى براثن الفقر، وأنه بانتهاء الوباء محتمل أن يعيش نصف سكان العالم البالغ عددهم نحو 7.8 مليار نسمة في حالة فقر. بالإضافة إلى ذلك، ستجد العديد من الشركات صعوبة في خدمة الديون مما سيؤدي لتزايد النفور من المخاطرة وارتفاع تكاليف الاقتراض، وستؤدي حالات الإفلاس والتخلف عن السداد إلى أزمات مالية في العديد من البلدان, فضلاً عن الاستغناء عن نسبة من الموظفين وتسريحهم لاسيما في شركات الطيران والسياحة والنقل واللوجستيات وهى القطاعات الأكثر تضررًا وكثافة عمالة حيث صرحت منظمة العمل الدولية بأن عدد العاطلين عن العمل قد يصل إلى ما يزيد علي 213 عاطلا حول العالم أى بنسبة تتجاوز 13% وهو ما يختلف كثيراً عن توقعاتها قبل أزمة فيروس كورونا بأن معدل البطالة سيكون مقاربا لمستوى عام 2019(5.4%) مع توقعات بفقدان 19 مليون مواطن وظائفهم فى أفريقيا, ويعد ذلك من أكثر الجوانب التي تثير القلق العالمي خاصة مع توقعات الخسائر الإنسانية والاقتصادية التي سُيكبدها الركود العالمي للقطاعات غير الرسمية والتي تُشكل ثلث الناتج المحلي الإجمالي ونحو 70% من إجمالي العمالة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.

فى هذا السياق، بات مؤكداً تأثُر التجارة العالمية بشكل أعمق ولفترة أطول مما شهدناه في الأزمات الماضية نتيجة عمليات الإغلاق التى تمت في العالم، وبالتالي فشدة الأزمة ستختلف حسب السلعة والمسار التجاري والاختلافات المحلية, ويتضح ذلك من توقعات منظمة التجارة العالمية بانخفاض التجارة العالمية بنسبة قد تصل إلى 32% في عام 2020 وهو ما يزيد علي أربعة أضعاف الانخفاض في أحجام التجارة خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008/2009 (كانت النسبة نحو 5%). أما أسعار النفط فتُعتبر سلاحا ذا حدين، نظراً لأن الرفع التدريجي للقيود المفروضة على النشاط الاقتصادي واستعادة الأسعار قوتها أخيرا تباينت آثاره بين مستوردي ومصدري الطاقة.

فى الحقيقة على الرغم من قتامة المشهد وحدته إلا إننى أميل إلى الفئة الأكثر تفاؤلاً والتى تتوقع أن الاقتصاد العالمي سيبدأ بالتعافي بعد أربعة أشهر من الآن، وأن تلك الأزمة تعد فرصة فريدة للتحول وتنويع الاقتصادات والخروج بأنظمة وسياسات أكثر مرونة والمضي نحو نتائج أكثر استدامة؛ خاصة أن التدابير الصحية المُتخذة طوال فترة الجائحة من المؤكد أنها حققت العديد من أهداف الصحة العامة المسبقة لمعظم الدول التى كانت تعاني فجوة فى عدد أسرة المستشفيات ونقص عدد أجهزة التنفس الصناعي مما سيكون له عظيم الأثر بعد انقضاء الأزمة.

تسير توقعات عام2021 نحو انتعاش النمو العالمي جزئياً ليصل إلى 4.2%، والاقتصادات المتقدمة بنسبة 3.9% أما الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية فستنتعش بنسبة 4.6%. يأتى ذلك بسبب البدء الفعلي فى محاولات تخفيف التداعيات العالمية بدءاً من النصف الثاني لعام 2020حتى يتم تجنب الأزمات المالية الواسعة النطاق من خلال قيام الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم بإعادة التشغيل الحذر للنشاط الاقتصادى. على الرغم من أن العودة إلى مستويات ما قبل الأزمة من الناتج المحلي الإجمالي والدخل وأرباح الشركات ستستغرق وقتًا خاصة بعد بدء ظهور الآثار السلبية المتوقعة إلا أن الإجراءات الحكومية وسياسات إعادة البناء المتبعة حول العالم على المديين القصير والطويل من شأنها تعزيز التدابير التحفيزية لإعادة دفع النمو وتخفيف وطأة الآثار السلبية للأزمة بشدة.


لمزيد من مقالات د. لبنى سعيد

رابط دائم: