عشاق العمارة الإسلامية يعرفون منزلة مسجد السلطان قايتباى فى تربة المماليك (حى قايتباى)، لأنه شاهد على زمن السلطان الذى كان مفتونا بتشييد القلاع والأسبلة (أشهرها سبيله فى المسجد الأقصى) والمدارس والمساجد، وهو الذى جدد عمارة المسجد النبوى مرتين، المملوك الشركسى الذى بيع بخمسين دينارا تقلب فى المناصب الى أن ارتقى عرش مصر فى ديسمبر 1468، يقول ابن إياس: حين أعلمه الأمراء باتفاقهم على سلطنته أعرض وتشدد في الإعراض، حتى إنه بكي وهم يلبسونه خلعة السلطنة, (الزي والعمامة الأسودان، كشعار للخلافة العباسية التي كانت قد انتقلت قبل قرنين تقريبًا للقاهرة)، عُرِف بنزعة دينية صوفية، واعتقاد بالأولياء والزاهدين والصالحين، كما عُرِفَ بإجلاله للمشايخ الكبار أمثال أمين الأقصرائي وجلال الدين السيوطي، واجه فى فترة حكمه التى استمرت ثلاثين عاما تحديات داخلية وخارجية رهيبة، بينها ضرب الطاعون للبلاد ثلاث مرات فقد فيها اثنين من أبنائه الثلاثة، وبينها مواجهة قراصنة كتالونيا الذين كانوا سببا فى بناء قلعتى الإسكندرية ورشيد، بالإضافة الى تصديه بحسم لكل محاولات المساس بالحدود التى كانت تصل الى الأناضول والشام، الحديث عن جمال المسجد ومحتوياته يحتاج الى مساحة أكبر، ولكن الطاقة الروحية التى تحوط المكان هى ما ربطتنى به منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى، يوجد سلام وطيبة وونس وبهجة، كان للروائى الكبير خيرى شلبى الفضل فى ارتباطنا بالمكان، نحن أبناء الريف النازحين للقاهرة حديثا، كنا هناك نشعر أننا فى بلادنا، وهناك تعرفت على كثيرين، من أهل المنطقة، وعلى رأسهم نجم الإسماعيلى ومنتخب مصر الموهوب الكبير حمدى نوح أحد النجوم الساطعة فى تاريخ كرة القدم المصرية، ملامح مصرية عريقة، طول فارع، فطرة نقية، لم تمنعه النجومية من الجلوس الى المقاهى واللعب مع الأطفال فى الشارع، البساطة التى صبغت شخصيته تتسق تماما مع الحس الصوفى المحيط بالمسجد، عشاق الساحرة المستديرة يتذكرونه بشجن حتى الآن، ويفتقدونه فى استوديوهات التحليل باعتباره صاحب خبرة فى الملاعب وكمدرب صاحب بصمة فى مصر والإمارات، وصاحب فضل على لاعبين كثيرين بينهم نجم مصر الكبير محمد صلاح، هو خارج التربيطات طوال عمره، ربما بسبب عدم لعبه للأهلى والزمالك، وربما بسبب شعوره بالرضا وعدم التكالب على ما يتكالب عليه المتكالبون،
ولد حمدى فى منطقة قايتباى (حى الجمالية) فى فبراير 1955، شاهده لاعب الزمالك السابق ابراهيم عزيز وهو يلعب الكرة الشراب فى الشارع، أعجب به وأخذه الى نادى اسكو الذى رحب به، وانضم اليه وهو فى السابعة عشرة من عمره، كان يلعب ثلاث مباريات فى الأسبوع، مع فريق تحت 18 سنة، ومع فريق تحت 21 سنة ومع الفريق الأول، وصعد مع الفريق الى الدورى الممتاز، وفى موسم 78 أحرز 14 هدفا، وكان الثالث فى ترتيب الهدافين بعد حسن شحاتة وحسن الشاذلى، وكان ترتيب الفريق الرابع فى الدورى، وانضم الى المنتخب من بوابة اسكو، كان الكابتن طه اسماعيل هو المدرب، وتنبأ له بأنه سيكون أفضل لاعب فى مصر، شرط أن يلتزم بالتدريبات، وهو غير مقتنع أنه الأفضل فى وجود الخطيب وحسن شحاتة والشاذلى، حمدى نوح يرى الخطيب أمهر لاعب فى تاريخ مصر، تفكيره وقدماه يسبقان أى لاعب فى تلك الفترة، ولكن كل منا له شكل مختلف فى الملعب، كان رأسى وقدماى حساستين أكثر منه داخل منطقة الجزاء ولكن تفكيرى واستجابة عضلات قدمى لإشارات المخ كانت أبطأ منه دون شك، نجح المقاولون العرب عن طريق المهندس عثمان أحمد عثمان بعد هذا الموسم فى ضمه، رغم رغبة هيدكوتى فى الأهلى، ورغبة الزمالك، ولكن المبلغ الذى عرضه المقاولون كان أقوى، 110آلاف جنيه، مقابل انشاءات داخل نادى اسكو، وحصل اللاعب على سبعة آلاف ، وكانت هذه الصفقة الأعلى وقتها، ونجح مع فريقه الجديد فى الفوز بالدورى وبطولة إفريقيا لأبطال الكؤوس عام 1982، ( حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية سنة 1978، ووسام الرياضة من الطبقة الأولى سنة 1982) وانتقل بعد ذلك الى الإسماعيلى بعد خلافات مع المدرب مايكل إيفرت، وكان قبل ذلك أصيب بالملاريا فى كوت ديفوار وظل فى المستشفى ثمانية أشهر، لعب فى الإسماعيلى ستة مواسم، لم يحقق بطولات، ولكنه استمتع كثيرا بسبب الجمهور العاشق للعبه، الجمهور الغفير الذى ردد أجمل هتاف للاعب: حمدى يا حمدى .. يا أبو العيون السود يا حمدى، وقرر اعتزال الكرة بعد رحيل صديقه الحريف محمد حازم ، كنت قريبا منه فى هذه الفترة، وهو يعد لمباراة اعتزاله، خذله محافظ الإسماعيلية وآخرون، سافر الإمارات بعد ذلك، ثلاث سنوات مع نادى الجزيرة، وتسع سنوات مع نادى العين حقق خلالها سبع بطولات، وتدرج فى تدريب كل المراحل العمرية به، تعلم فى فرنسا كيف يعد الصغار على أيدى كبار المتخصصين، بعد عودته عمل فى نادى المقاولون، وكان له دور عظيم فى بلورة موهبة محمد صلاح، آمن بموهبته وعامله بأبوة، يتحدث عنها صلاح بمحبة وامتنان، حمدى نوح لاعب نادر ومدرب طموح يحب اللعبة ويحب الناس ولا يريد شيئا من أحد، ولم يأخذ حقه بعد.
لمزيد من مقالات إبراهيم داود رابط دائم: