رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المستحيل والخطيئة

لم يكن الرئيس السيسي يعبر عن رأيه فقط حين قال لجريدة الشاهد الكويتية: «طالما أنا موجود في السلطة لن يكون هناك أي دور للإخوان»، فهو لم يُرْجِع رأيه إلى أسبابه ومعرفته العميقة بتاريخ الجماعة، وقال إن الشعب المصري لن يقبل بعودة الإخوان للسلطة، لأن فكر الإخوان غير قابل للحياة ويتصادم معها. كان الرئيس يرد على سؤال عن دور محتمل للإخوان في مصر المستقبل.

وجاء رد الرئيس قاطعا، ثم أكده في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة. ألم يلدغ المصريون من هذا الجحر مرتين وثلاثا؟

لكن يستوقفنا سؤال الجريدة، وهو سؤال يشب برأسه الصلعاء من تحت الأرض كل فترة، أحيانا من سياسيين: عربا وأجانب، وأحيانا من أجهزة إعلام: داخلية وخارجية، أحيانا بحسن نية كما لو أن مصر تعبت من محاولات الفوضي والهدم والتشويه التى لا يكف الإخوان عنها. وآن لها أن ترتاح بالمصالحة معهم، وأحيانا بسوء نية من الذين يريدون بها العودة إلى الاضطرابات والتوقف عن التنمية وتحسين معيشة شعبها.

المدهش أن المقارنة دوما هي بين صعوبات حياتية يعيشها المصريون ومصالحة يمكن أن تمنحهم فرصة العمل بهدوء بعيدا عن عمليات العنف المقصودة، وهي مقارنة خادعة، فيها كثير من السم على قليل من العسل، كما لو أننا لم نجرب هذا العسل المسموم في عام 1948، في أول مواجهة حقيقية بين الدولة والجماعة، فأفلتنا من يدنا الفرصة الذهبية لقتل رأس الأفعى، بسبب ألاعيب خبيثة صورت الإخوان على أنهم  أوراق على الرف يمكن  استخدامهم في صراعات حزبية وسياسية بين الملك والإنجليز وحزب الوفد صاحب الأغلبية الشعبية. وجربناه بعد ثورة يوليو  1952 وكانت الأفعى قد قويت واشتدت عضلاتها وكثر سمها، وبات لها  أكثر من جحر ، باتصالاتها مع الإنجليز والامريكان. الإنجليز يريدون التخلص من الثورة الجديدة، لعل الإخوان يحلون محلها في السلطة، بشرط أن يستتب الأمر لقوات الاحتلال في منطقة القناة إلى الأبد.  والأمريكان يريدون صد أي أفكار شيوعية قادمة إلى المنطقة العربية، وكانت الولايات المتحدة قد سعت إلى توظيف الإسلام سلاحا مشهرا وسيفا مصلتا في حربها الباردة، وهي فكرة ابتدعها مؤرخ أمريكي هو إدوارد ليللي، وكتبها في مذكرة رفعها إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان بعد الحرب العالمية الثانية، تحت عنوان العامل الديني، وتبنتها وكالة المخابرات الأمريكية، ووجدت في الإخوان شريكا مثاليا، وبالفعل ذهب حسن البنا مؤسس الجماعة إلى بيت فيليب أيرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية حينذاك، واتفقا على محاربة الشيوعية العدو المشترك، ثم تكررت اللقاءات بين مسئولين في السفارة بالقاهرة والمستشار حسن الهضيبي المرشد العام في عامي 1952 و 1953. ثم ذقنا العسل المسموم لعشرات السنين في عصر الرئيس السادات حين لجأ إلى التيار الديني لحصار الحركات الناصرية واليسارية التي كانت تؤرقه في الجامعات المصرية، وورث مبارك التركة وحافظ على عسل الإخوان المسموم ورقةً تنفي عنه محاربة الإسلام وهو يطارد تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية وبقية تيارات العنف المسلح، فاستغل الإخوان الفرصة وتمددوا وتوحشوا وانبتوا لأنفسهم عشرات الرءوس والمخالب اقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا سيطروا بها على الشارع، ولعبت الخلايا الإخوانية النائمة في السلطة دورا خطيرا في إقناع مراكز صناعة القرار بترك الجماعة في حالها طالما هي تحت السيطرة، وصونا لاستقرار كان زائفا وهشا، حتى تحكمت الجماعة فينا وحكمتنا لعام وتخلصنا منها بالدم.  باختصار كانت جماعة الإخوان مثل الأمريكان في توظيف الإسلام لخدمة أجندتها السياسية، وهي القفز على السلطة تحت ادعاء تأسيس دولة إسلامية، وهو ما نجحت فيه بدعم اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، كما وشت بهما رسائل كلينتون السرية. كيف نثق في جماعة لها اتصالات خارجية مشبوهة منذ نشأتها ومازالت تستمد قوتها من دول أجنبية معادية لمصر توفر لها كل المساعدات اللوجيستية لتستمر في محاربتنا ونشر الفوضى في الأرض الطيبة؟ طيب لو تنازلنا عن كل مخاوفنا، وألقينا بالتاريخ خلف ظهورنا، وتسامحنا مع الجرائم التي ترتكبها ضدنا ومحاولات هدم الدولة التي مازالت متورطة فيها، وافترضنا المستحيل بفتح صفحة جديدة معها، ما الذي يمكن أن نكتبه فيها؟ .... قطعا لنا شروط..

1ـ أن تراجع الجماعة، قيادات عليا ورؤساء شُعَبْ ومناطق، أفكارها وما صنعته في المجتمع، بسفك دماء قضاة وضباط وجنود ومواطنين عاديين وتخريب مؤسسات وإهدار موارد، وأن تعترف بكل خطاياها وتقسم على المصحف والمسدس بعدم العودة إليها أبداً.

2- أن تصدر بيان مصارحة إلى الشعب تفسر  فيه بالتفاصيل ارتباطاتها الداخلية والخارجية وبعضها مع أجهزة مخابرات أجنبية.

3- أن  تعلن الجماعة خضوعها خضوعا تاما للقوانين المصرية، وأن تلتزم بالشفافية التزاما غير منقوص وتسلم سجلاتها للدولة: العضوية والتمويل والهياكل التنظيمية، حتى نتجنب الخلايا النائمة التي نعاني منها حتى الآن، ونأمن التنظيم الخاص المُكلف بارتكاب عمليات العنف المسلح ضدنا.

4- أن تختار بين نشاط الدعوة جمعية اهلية أو النشاط العام حزبا سياسيا دون شعارات دينية.

هنا يمكن أن نقبل الإخوان، لكن السؤال: هل تقبل الجماعة أن تكون جزءا من المجتمع وفق قوانينه؟ .. مستحيل أن تقبل، لأنه يهدم كل أسباب قوتها السابقة، فهي عاشت عمرها كله خارج «النظام العام» سواء قبل ثورة يوليو 1952 أو بعدها، جماعة لها قانونها الخاص في العضوية والتمويل والنشاط والعلاقات الخارجية بعيدا عن قانون الدولة، وكان هذا الوضع الحر يمنحها قدرات هائلة في الحركة والتأثير، ما بين نشاط اقتصادي واسع في التعليم والصحة والتجارة، ونشاط دعوى في مساجد خاصة ودور تحفيظ قرآن، ونشاط سياسي في البرلمان والعلاقات الخارجية مع دول أجنبية: إدارات ومؤسسات.

لكن هذه هي شروط المصريين وقانونهم ودونها لن يستطيع أحد أن يفتح لهم بابا للدخول إلى المجتمع ولو خرم أبرة.

وقطعا لسنا ضد أي مصالحة مع الذين لم يمارسوا عنفا وإرهابا ضد مصر والمصريين، لكن التسامح مع الجريمة، حتى لو لبست قناعا سياسيا خطيئة كبرى اكتوينا منها.


لمزيد من مقالات نبيـل عمــر

رابط دائم: