كان محمد على وأبناؤه مبهورين بالغرب، لكنهم لم ينقلوا فقط مبانيه وقصوره وشوارعه وموضات ملابسه، بل أيضا كانوا حريصين على أن يلاحقوا مخترعاته الحديثة خاصة تلك التى يمكن أن تضيف لمجدهم وتوثق له.
........... ...........
فى عام 1839 عندما علم محمد على باختراع كاميرا التصوير احدث مستحدثات الاختراعات وقتها لاحق أوائل المصورين المحترفين، وجلبهم إلى مصر ليوثقوا انجازات عهده، وحضارة الدولة التى يحكمها، شغف محمد على وخلفائه بالفكرة ترك لنا صورا ولقطات مسروقة من عمر الزمان تحدت طبيعته فى اندثار الأشياء وتلاشيها ، بقيت صور النصف الثانى من القرن التاسع عشر شاهدة على تفاصيل حياة المصريين الأغنياء والبسطاء و على عمارة القدماء وبيوتهم البسيطة وقصور الأمراء الفخمة أيضا مصر فى عيون مصورى القرن التاسع عشر لقطات تنطق بحياة البشر الحقيقية بعيدا عن لوحات المستشرقين التى اعتادت تسجيل حياة المصريين وحضارتهم بعيون الغرب .
.. فى عام 1839 التقطت أول صورة فوتوغرافية عبر الكاميرا التى صنعها العالمان بأكاديمية العلوم بباريس لويس جاك داجيري، والفونس جيرو، وفى نوفمبر من نفس العام جاء المستشرق الفرنسى والرسام المعروف إميل جون هوراس فيرنيه إلى مصر ، حاملا واحدة من تلك الكاميرات القليلة التى صنعت وقتها ليسجل بها وبترحيب خاص من محمد على باشا لقطات جديدة من وصف مصر ولكن هذه المرة عبر كاميرا هى الأحدث فى عصرها .
ومنذ عام 1839 حتى نهاية القرن التاسع عشر مر على مصر أشهر مصورى هذا الزمان ليسجلوا بكاميراتهم معالم الحضارة المصرية على مدى عصورها، ويلتقطوا لمحات من حياة المصريين بدءا من قصور الحكام، وصولا لشوارع القرى والأحياء الشعبية البسيطة و ليتركوا لنا فى النهاية جزءا من التاريخ المصرى مصورا للمرة الأولي كنز من الصور الجميلة نستعيدها معا عبر البوم مصورى القرن التاسع عشر ..
... عندما جاء إميل جون فيرنيه إلى مصر احتفى به والى مصر وقتها محمد على احتفاء خاصا بل قيل انه طلب منه أن يعلمه فن التصوير الضوئي، ربما كان لدى محمد على وقتها ما رأى انه يستحق أن تسجله الآلة الجديدة من انجاز، فقد كان محمد على صاحب حلم تطوير مصر قد بدأ بالفعل بناء مصر الحديثة .
كانت أول صور فيرنيه المتميزة والنادرة وقتها صور قصر محمد على باشا فى شبرا وكانت واجهة القصر الفخم أول صورة التقطتها عدسة فيرنيه، لكن فيرنيه لم يظل كثيرا المصور الوحيد، فما إن بدأت أربعينيات القرن حتى بدأ توافد المصورين الأجانب، فقد شهدت الأربعينيات وصول سبعة مصورين معروفين كرواد لفن التصوير منهم بريطانيان، وخمسة فرنسيين وكان أشهرهم المصور الفرنسى (ماكسيم دو كامب) الذى صور مصر بداية من عام 1849 حتى عام 1851، وفى الخمسينيات من القرن التاسع عشر تزايد عدد الوافدين من المصورين الأجانب ليصل إلى 34 مصورا اغلبهم من الأسماء المعروفة فى أوروبا وقتها ومن أهمهم المصور الفرنسي(فليكس تينار) الذى صور مصر فى الفترة من عام 1851 وحتى نهاية عام 1852 وطبع نحو 160 صورة عن مصر فى كتاب سماه (مصر والنوبة) (Egypt et Nubia) وكذلك المصور (جون شو سميث) و المصور الفرنسي( هوسون) والبريطانى العبقري( فرانسيس فريث ) الذى اهتم بشكل خاص بالآثار المصرية الفرعونية وقضى عام 1856 فى إنتاج مجموعة متميزة من الصور.
ومن أشهر المصورين الذين استقبلتهم مصر فى ستينيات القرن التاسع عشر المصور الفرنسى (هنرى بيشار) الذى اهتم بشكل خاص بآثار القاهرة الإسلامية القديمة بكل تفاصيلها من مبان متميزة وبيوت شعبية وحتى وجوه المصريين البسطاء فى شوارع القاهرة القديمة وقدم بالفعل مجموعة من أكثر الصور تميزا وجمالا. وكانت سبعينيات القرن التاسع عشر هى البداية لظهور المصورين الرسميين، فقد أرسل وقتها السلطان عبد الحميد اثنين من أشهر المصورين العثمانيين وهما (عبد الله فيريرز) والمصور(باسكال صباح) اللذان تم تكليفهما بتصوير تفاصيل كل الدول التابعة للإمبراطورية العثمانية وقتها وكانت مصر على رأسها ومن أوائل الدول التى زاراها وقدم عبدالله وصباح صورا رائعة لمساجد القاهرة على مدى تاريخها فقدما الصور الأولى لمسجد عمرو بن العاص ومسجد ابن طولون كما قدما ملامح نادرة من حياة المصريين كصورة باسكال الرائعة لبائع القلل والسقا يجوب البيوت، وكانت فترة الذروة لنشاطهما الذى امتد لأكثر من عامين خلال حكم الخديو إسماعيل مما أتاح لهما رصد وتصوير النهضة المعمارية المتميزة التى شهدتها مصر فى تلك الفترة ووثقا لها بمجموعة صورهما لقصور العائلة العلوية كقصر حسين كامل بالجزيرة وقصر المنيرة وقصر شبرا وقصر إسماعيل باشا (فندق الماريوت حاليا) وقصر الإسماعيلية بميدان التحرير .
رابط دائم: