رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تصريحات ماكرون ووثيقة الأخوة الإنسانية

لا تزال ردود الفعل فى بلادنا العربية والإسلامية تجاه تصريحات الرئيس الفرنسى ماكرون المسماة عزلة المسلمين تتواصل ما بين غضب وتأييد، وان كان الغضب اكبر، ولقد تداعى لدى أن أفضل منظور لمناقشة هذه التصريحات هو وثيقة الإخوة الإنسانية التى وقعها الإمام الأكبر الشيخ احمد الطيب, الذى يحظى عندى بمكانة كبيرة, والبابا فرانسيس رأس الكنيسة الكاثوليكية وهو بدوره يمثل نموجا فريدا يستحق الاحترام ولقد رأيت أن هذه التصريحات فرصة مهمة لإحياء هذه الوثيقة. الوثيقة التى يقترب توقيعها من عامين، وكتبت عنها آنذاك فى مصر وخارجها هى أهم وأكبر وثيقة يوقعها رمزا الديانتين الإسلامية والمسيحية فى التاريخ منذ ظهور الإسلام، وهى فى ذاتها حدث بارز نبهت مرارا بعد ذلك الى انها لم تنل ما تستحق من اهتمام عالمى بل حتى اقليمى بما يخدم مصلحة كل البشرية وتأكيد العدل والتسامح .وباختصار لا تتحدث فقط عن التشابهات بين الديانتين والبشرية كلها ولا فقط التسامح بلغة إنشائية، بل تتحدث عن رفض توظيف الدين فى السياسة وعن رفض ربط الأديان بالإرهاب وتميز بين تصرفات بعض أبناء الديانات وجرائمهم المخالفة للدين وبين الفهم السليم للدين. وفى كلمته المليئة بعمق الرؤية دعا فضيلة الإمام الأكبر- خلال مراسم التوقيع فى الإمارات- المسلمين الى رعاية غير المسلمين فى بلادهم , كما دعا المسلمين الذين يعيشون فى المهجر الى الاندماج فى مجتمعاتهم الجديدة وتجنب المظاهر السلوكية التى تسبب العزلة والمخاوف , كما أدان بقوة استخدام العنف وادعاء ربط هذا بالدين. عندما نتأمل تصريحات ماكرون وبواعثها سنجد بعدا مهما عالجته الوثيقة هو رفض عزلة وعدم اندماج مسلمى بلاده فى المجتمع الفرنسى، وهذا القلق المشروع تنبهت له الوثيقة وعالجته بحكمة ، لكن ماكرون أصدر التعميم الذى أغضب الكثيرين، هو أن هذه العزلة تخص الإسلام كله وليس بعض المسلمين، رغم انه حدد انه لايستهدف الإسلام ولا المسلمين وإنما يقصد التشدد الذى خلف الضياع، لكنه تورط فى التعميمات كما لم يعترف بأى مسئولية للمجتمع الفرنسى عن هذه الأوضاع. وبالمناسبة طرح كثير من التعليقات وبعضها غربية أن ماكرون فى تحضيره للانتخابات الرئاسية ومع صعود التوقعات بأن خصمه الرئيسى السيدة مارى لوبن اليمينية المتشددة ستضع هذه المسألة على قمة حملتها الانتخابية، مما دفع ماكرون إلى المسارعة بهذا الطرح لسحب البساط من تحت أقدام منافسته، مما يعنى مرة أخرى أن ما حذرت منه الوثيقة من توظيف الدين فى السياسة قد تورط فيه ماكرون أيضا، مثلما استغل أردوغان الأمر بشكل سريع وفورى لتوظيفه فى المواجهات العديدة بينه وبين فرنسا، خاصة أن الأخيرة أصبحت تقود المواجهة الإقليمية ضد النزعات العدوانية والتوسعية التركية فى المنطقة ، فقدم ماكرون هدية لأردوغان فى وسط كل الجبهات التى يدافع فيها أردوغان عن نواياه وخططه التوسعية التى دمجها بالمشروع السياسى الإخوانى ، أى أن التصريحات وردود الفعل لها قد كشفت عن نوايا أطراف عديدة لتوظيف الدين فى السياسة وهو ما حذرت منه الوثيقة بشكل واضح وصريح وزاد هذا وضوحا كلمة د.الطيب خلال حفل التوقيع . لقد حذرت شخصيا بعد التوقيع بشهور من تجاهل الوثيقة اعلاميا وسياسيا والتعامل معها كحدث مراسمى شكلى، وأنه لابد من استثمار ومتابعة متواصلة لهذا الحدث التاريخى الفذ، وأن هناك مسئولية للجميع لنشر ما تضمنته الوثيقة من رؤى وروح، والأهم من كل ذلك ضرورة اتساق الأفعال وردود الأفعال التالية على تأكيد منطق وروح هذه الوثيقة ، وبناء ردود فعل متناسبة مع مضمونها. أتخيل مثلا ان أى رد فعل سينطلق من هذا لابد أن يبدأ من تفهم مخاوف وموضوعية بواعث التصريحات الفرنسية وإعادة تكرار أن موقف الوثيقة وكل المؤمنين بالتسامح والعدالة هو رفض الانعزالية وتأكيد ضرورة اندماج مسلمى فرنسا فى مجتمعهم الذى اختاروا الهجرة اليه. وهنا يمكن أن يصحب هذا دعوة للحكومة الفرنسية إلى ان تبدأ حوارا جديا مع مواطنيها من المسلمين حول أبعاد هذه الظاهرة وكيفية علاجها، بل ربما أيضا طرح مقترحات لدعم هذه الجهود وتيسيرها لو أمكن، ثم يلى هذا بلغة تسامحية العتاب على التعميم واتهام الدين، والتسامى بالقول إن مكافحة الانغلاق والتشدد لا تكون بالتشدد والنقيض بل بتأكيد قيم التسامح وقبول الآخر، وتذكرة فرنسا التى مازالت تطرح نفسها كأهم دولة كاثوليكية فى العالم رغم علمانيتها، بأن الوثيقة التى وقعها بابا الكاثوليك تنادى بعدم التورط فى هذه التعميمات بسبب سلوكيات يقدم عليها أى من أبناء الديانات، لكل هذا أرى ان تصريحات ماكرون فرصة جديدة لاستعادة وإعادة طرح هذه الوثيقة المهمة.


لمزيد من مقالات سفير د. محمد بدر الدين زايد

رابط دائم: