لم يكن خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر 1973 عن صفحة ناصعة فى ماضى مصر فحسب، وإنما كان أيضا يشير إلى المستقبل.
فالشعب الذى استطاع تحقيق هذا الإنجاز الذى أبهر العالم قادر على إنجاز الكثير بفضل تضافر قواه وإرادته الصلبة وتماسك بنيانه وترابطه مع قواته المسلحة، لم تكن كلمة الرئيس السيسى احتفالا بذكرى مضى عليها 47 عاما فقط، وإنما نظرة لقضايا الحاضر والمستقبل تستلهم تلك الروح وذلك النسيج المتماسك الصلب، فقد توقفتُ طويلا أمام عدد من العبارات المهمة فى خطابه عن الحاضر والمستقبل، منها أن نصر أكتوبر تجاوز الحد الفاصل بين الممكن والمستحيل واليأس والأمل وبين الماضى والمستقبل، وأنه تعبير فريد عن إرادة أمة وتماسك شعب. ومن حق الأجيال الحالية أن تعرف كيف كان الاختبار صعبا وقاسيا، وقد اجتزناه بنجاح، عندما تكاتف الشعب كله وراء قواته المسلحة ليصبح الشعب كله جيشا، لينسج تلك الملحمة التى ردت الاعتبار واستعادت الأرض وحققت السلام.
إنها كلمات ذات دلالة عميقة لا تتعلق بالماضى بقدر استهدافها للحاضر وتحدياته، والمستقبل الذى علينا أن نعيد نسجه على أسس من الحداثة بشرط أن نستلهم روح أكتوبر، لنتصدى لتلك المرحلة الصعبة التى نمر بها ويمر بها العالم كله.
إننا أمام أمواج عاتية تعصف بالعالم كله من شرقه إلى غربه، وهناك قوى تريد منا أن نكون الضحية لأزماتها وأن ندفع ثمن إنقاذها، فهى تعرف قدر مصر ومكانتها، ولهذا تستهدفها أرضا وشعبا، وللأسف هناك بعض الأشخاص من عديمى الفهم أو فاقدى الضمير لا يعرفون حقيقة ما يجرى حولنا من تحديات وأزمات، وارتضوا سواء عن جهل أو سوء نية أن يكونوا أداة هدم وتخريب، وأن يتحولوا إلى أبواق للفتنة أو معاول للهدم، وأحيانا يستغلون هفوة هنا أو خطأ هناك مع تأويل الأحداث واجتزائها أو افتعال بعض الشائعات، ويحاولون إثارة الفتن فى وقت يعانى فيه العالم كله أزمات اقتصادية واجتماعية وهزات سياسية، وهى فترات صعبة ويمكن أن تكون فارقة فى مصائر الشعوب، ورأينا أن دولا كبرى تئن وتتعرض لهزات لم يكن يتخيل أحد أن تمر بها، وإذا قارناها بما نواجهه فسنحمد الله كثيرا على قدرتنا على الصمود، وتماسكنا الذى لا يزال قويا ولم تنل منه كل تلك المحاولات البغيضة التى أرادت أن تستغل الأوضاع المضطربة فى المنطقة والعالم، لكن محاولاتهم تتحطم على صخور التماسك الاجتماعى والوعى الحضارى الذى راكمه الشعب المصرى وجعله يتجاوز أصعب المحن والمخاطر، عليهم أن يقرأوا تاريخ مصر جيدا ليعلموا كيف صمد شعبنا أمام أزمات اقتصادية طاحنة وحروب وأوبئة متفشية، وخرج سالما معافى قادرا على التحدى فاتحا قلبه وعقله للمستقبل.
إنه تفرد الشعب المصرى بسبيكته التى لايمكن أن يفهمها هؤلاء، تلك السبيكة النفيسة الصلبة التى تكونت من خبرات زادتها التحديات صلابة وقوة، لا يمكن أن تهتز من بضع شائعات أو حملات نفسية، فما مر به الشعب المصرى طوال تاريخه الطويل يعلّم البشرية فنون القدرة على التحدى والمواجهة، مهما كانت الأمواج عاتية.
ولكن علينا أن ننتبه إلى أن أساليب الحروب قد تغيرت، ولم يعد العدو مكشوفا وظاهرا، ولا يعتمد على الأسلحة التقليدية أو حتى أسلحة الدمار الشامل، إنما يعتمد على بث الفرقة والفتنة والفوضى تحت شعارات خادعة، ظاهرها براق وفى باطنها السموم التى تقضى على الشعوب وتجرها إلى دوامات من الحروب الأهلية والصراعات الداخلية، التى لا تجنى من ورائها إلا تأليب فئات الشعب والخراب والدمار والخسائر واستنزاف الثروات ، هذه هى الحروب الجديدة التى علينا مواجهتها بالتماسك، ومهمتنا أن نعلم ذلك لأبنائنا ليعرفوا تاريخهم ويكملوا مشوار أجدادهم، ويفتخروا بماضيهم ويعرفوا أن بإمكانهم أن يكون لهم مكان لائق فى المستقبل.
لم يحدث أن حظيت سيناء على مدى تاريخها بكل هذه الاستثمارات ومشروعات البناء والنهضة، كما حدث منذ تولى
إن ما ننفقه الآن على مشروعات كثيرة وطموح لم يسبق له مثيل، وتكفى مشروعات سيناء التى جرى تجاهلها عبر عقود طويلة، ومنذ حرب أكتوبر لم يحدث أن حظيت سيناء بكل هذه الاستثمارات والبناء والنهضة من أجل تعميرها واستغلال ثرواتها وتوفير العيش الكريم لأهلها، ولتستوعب المزيد من طاقات البناء، ولا يقتصر هذا على سيناء وحدها، وإنما يعم كل مصر من أقصى النوبة حتى سواحل مطروح والواحات ودلتا النيل والبحيرات التى كانت قد تحولت إلى مياه راكدة لا تجلب إلا الأمراض ، وهى تتحول الآن إلى مصادر للخير والربح والعمل والبيئة النظيفة والتنمية المستدامة.
وخلال العقود الأخيرة، تغيرت أشكال الحرب وأساليبها ، وصولا إلى استهداف الروح المعنوية للشعوب ، ولتصل إلى المواطن داخل بيته، من خلال وسائل الاتصال والإعلام الحديثة، حربٌ تستهدف إثارة الشك والحيرة، وبث الخوف والإرهاب ، تستهدف تدمير الثقة بين المواطن ومؤسساته الوطنية، بتصوير الدولة كأنها هى العدو، وتصبح الجهات الخارجية، التى تشن الحرب، كأنها هى الحصن والملاذ ، وفى تلك الحرب، التى تعتمد على الخداع والأكاذيب والشائعات، يكون النصر فيها معقوداً على وعى كل مواطن ، وعلى مفاهيمه وأفكاره ومعتقداته.
هذه هى مصر التى يخشونها ويكيدون لها، إنهم يعرفون حجم ما نفعله من أجل المستقبل، وكيف أن مصر تتعافى من أزماتها المتراكمة طوال عقود، لتتحول الآن إلى قوة إقليمية فاعلة لهذا لا يريدون لها أن تنهض، لأن فى نهوضها خطرا على مشاريع الاستغلال والحقد والفتنة والحروب.
ولذلك، فإننى على ثقة كاملة من النصر فى تلك الحرب ، ليقينى التام بأن الشعب المصرى بأغلبيته الكاسحة، يدرك بقلبه السليم الصدق من الكذب، الحقيقة من الادعاء، وأن هذا الشعب الأصيل سئم من الخداع والمخادعين، ومن كثرة الافتراء على وطنه بالباطل.
إن الشعب المصرى الذى حقق عام 1973 ما ظنه الجميع مستحيلاً، والذى حافظ على السلام فى منطقة الشرق الأوسط لعقود طويلة بعدها، وتحمل فى سبيل ذلك سَيْلًا لم ينقطع من الهجوم والتشكيك لقادرٌ ــ بإذن الله ــ على مواصلة انتصاراته ، والحفاظ على وطنه ، وحماية دولته ومؤسساتها، يقيناً منه بأنها مؤسسات وطنية مخلصة، تعمل من أجل حماية أمن وصون استقراره وتعظيم إنجازاته.
إننى لست قلقا على مستقبل مصر، وتأكد لى أننا نسير فى الطريق الصحيح نحو التقدم بعد أن استمعت لخطاب الرئيس، الذى يحمل الكثير من الدلالات المهمة والثقة الكبيرة فى شعبنا وقوتنا وتلاحمنا وتقدمنا رغم أى صعاب أو عقبات.
لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت رابط دائم: