رغم مرور نحو نصف قرن على حرب أكتوبر، تلك الملحمة الأسطورية التي سطرت فصولها العسكرية المصرية في العصر الحديث، واستردت من خلالها الأمة العربية كرامتها وكبرياءها الجريح، بعد ست سنوات فقط من نكسة يونيو الخاطفة، لا تزال وسائل الإعلام الصهيونية، ومن خلفها بعض الحلفاء من المتصهينين العرب، ينفثون سمومهم في وجوه الملايين من الأجيال الجديدة، هؤلاء الذين لم يدركوا بحكم العمر، واقتصار معارفهم على ما تبثه شبكة الانترنت الدولية من أكاذيب، عظمة ما حققه الآباء والأجداد، في تلك المعركة الخالدة، التى نجحت مصر خلالها ومن خلفها الأمة العربية بكاملها، فى تحقيق انتصار عسكري ساحق، لا تزال تفاصيله حاضرة وبقوة، رغم مرور أكثر من أربعة عقود، فى العديد من الأكاديميات والمعاهد العسكرية العليا، فى مختلف دول العالم.
وربما تكفي قراءة مدققة لمذكرات رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية فى أثناء حرب اكتوبر إيلي زعيرا، الذي أصدرته المكتبة الثقافية ببيروت منتصف التسعينيات، بترجمة مدققة لتوحيد مجدي، تحت عنوان: حرب يوم الغفران، للدلالة على حجم الفضيحة التى تعرضت لها إسرائيل فى تلك الأيام المجيدة، والتى لا يزال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو، رغم مرور 47 عاما، يسعي لطمس معالمها، ومحاولة الالتفاف عليها، بسلسلة من الأكاذيب، يعرف هو أكثر من غيره، أنها لا تساوي شيئا فى كتب التاريخ، التى لا تزال تنظر للمعركة التي خاضتها مصر، دفاعا عن الشرف والكرامة، باعتبارها واحدة من أعظم المعارك العسكرية، فى التاريخ الحديث.
عين ايلي زعيرا رئيسا لشعبة المخابرات الحربية في جيش الدفاع الإسرائيلي قبيل حرب أكتوبر بنحو عام، قبل أن تتم إقالته ورئيس هيئة الأركان ديفيد إليعازر، وعدد آخر من القادة الإسرائيليين، يتقدمهم قائد المنطقة العسكرية الجنوبية، بتوصية من لجنة أجرانات، وهي لجنة تحقيق حكومية، شكلت في 21 نوفمبر 1973 على خلفية الفضيحة العسكرية التى منيت بها إسرائيل، للتحقيق في أسباب الانهيار الذي ضرب الجيش الإسرائيلي خلال الحرب، وأفقده توازنه، حسب تعبير الرئيس الراحل أنور السادات، فى ست ساعات.
يحفل كتاب إيلي زعيرا بعشرات من الوقائع، لما أصاب الجبهة الإسرائيلية من انهيار كبير طوال أيام الحرب، وهو يقترب فيما يتضمنه من وثائق وشهادات، من ذلك التقرير الصادم الذي انتهت إليه لجنة إجرانات فى نحو 1500 صفحة، لم تنشر منها وسائل الإعلام الإسرائيلية، سوى نذر يسير، التزاما بقرار أصدره الكنيست في يناير عام 2005، يقضي بمنع نشر التقرير، ربما حفاظا على نفسية الأجيال الجديدة، تلك التي لا يفلت نيتانياهو فرصة ومن خلفه جوقة المتصهينين العرب للكذب عليها، عندما يقولون بالمخالفة الفاضحة لكل حقائق التاريخ، إن اسرائيل نجحت رغم الموقف الضعيف فى بداية الحرب، فى قلب الموازين رأسا على عقب، وحققت النصر.!
لمزيد من مقالات أحمد أبوالمعاطى رابط دائم: