فى وقت تتجه الأنظار والعقول للفوضى السياسية التى تجتاح العالم بسبب كورونا وإصابة ترامب وألعابه الاحتيالية مع الفيروس، لا نهتم كثيرا بتطورات عميقة، ليست أقل من ثورة هادئة ستلقى بظلالها على حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، وتصيبنا بتأثيراتها لا محالة. كورونا سيزول عاجلا أم آجلا، لكن هذه التغيرات ستبقى، وعلينا الاستعداد لها وألا نظل متفرجين ومندهشين.
العمل من المنزل لن يكون منحة من الحكومات بساعات العسرة أو انتشار الأوبئة بل سيكون حقا قانونيا مع وضع قواعد لاستمرار الإنتاجية والحفاظ على حقوق العمال. وزير العمل الألمانى هوبرتوس هيل قال إن حكومته ستقدم مشروع قانون لتنظيم العمل من المنزل قائلا: لا يمكننا الوقوف بوجه التطور التكنولوجى وتغيرات سوق العمل كى يستفيد أكبر عدد ممكن ولا ينحصر الأمر لصالح أقلية.
التحدى الأساسى كيفية تحويل التقدم التكنولوجى إلى تقدم اجتماعى. ألمانيا لن تكون وحدها، فهى ترأس حاليا الاتحاد الأوروبى وستعمل على تعميم التشريعات، كما أن دولا كفرنسا وإسبانيا واليونان وأيرلندا تعمل فى هذا الاتجاه، مع ملاحظة أن ألمانيا كانت دائما متأخرة فى تبنى قوانين لتغيير بيئة العمل لكنها وجدت أن هذا طريق لا عودة عنه.
هذا الطريق ليس ممهدا بعد، فالعمال يخشون من أن يؤدى العمل من المنزل لتآكل قدرتهم على التفاوض الجماعى مع أصحاب الأعمال الذين يحذرون بدورهم من مشاكل عديدة قد تدفع بهم لإسناد الوظائف لعمالة رخيصة بدول أخرى. هناك أيضا مشاكل فنية كعدد ساعات العمل وإلزام الموظف بالرد على المكالمات التليفونية والبريد الإلكترونى الواردة من مقر العمل ، وهل ستكون المرأة متفرغة أم سترعى أطفالها فى الوقت نفسه؟.
هذه تحفظات وقضايا جادة وليست تافهة يأخذها العالم المتحضر باهتمام لأنها توشك أن تصبح ضمن نظام العمل والحياة. لقد انطلق قطار التغيير، وعلينا البدء بنقاش تفصيلى حول دور الدولة وتأثير هذا التغير النوعى على الاقتصاد والإنتاجية ورد فعل الشركات والعمال، وما هى القطاعات التى ستقود التحول.. إنه عصر جديد، فهل نحن مستعدون أو راغبون فى العيش فيه؟.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالله عبدالسلام رابط دائم: