رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

7 أكتوبر 73

ما أحلى نسمات أكتوبر!

ما أجمل أن يكون نصر 73 هو أول حدث تتفتح عليه عيناك فى حياتك كلها!

فى مثل هذا اليوم، 7 أكتوبر من عام 1973، أو الحادى عشر من رمضان 1393، كانت «صباحية» مصر كلها سعيدة ومباركة .. لم تكن هناك سوى أخبار عن النصر، وأفراح للنصر، ودعوات بالنصر .. كانت الحياة بسيطة .. لم يكن هناك خونة، ولا عملاء ولا مأجورين، ولا مرتعشون، ولا مهزوزون، ولا شكائون، ولا بكائون، ولا ممتعضون، ولا أنانيون، ولا انتهازيون .. لم تكن هناك سوشيال ميديا ولا يوتيوب ولا تويتر ولا فيسبوك ولا «بلا أزرق».

صبيحة يوم 7 أكتوبر 73، كان المصريون يتبادلون التهانى بالنصر المبين .. كان الجميع يلتفون حول البيانات الصادرة عن قواتنا المسلحة لمعرفة آخر تطورات المعارك.. «البرنامج العام» كان المصدر الأسرع للأخبار على الجبهة, حتى راديو إسرائيل الذى كان المصريون يستمعون إليه بعد حرب 67 لمعرفة «الحقيقة»، لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه فى 73، فقد كان ذلك يعتبر «عيبا»، وربما استمعوا إليه فى الأيام التى أعقبت الحرب للتشفى فقط .. كان راديو إسرائيل عموما يتخبط أو يكذب، وكان الإعلام العالمى كذلك، ومن يحاول الآن تتبع أرشيف «العصابة» إياها مثل التايمز أو البى بى سى أو النيويورك تايمز فى 73، سيفاجأ بأنها كانت تستقى معلوماتها من مصادر إسرائيلية فقط، وتحاول إيهام العالم بأن الحرب سجال، أو أن الوضع «ضبابي»، رغم أن قادة إسرائيل كانوا «يستنجدون» وقتها بالأمريكان، حتى حقيقة عبور المصريين لخط بارليف، لم تنشرها نيويورك تايمز إلا متأخرا، ونقلا عن الأمم المتحدة!

فى مثل هذا اليوم، كان مانشيت «الأهرام»: قواتنا عبرت القناة و«أقتحمت» خط بارليف.

كان مكتوبا على عجل، بدليل الهمزة التى تم وضعها خطأ فوق الألف فى «اقتحمت» .. أجمل خطأ فى تاريخ «الأهرام»!

لم يكن المصريون فى المقاهى لأنهم «مفطرون»، وإنما لأن راديو المقهى كان هو مصدر الأخبار الرئيسي، والأسرع، فلم تكن هناك فضائيات ولا إنترنت، وكان التليفزيون وقتها «مسائيا»، وإرساله ينتهى مبكرا، وفى هذا اليوم، شاهدت المصريين أيضا يلتفون حول السيارات الرمسيس والنصر القديمة التى كان بها راديو، للاستماع إلى الأخبار، والبيانات العسكرية، بصوت حلمى البلك ويحيى عبد العليم، وكان أصحاب هذه السيارات سعداء وفخورين بالتفاف العشرات حول سياراتهم، مشهد «سبعينياتي» بامتياز!

فى بيت جدتى بأحد أحياء القاهرة القديمة، كنا نلتف حول مائدة الإفطار مع باقى أفراد الأسرة، كبارا وصغارا، نبتهل إلى الله لكى تنتهى الحرب على خير، وأن ينصر جيشنا.

كانت كلمة «إسرائيل» بالنسبة لنا كأطفال مرادفة لـ«الشيطان» أو «الغول»، فلم نكن نكره أكثر من هذه الكلمة، ولذلك ابتهجنا بأن مصر «كسبت» إسرائيل، دون أن نعرف ما هى إسرائيل هذه!

عبر الإذاعة، كان النقشبندى يردد ابتهاله الشهير «الله يا الله» بعد مدفع الإفطار مباشرة، كان صوته كالرعد، وكان لحن «بليغ» أسطوريا، وبعد ذلك كان يدعو: «يا رب إنا قاصدوك فلا يعد من بيننا أحد ببابك خائبا، هذى جنود الله قد وقفوا على طول الحدود يقاتلون الغاصبا .. أُسد شداد يرهبون عدوهم، جعلوا القنابل فى الهجوم مخالبا .. إلخ»، وكانت أغنية «راجعين شايلين فى إيدنا سلاح» هى درة أٌغانى أيام الحرب الأولى.

لم تكن هناك دراسة، معظم الأعمال توقفت، حركة المحلات محدودة، واستهلاك الناس للسلع «بحساب»، أصوات صفارات الإنذار كانت تدوى فى المساء، وحتى صبيحة اليوم التالى تقريبا، وكنا نصيح فرحا «غارة غارة»، ونغلق النوافذ والأضواء، وننزل مع باقى سكان العمارة إلى «المخبأ»، إلى أن يزول الخطر، حتى الدورى وقتها ألغي، وكان غزل المحلة هو بطل دورى 1972-1973، والزمالك الثاني، والأهلى الرابع!

الجبهة الداخلية كانت لا تقل صلابة عن جبهة القتال، كان جيشنا وقتها مستندا إلى شعب «رجالة» بحق، صحيح أن الشعب فى ظهر جيشه حتى الآن، ولكن خونة اليوم كثيرون، ووقحون، ويسمون خيانتهم «حرية تعبير» وأحيانا «معارضة».

فى 73، كان هؤلاء يختبئون، ولكن أبناءهم وأحفادهم الآن، يعملون فى وضح النهار، وبعضهم يتحدث عن الشرف والوطنية!

لو كانت «الجزيرة» و«الشرق» و«مكملين» و«العفو الدولية» و«هيومان رايتس» موجودين إبان حرب أكتوبر لقالوا: «مصر تعتدى على إسرائيل فى عيد الغفران»، و«الطيران المصرى يقصف المستوطنات الإسرائيلية فى سيناء ويقتل النساء والأطفال»، و«هروب السادات بعد تقدم الجيش الإسرائيلى إلى القاهرة»، بل إنهم فعليا ما زالوا يجادلون للآن حول حرب اعترف أحد طرفيها نفسه بأنه خسرها، أى والله العظيم!

.. وصباح النصر!


لمزيد من مقالات هانى عسل

رابط دائم: