رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تغيير أمريكا على صفيح ساخن

أيا كانت نتائج المناظرات بين المرشحين الجمهورى دونالد ترامب، والديمقراطى جو بايدن، أو التسخين الشديد الذى يجرى فى ظله الشوط الأخير من الانتخابات الأمريكية قبل أن يضع الناخب الأمريكى صوته فى صندوق الانتخابات أو يودعه صندوق البريد حتى يرسل صوته إلى الهيئة الانتخابية؛ فإن المحصلة النهائية سوف تكون تغيير أمريكا إلى ما لم تكن عليه من قبل. نقطة البداية المباشرة كانت منذ أربع سنوات عندما جرت الانتخابات الرئاسية بين دونالد ترامب وهيلارى كلينتون؛ وكان نجاح الأول مفاجأة للجمهوريين لأن من فاز لم يكن مشابها لكل الرؤساء الجمهوريين، بقدر ما كانت خسارة الثانية مفاجأة للديمقراطيين لأنه لم يكن بوسعهم تقديم مرشح أكثر خبرة وقدرة على الفوز. والأرجح أن نقطة البداية كانت قبل ذلك بوقت طويل، وربما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عندما تغيرت أمريكا داخليا وخارجيا بسبب الحرب والكساد الطويل قبلها، وبات لديها مشروع لدولة عظمى تخرج من عزلتها إلى عالم كبير وسوق هائلة تكون فيها أمريكا هى القائد والمفكر. خمسة وأربعون عاما مضت على هذا المشروع حتى وصل إلى لحظة الانتصار الكبرى بانتهاء الحرب الباردة لكى تعيش بعدها فى عالم القطب الواحد لعقدين كاملين، الذى ترتب عليه ديالكتيكية غير منظورة جوهرها أنه بقدر ما دخلت أمريكا إلى العالم فإن العالم نفذ إليها. النقيض الأمريكى للمشروع والذى كان موجودا رغم شحوبه فى الماضى خرج من قمقمه مرة أخرى لكى يجد فرصته مع الفشل فى تغيير أفغانستان والعراق مرة، والأزمة المالية والاقتصادية فى عام 2008 التى جعلت انتخاب أوباما ممكنا، ولكنها لم تجعله مستمرا فجاء دونالد ترامب. دانا ميلبانك نشرت مقالا فى الواشنطن بوست يوم 25 سبتمبر المنصرم بعنوان، ما يجرى ليس تدريبا. إن الراشيستاج يحترق. المقال كان استدعاء غير معتاد للحادثة التى جرت فى ألمانيا عام 1933 وقام بها هتلر لحرق البرلمان الألمانى ثم اتهم فيها كل أعدائه وخصومه واستغل الحادثة لكى تصبح ألمانيا دولة فاشية شمولية. وصف الواقع الأمريكى الحالى بهذه الطريقة جديد تماما، خاصة فى صحيفة عرفت بالليبرالية؛ ولكنها الآن تضع اتهام الفاشية فى مواجهة وصف الاشتراكيين الذين عقدوا العزم على تدمير أمريكا بالانحياز للملونين والمثليين والمهاجرين واللاجئين. حالة السخونة هذه، والعجز عن تبريدها، أو التفاوض حول حدودها كما بشرت دوما النظريات الليبرالية والديمقراطية يصل بنا فورا إلى انتظار حريق الراشيستاج الذى سوف يصل بأمريكا إلى صدام عنيف عندما تأتى لحظة الانتخابات وتسليم السلطة. الديمقراطيون ساعتها سوف يكونون الجماعة التى تؤيد الأفارقة الأمريكيين على حساب الأمن فى المدن الأمريكية؛ أما الجمهوريون المعاصرون، ويمثلهم ترامب، فيرون فى كل الجماعات العنصرية وطنيين عظماء وأناسا خيرين وطيبين حتى ولو كانوا يحملون السلاح إلى المجالس التشريعية، ويطلقون النار فى التظاهرات المختلفة، ولا يرون فى قيود مكافحة الكورونا سوى أنها نوع من العبودية.

أيا كانت نتيجة الانتخابات المقبلة، وعما إذا كان ما يحيط بها من سخونة هو واحدة من ظواهر الطبيعة فى الحالات الانتخابية الفارقة؛ وسواء سوف تمضى إلى نتيجة سلمية أو حرب أهلية، فإن الحقيقة هى أن ترامب قد وضع بصمته العظمى على الحياة السياسية الأمريكية خلال العقود المقبلة من خلال الانقلاب الذى أجراه فى المحكمة الدستورية العليا. ولمن لا يعلم فإن النظام السياسى الأمريكى يقوم على الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتوازنها أيضا بحيث تصير كل سلطة حامية لاستقلالها وحارسة على السلطات الأخري، بحيث لا تطغى ولا تستبد. جزء من ذلك تحديد المدة الخاصة بكل سلطة فمجلس النواب الذى يمثل الشعب كله نوابه ينُتخبون لعامين فقط قابلة للتجديد، ومجلس الشيوخ الذى يمثل الولايات ينْتخب أعضاؤه لمدة ست سنوات قابلة للتجديد، الرئيس الذى يقود الأمة والسلطة التنفيذية الفيدرالية مدته أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، المحكمة الدستورية العليا يجرى اختيار أعضائها من قبل الرئيس، والتصديق عليهم من مجلس الشيوخ، ولمدى الحياة أو حتى يقرر عضو المحكمة الاستقالة.

عدد أعضاء المحكمة تسعة، ومهمتهم تفسير القوانين ومدى مواءمتها مع الدستور الأمريكي. وخلال القرن الأخير فإن المحكمة باتت مقسمة قضائيا فى هذه المهمة ما بين المحافظين والليبراليين، وفى العقود الأخيرة فإن التوازن داخل المحكمة بات دقيقا للغاية، وحتى نهاية عهد أوباما كان ميل المحكمة إلى الجانب الليبرالى بأغلبية خمسة إلى أربعة. ولكن ترامب كان محظوظا فعين اثنين وقبيل الانتخابات رشح قاضية محكمة الاستئناف الفيدرالية آمى كونى باريت لملء المنصب الشاغر فى المحكمة العليا الذى خلفه وفاة القاضية الليبرالية روث بادر جينسبورج. إن تأكيد باريت، وهو متوقع من مجلس شيوخ غالبيته من الجمهوريين، سيحل محل أيقونة ليبرالية بفقيه محافظ بشدة تشير آراؤها إلى أنها قد تصوت لمزيد من الحد من حقوق الإجهاض، ونقض قوانين زواج المثليين، وهى قضية تثير حيوية الجمهوريين المحافظين والناخبين الإنجيليين. وهكذا يمكن أن تشغل باريت، 48 عامًا، المقعد مدى الحياة لعقود، وتنضم إلى اثنين آخرين من الحقوقيين من الشباب المحافظين بشدة اختارهما ترامب للمحكمة العليا. أول تعيينين لترامب، نيل إم غورسوش وبريت كافانو، فى الخمسينيات من العمر؛ وسيمثل الثلاثى ثلث الجسم ويشكلون 6-3 أغلبية محافظة جديدة سوف تحمل على عاتقها الأجندة التاريخية للمحافظين.

المؤكد أن تعيين باريت سوف يضيف معركة إضافية للمعارك الدائرة فى الحملة الانتخابية الرئاسية، خاصة فى انتخابات لا تشى بوجود مكتسح لها، وإنما توازن دقيق يصل إلى المحكمة العليا عند الاختلاف، وساعتها فإن كثيرا من النار سوف تصب على وقود الحالة الساخنة والتى يشتعل تحتها نار ولهب، لأنها لن تكون فقط حول المرشح وإنما حول الأجندة التى تحدد طبيعة الحياة الأمريكية ذاتها.


لمزيد من مقالات د. عبد المنعم سعيد

رابط دائم: