رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اشتعال النزاع بين أرمينيا وأذربيجان .. وتركيا تقف على مقربة

د. سامى عمارة

موسكو تسعى لاحتواء الموقف ومنع تدخل طرف ثالث

 

لماذا تواصل أرمينيا وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما احتلال ما يزيد على 20% من أراضى أذربيجان؟ ولماذا انتفضت الأخيرة لاستعادة أراضيها، وكانت قد ارتضت هدنة طويلة الأجل، بعد خمس سنوات استغرقتها أولى المواجهات العسكرية التى أعقبت استفتاء مقاطعة ناجورنى قره باغ ذات الحكم الذاتى فى عام 1991، حول انفصال المقاطعة من جانب واحد عن أذربيجان والانضمام إلى أرمينيا؟، ولماذا تعلن تركيا صراحة تأييدها المباشر أذربيجان، على النقيض مما يشبه الإجماع من جانب معظم أركان المجتمع الدولى حول ضرورة التهدئة والجنوح نحو استئناف المباحثات بين الطرفين المتحاربين سبيلا إلى التسوية السياسية للأزمة؟ ألا يكون كل ما نشهده من تصعيد من جانب كلا الطرفين محاولة للفت الأنظار عن كل ما يواجهانه من مشاكل داخلية؟

التساؤلات كثيرة ومنها ما تمتد خيوطه، وتتضافر مع تاريخ الأزمة منذ اشتعال المواجهات المباشرة بين الأرمن والاذربيجانيين فى سومجاييت الأذرية على ضفاف بحر قزوين شمالى العاصمة باكو فى عام 1988. الكثيرون يتذكرون الماضى، البعيد منه والقريب، وما يرتبط بما لحق بالأرمن من اضطهاد وملاحقة واعتداءات، وما رد عليه الأرمن بطرد الاذربيجانيين من «ناجورنى قره باغ»، وما أعقب ذلك من إعلان استفتاء شعبى أسفرت نتائجه عن تصويت الأغلبية الساحقة من ذوى الأصول الأرمنية، على الانفصال عن أذربيجان، والانضمام إلى أرمينيا. وكان سكان «ناجورنى قره باغ»، وتعنى «الحديقة السوداء الجبلية»، أعلنوا تغيير الأسم إلى «آر تساخ» اسماً «رسميا» للجمهورية الجديدة، غير المعترف بها منذ إعلان انفصالها فى الثانى من سبتمبر عام 1991.

ويذكر الكثيرون ما احتدم فى نفوس الأرمن من سخط وكراهية وغضب، فى توقيت مواكب لاندلاع الحركات الانفصالية فى مناطق متفرقة من الدولة السوفيتية السابقة فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى، ما دفع سكان «مقاطعة ناجورنى قره باغ» ذات الحكم الذاتى، وهى المقاطعة ذات الأغلبية السكانية الأرمنية، إلى إعلان استفتائهم الشعبى الذى سرعان ما تلقفته أرمينيا لتعلن فرض حمايتها على سكان المقاطعة، فى وقت فيه قيادات أذربيجان بصراعها على السلطة قبيل انهيار الاتحاد السوفييتى السابق، وما تلا ذلك من أحداث داخلية. على أن الصراع المسلح الذى دار بين أذربيجان وأرمينيا على جولات متباعدة تارة، ومتفرقة أخرى، لم يسفر سوى عن احتلال أرمينيا للمزيد من الأراضى الأذربيجانية، التى كانت تفصل بين «ناجورنى قره باغ» وأرمينيا، والتى بلغت مساحتها ثمانية آلاف كم مربع أى ما يزيد على 20% من مجمل أراضى أذربيجان. وفيما حظيت أذربيجان بتأييد غير معلن من جانب تركيا بسبب تقارب الأصول العرقية والثقافات المشتركة، جنحت أرمينيا نحو التقارب مع روسيا، التى أقامت فى أراضيها أول قاعدة عسكرية فى المنطقة فى تسعينيات القرن الماضى، بينما انضمت إلى معاهدة الأمن الجماعى، التى جمعت روسيا وبيلاروس وعدداً من بلدان الفضاء السوفييتى السابق. وذلك ما دفع موسكو إلى أن تكون شديدة الحرص على التمسك بعلاقات متوازنة مع كل من البلدين المتحاربين، بينما وقفت وراء تشكيل مجموعة مينسك للآمن والتعاون الأوروبى، التى يرأسها ممثلو روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، ونجحت إلى حد كبير فى إدارة الأزمة والإبقاء عليها بعيدا عن السخونة، وحالة الغليان.

غير أن كل المحاولات التى بذلتها أذربيجان عسكريا وسياسيا لم تسفر عن نجاح أو تقدم على صعيد تحرير الأرض المحتلة، فى الوقت الذى أعلن فيه سكان ناجورنى قره باغ استقلالهم وانضمامهم إلى أرمينيا، التى سارعت بإعلان ضمانها لأمنهم وتأمين استقرارهم باحتلالها كل الأراضى الأذربيجانية، التى كانت تفصلها جغرافيا عن «جمهورية ناجورنى قرة باغ» غير المعترف بها. كما أن ما دار من مباحثات تحت رعاية «مجموعة مينسك» برئاسة ممثلى روسيا والولايات المتحدة، لم تسفر عن تقدم يُذكر، اللهم تحقيق قدر من التهدئة ووقف لإطلاق النار، فى وقت تزايد فيه الدعم العسكرى من جانب روسيا للقوات الأرمنية بموجب الاتفاقيات الثنائية ومعاهدة الأمن الجماعى، بينما تزايد جنوح أذربيجان نحو توطيد تعاونها مع كل من إسرائيل وتركيا، وإن بقيت علاقاتها مع روسيا تتسم بقدر مناسب من التعاون فى مختلف المجالات. ورغم تكرار الاشتباكات بما فيها ما جرى على نطاق واسع فى عام 2016، فلم تستطع أذربيجان التوصل إلى الهدف المنشود الذى تمثل ولا يزال فى تحرير الأرض المحتلة، واستعادة ناجورنى، المقاطعة التى تهدد أرمينيا اليوم بالاعتراف بها. وفيما سارعت «مجموعة مينسك» وبلدان الاتحاد الأوروبى والأمين العام للأمم المتحدة إلى مناشدة الجانبين بضبط النفس، والعودة إلى المباحثات سبيلا للتوصل إلى التسوية السياسية المنشودة، أعلن الرئيس الاذربيجانى إلهام علييف إصراره على مواصلة القتال، حتى تحرير كل ما احتلته أرمينيا من أراضى بلاده. واتهم علييف نظيره الأرمنى بمحاولة إشعال فتيل المواجهة العسكرية للفت أنظار شعبه بعيدا عن متاعبه الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، فى الوقت الذى يهدد فيه نيكول باشينيان بالاعتراف باستقلال ناجورنى قره باغ، والتلويح باللجوء إلى معاهدة الأمن الجماعى فى صراعه مع أذربيجان وتركيا، التى اتهمها بإسقاط إحدى مقاتلاته داخل الأراضى الأرمينية، تبريرا لمشروعية تطبيق بنود معاهدة الأمن الجماعى المشترك، وما يرتبط به مع روسيا من معاهدات عسكرية وشراكة إستراتيجية.

 وفى إطار الحرب الإعلامية، يتبادل الرئيسان الاتهامات، ومنها ما يتعلق بوصول كل منهما إلى السلطة فى إطار خطاب غير مباشر موجه إلى قوى المعارضة الداخلية فى بلاده بالدرجة الأولى. ففيما اتهم الرئيس الاذربيجانى علييف، رئيس حكومة أرمينيا نيكول باشينيان بأنه جاء إلى السلطة بمباركة جورج سوروس الملياردير اليهودى الأمريكى صاحب فكرة «الثورات الملونة»، بعد انقلاب أطاح بالرئيس الأرمنى السابق سيرج سركسيان، رد باشينيان متهماً خصمه علييف باحتكار السلطة ووراثتها خلفا لوالده حيدر علييف ضابط «كى جى بي»، الذى تدرج حتى رئاسة لجنة أمن الدولة فى أذربيجان، قبل انتقاله إلى موسكو عضوا فى المكتب السياسى للحزب الشيوعى السوفييتى ثم العودة لتولى السلطة منذ عام 1993، حتى عام 2003 تاريخ تولى ابنه إلهام لمقاليد السلطة، وتعيين زوجته مهربان نائبا للرئيس.  

وبعيدا عن التلاسن الكلامى بين الزعيمين الأرمنى والأذربيجانى، تحاول موسكو جاهدة التوصل إلى ما يخفف من حدة مواقف البلدين. وأعلنت الخارجية الروسية اتصالات ثنائية أجراها سيرجى لافروف ،وزير الخارجية مع نظرائه فى كل من العواصم الثلاث باكو ويريفان وأنقرة، سعيا وراء العودة إلى المباحثات، سبيلا للتوصل إلى حل سلمى للأزمة، إلى جانب تدخل الرئيس فلاديمير بوتين ومكالماته مع كل من الرئيسين علييف وباشينيان. وتتعلق الأنظار بموسكو بوصفها الطرف الأكثر مناسبة للوساطة بين الطرفين بموجب ما يربطها من علاقات وتاريخ مشترك مع كل من البلدين. وفيما يعرب بعض المراقبين فى موسكو عن شكوكه تجاه اتصالات أذربيجان مع جورجيا قبيل اندلاع العمليات القتالية، ومنها زيارة وزير الدفاع الأذربيجانى لجورجيا ومباحثاته هناك مع نظيره الجورجى، فضلا عن زيارة بعض القطع البحرية التركية لميناء باتومى فى أدجاريا، يشير آخرون إلى أطراف خارجية تقف على مقربة، ومنها إيران وما يتعلق بدورها وأستراتيجية تعزيز مواقعها فى المنطقة، ولا سيما فى البلدان التى ترتبط معها بأواصر الدين والعرق، فضلا عن احتمالات ظهور أطراف أخرى ثالثة، قد تزيد من تأجيج النزاع.  

ومن هذا المنظور يبدو واضحا حرص موسكو على سرعة وقف القتال، تحسبا لعدم توسيع نطاقه، والحيلولة دون تدخل آخرين من ذوى المصلحة المباشرة فى تغذية نيران الحرب، فى إشارة إلى تركيا تحديداً التى تواصل تأجيج الموقف بتصريحات مسئوليها، ومنهم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذى وصف أرمينيا بأنها «أكبر تهديد للسلام والاستقرار فى المنطقة»، فى إطار جهوده الجيوسياسية فى مختلف أرجاء المناطق المجاورة. وفى هذا الصدد أيضا ننقل عن مولود شاويش أغلو، وزير الخارجية التركى، تأييده لما طرحه الرئيس علييف حول ضرورة انسحاب العسكريين من أراضى أذربيجان، التى قال «إنها صبرت كثيرا» مؤكدا استعداد بلاده لتقديم الدعم عسكريا إلى أذربيجان، وإن أشار إلى إمكانية التعاون بين تركيا وروسيا على غرار ما جرى بينهما لحل الأزمة السورية. ونضيف إلى ذلك ما قاله وزير الدفاع التركى، خلوصى أكار، حول أن موقف أرمينيا «يمثل أكبر عقبة أمام السلام والاستقرار فى منطقة القوقاز، وأن عليها التراجع عن مواقفها العدوانية»، مشيرا إلى أن بلاده «تدين الهجوم الأرمنى وأنها ستقف إلى جانب أذربيجان فى الدفاع عن وحدة أراضيها». ولعل ذلك ما أسهم فى ترويج ما قيل حول «أن تركيا أرسلت إلى منطقة النزاع بضعة آلاف من المرتزقة الذين كانوا يقاتلون فى سوريا»، وهو ما أنكره الجانب الأذربيجانى، فى الوقت الذى اتهمت فيه أرمينيا الجانب التركى بأنه وراء إسقاط إحدى مقاتلاتها داخل الأراضى الأرمنية، الأمر الذى يفتح الباب أمام مختلف الظنون والتوقعات والتقديرات، ومنها ما يتعلق بدور للناتو فى هذه الأزمة.

أما عن مواقف الجانب الأذربيجانى، فنشير إلى ما طرحه الرئيس إلهام علييف شرطا لوقف إطلاق النار ويتمثل فى ضرورة انسحاب القوات الأرمينية المسلحة من ناجورنى قره باغ فورا، ودون قيد أو شرط. وقال علييف إن المباحثات مع أرمينيا لم تسفر عن جديد طوال الفترة الماضية. وأعاد إلى الأذهان ما سبق وقاله حول أنه «إذا لم تسفر المباحثات عن نتيجة، فإن أذربيجان ستضطر إلى حل المشكلة بالقوة العسكرية». وفيما يتعلق بما قيل حول تدخل عسكرى أجنبى او تركى، أكد علييف ان جيش أذربيجان يملك من القوة والعتاد ما يستطيع معه الاضطلاع وحده بمهمة تحرير الأرض. وتعليقا على تهديدات رئيس الحكومة الأرمينية حول أنها ستضطر إلى الاعتراف باستقلال ناجورنى قره باغ، قال بلبل أوغلى، سفير أذربيجان فى موسكو ووزير الثقافة الأسبق، أن النتائج سوف تكون كارثية، وأن الاعتراف لن يسفر سوى عن انهيار كل المباحثات الدبلوماسية.

 فهل تصدق توقعات وتعليقات كل من المسئولين الأذربيجانيين والأرمن حول السبل الأكثر مناسبة لحل الأزمة الراهنة، عسكرية كانت أو سلمية؟ وهل يظهر فى الأفق ما قد يوحى بنهاية «أزمة مستحكمة» يمتد تاريخها إلى ما هو أبعد من السنوات الثلاثين منذ بدايتها فى نهاية ثمانينيات القرن الماضي؟ ذلك ما يمكن أن تجيب عنه الأسابيع القليلة المقبلة.  

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق