رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عاصفة غضب على ترامب

اجتاحت البيت الأبيض عاصفة من الغضب بعد صدور كتاب الصحفى الأمريكى الأشهر بوب وودوارد حاملا عنوان غضب متضمنا انتقادات لاذعة للرئيس الحالى دونالد ترامب, وهو الثانى له بعد الخوف 2018 والذى تناول فيه من نفس المنظور السلبى العامين الأولين لولايته, لذا احتل أهمية قصوى, ليس فقط لأنه يتناول الشخصية الأولى فى الولايات المتحدة, ولكن أيضا للموقع شديد التميز الذى يحظى به مؤلفه, فهو مفجر فضيحة ووترجيت التى أطاحت بالرئيس الجمهورى ريتشارد نيكسون 1974, وأجبرته على الاستقالة, كما أن معظم كتبه احتلت قائمة الأكثر مبيعا على مدى عقود, وصُنف كتابه كل رجال الرئيس كواحد من أفضل مائة كتاب فى العصر الحديث, لذا حصد عشرات الجوائز المرموقة فى عالم الصحافة, وقد اكتسب شهرته العريضة لقدرته الفائقة على الخوض فيما وراء كواليس الأحداث والشخصيات التى يكتب عنها, ومن هنا كان لمؤلفاته هذا التأثير السياسى الذى يتجاوز بلا شك حدود العمل الصحفى, يضاف إلى كل ذلك توقيت إصداره الذى يأتى قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية 3 نوفمبر المقبل.

لن تكون مبالغة فى القول, إن الكتاب الذى يقع فى 392 صفحة واعتمد على أكثر من 18 جلسة مسجلة مع الرئيس فى أثناء إعداده, فاز بأكبر تغطية إعلامية على مستوى العالم, وسارعت كبريات الصحف ووسائل الإعلام بنشر مقتطفات منه, وكأنه حدث تاريخى, والسبب هو حساسية القضايا التى طرحها سواء على مستوى الداخل الأمريكى أوخارجه.

وفى مقدمتها ما يتعلق بسوء إدارة ترامب لأزمة وباء كورونا, والذى قلل فى البداية من خطورته وسرعة انتشاره, بل تطوع بالتصريح بأنه سينتهى سريعا, بدعوى عدم رغبته فى إثارة الذعر بين المواطنين, لكنه عاد وناقض نفسه واعترف بجسامة المشكلة, وهو ما ترتب عليه نقص فى الإجراءات الوقائية اللازمة مبكرا, وتعريض حياة الملايين من الشعب للخطر, ناهيك عن التداعيات الموجعة التى أصابت الاقتصاد جراء الارتباك والتردد فى معالجة تلك الأزمة.

كذلك فقد اتهمه الكاتب بانتهاك قواعد الأمن القومى, بعدما صرح له بأن هناك سلاحا نوويا جديدا اقترب من مراحله النهائية, وأنه سيتفوق على ما عداه مما سبق إنتاجه, ومن ثم سيُحدث طفرة فى توازن القوى الدولى, ومن وجهة نظر وودوارد, أنه بذلك أذاع أسرارا تمس أمن الدولة العليا, فضلا عما سيسببه من تأجيج لسباق التسلح على مستوى العالم, وفى السياق ذاته اتهمه بالإساءة لجيش بلاده حينما انتقد مسلك كبار العسكريين إبان حرب فيتنام, وهى جرح أمريكى مازال يسبب ألما شعبيا ورسميا.

والشىء ذاته ينطبق على موقفه من السود بعد مقتل المواطن الأمريكى جورج فلويد على يد شرطى أبيض وما تلاه من احتجاجات واسعة, وما إذا كان يشعر بغضب الأقليات وسخطهم على سياسته وكان رده بكلمة واحدة لا على الإطلاق.

وفى نفس الإطار, لم تسلم سياسته الخارجية من هذا النقد اللاذع, فهو مدان نظرا لمواقفه المهادنة إزاء روسيا, والمخادعة تجاه كوريا الشمالية, والمتناقضة فى الشرق الأوسط حيث يزعم مؤلف الكتاب أنه بدل مواقفه من الفلسطينيين تأثرا برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو, وآراء صهره ومستشاره جاريد كوشنر, الذى تسبب فى إقالة وزير خارجيته السابق ريكس تيلرسون, والأكثر من ذلك أنه طالب بإعداد خطة لاغتيال الرئيس السورى بشار الأسد ردا على استخدامه الأسلحة الكيماوية 2017, لكن وزير دفاعه آنذاك جيمس ماتيس اكتفى بتوجيه ضربة جوية محدودة.

وفى خضم هذه القضايا, لم يتوان المؤلف عن نعته بأكثر الصفات سلبية لقائد سياسى, مثل كونه متهورا ومندفعا وكاذبا, لا يستمع لآراء الخبراء والمستشارين, مصابا بنرجسية شديدة, تجعله ينقلب على مؤسسات الدولة ويخل بواجباته الدستورية, فضلا عن صدامه مع حلفائه, وعدم القدرة على التنبؤ بقراراته, مستندا فى ذلك إلى شهادة بعض المسئولين السابقين, كوزير الدفاع ماتيس, ودان كوتس رئيس المخابرات, وجون كيلى كبير موظفى البيت الأبيض.

فى المقابل جاء رد الرئيس فى تغريدة له على تويتر عنيفا, متهما وودوارد بالعمل لمصلحة «الديمقراطيين» وأن كل ما يؤخذ عليه «أى ترامب» من سلبيات هى فى الواقع تُعد على العكس مميزات تُحسب له, ويدلل على ذلك بقدرته على تخطى البيروقراطية بتعقيداتها المعروفة, وأن الشهادات التى اعتمد عليها هى فى الأصل مجروحة, لكون أصحابها تمت إقالتهم, وبذلك لا تتعدى حدود الانتقام الشخصى, وأن ما اعتبره الكاتب صداما مع الحلفاء خاصة الأوروبيين, أتى فى النهاية بنتائج إيجابية لمصلحة أمريكا, إذ استطاع دفعهم لزيادة حصتهم فى ميزانية الدفاع الخاصة بحلف الناتو.

وبغض النظر عن تلك الاتهامات المتبادلة وهى كثيرة, فهناك بعض الملاحظات على مجمل هذا الصراع الخفى الذى خرج إلى العلانية :

أولا, ما يتصل بخصوصية النظام الحزبى، الذى يقوم على ثنائية الحزبين «الجمهورى والديمقراطى» بصورة احتكارية, ولا يسمح بمزاحمة أحزاب ثالثة, ولا دور للمستقلين فيه, وهو ما جعل التنافس بينهما يتخذ طابعا حادا يتجاوز كل الخطوط الحمراء, خاصة مع ضعف الناحية العقائدية والأيديولوجية فى تشكيلهما, صحيح أن الأول يتسم بصبغة محافظة ويعبر عن طبقة الأثرياء وكبار السن فى العموم, والثانى يتخذ نهجا أكثر ليبرالية وانفتاحا على الأقليات والمرأة والشباب والطبقة الوسطى, إلا أن التوجهات الرئيسية الخاصة بالدولة ومبادئها تظل متقاربة, وبالتالى فالمنافسة تتمحور حول قدرة كل منهما على الاستحواذ على السلطة.

ثانيا, إن وسائل الإعلام المختلفة هى جزء لا يتجزأ من تلك المنظومة الحزبية حادة الاستقطاب, لذلك ليس هناك إعلام أمريكى محايد, فهو دائما منقسم إلى فريقين لكل توجهه الحزبى المعروف, فوودوارد على سبيل المثال هو محرر مشارك فى الواشنطن بوست المعروفة بانحيازها للحزب الديمقراطى, بينما لم يدافع عن ترامب سوى قناة فوكس نيوز ذات الانتماء للجمهوريين.

ثالثا, أن هناك تنوعا واختلافا فى الآراء داخل كل حزب, ولا يمتلك رئيس أى منهما فرض آرائه على أعضائه, بدليل الحرية التى يتمتعون بها فى التصويت بالكونجرس, وهو ما ينسحب على الرئيس أيضا الذى لا يُشترط التزامه الحزبى فى جميع قراراته, حتى فى تعيين وزرائه, لذا يسمون بالمعاونين, والخلاصة أن اسلوب ترامب رغم فجاجته ليس استثناء.

رابعا, إن الناخب الأمريكى يصوت للشخص وليس للحزب فى انتخابات الرئاسة, ومن هنا كان فوز ترامب على هيلارى كلينتون فى 2016 رغم كل التوقعات المغايرة.

إذن فهذه الزوبعة التى أثارت ضجة كبيرة, لا تحسم بالضرورة من هو الرئيس القادم للولايات المتحدة.


لمزيد من مقالات د. هالة مصطفى

رابط دائم: