رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أوروبا بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيرانى

تناول مقال الأسبوع الماضى إعلان الولايات المتحدة من طرف واحد إعادة العمل بالعقوبات الأممية ضد إيران وتهديد الدول التى لا تلتزم بتنفيذ تلك العقوبات. ويناقش هذا المقال موقف الدول الأوروبية الثلاث فى الاتفاق النووي، أى فرنسا وألمانيا وبريطانيا، والتى تشترك مع الولايات المتحدة فى عضوية حلف شمال الأطلسي.

من المعلوم أن الدول الثلاث كانت قد امتنعَت عن التصويت على مشروع القرار الذى عرضته الولايات المتحدة على مجلس الأمن لتمديد حظر تصدير الأسلحة التقليدية لإيران إلى أجل غير مسمي، ويمكن تفسير هذا الموقف الأوروبى بعوامل ثلاثة أساسية، أحدها حماية الاتفاق النووى من الانهيار مع مايعنيه هذا الانهيار من تشجيع السباق النووى فى منطقة لا تنقصها أصلاً أسباب الاضطراب. والثانى منع الولايات المتحدة من فرض سياسة الأمر الواقع على كل أطراف الاتفاق والظهور بمظهر القطب الأوحد للعالم. والثالث التكسب من إعادة تصدير الأسلحة التقليدية لإيران، خاصة فى ظل حاجة إيران لتحديث ترسانتها العسكرية، وذلك لأن البرنامج الصاروخى وسلاح البحرية الإيرانيين والترسانة العسكرية الإيرانية تعانى تقادم مكوناتها. وعندما ردت الولايات المتحدة على رفض مجلس الأمن بأن أعلنت اعتزامها تفعيل آلية الزناد، ثم قامت بتفعيل هذه الآلية فعلاً فإنها قوبلت أيضاً برفض فورى وحاسم من الثلاثى الأوروبي. أصدر الثلاثى الأوروبى بياناً وصف فيه الإجراء الأمريكى بأنه لا ينتج أثراً قانونيًا وأكد تمسكه بالاتفاق النووى مع إيران، وتماهى مع هذا الموقف مسؤول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى بتأكيده أنه سيفعل كل ما فى وسعه لضمان الحفاظ على الاتفاق وتنفيذه بالكامل من قبل الجميع. وفى البيان الذى ألقاه الرئيس الفرنسى بمناسبة الاحتفال بمرور 75 عاماً على إنشاء الأمم المتحدة ذكر إيمانويل ماكرون أن استراتيچية الضغوط القصوى التى اتبعت ضد إيران لسنوات لم تضع حداً لأنشطتها المزعزعة للاستقرار، ولا ضمنت عدم حيازتها السلاح النووي، لذلك فإن فرنسا مع كلٍ من ألمانيا وبريطانيا حريصة على التطبيق التام والكامل للاتفاق النووي، ثم استطرد قائلاً: لكن الدول الأوروبية الثلاث لن تقبل خروقات إيران للاتفاق النووي، وستعمل على استكمال اتفاق 2015، للتأكد من أن إيران لن تمتلك سلاحاً نووياً، كما أنه سيكون للدول الثلاث موقف من النشاط الباليستى لإيران، وكذلك من أنشطتها المزعزعة للاستقرار الإقليمي.

وفيما يخص إيران نفسها فإنها كانت قد بدأت فى التحلل على مراحل من التزاماتها المنصوص عليها فى الاتفاق النووى، اعتبارا من مايو 2019، وكان ذلك بمثابة رد فعل على عجز الثلاثى الأوروبى عن مساعدتها فى مواجهة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، خاصة أن آلية المقايضة التى اقترحها الثلاثى تكتنفها مشكلات كثيرة. وجاء آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلع الشهر الماضى ليسجّل أن إيران تجاوزت نسبة التخصيب المسموح بها فى الاتفاق من 3٫75 % إلى 4٫50% ، وأنها تجاوزت كمية اليورانيوم المخصب المسموح بها وهى 300 كجم بعشرة أضعاف. يضاف إلى ماسبق زيادة عدد الطرادات المركزية والانتقال من الجيل الرابع للطرادات المحدد فى الاتفاق النووى إلى الجيل السادس كما ظهر قبل أيام فى مقابلة جواد ظريف مع التليفزيون الإيراني. وكذلك قيام إيران بنشاط التخصيب فى مفاعل فوردو بعد استهداف مفاعل ناتانز بالتخريب، وخطورة هذه الخطوة هى أن منشآت مفاعل فوردو موجودة تحت الأرض ما يجعل من المستحيل استهدافها بالتخريب دون إنزال عسكرى .هذا كله بخلاف قيام إيران بتكثيف البحوث والتجارب العلمية المتصلة بالأنشطة النووية. ورغم أن الاستفزازات الإيرانية السابقة وتّرت العلاقة مع الثلاثى الأوروبى بشكل حدا به إلى شكوتها لمجلس الأمن مطلع هذا العام وتلويحه هو نفسه بتفعيل آلية الزناد من جانبه، إلا أن الثلاثى يعلم أنه بالنظر لعجزه عن تعويض إيران اقتصادياً عن العقوبات الأمريكية الخانقة وعدم قدرته على إعادة الشركات الأوروبية إلى السوق الايرانية، فإنه لابد له من أن يترك لحكام إيران شيئا يقدمونه للرأى العام الداخلى بإظهار أنهم يقاومون الاستكبار الأمريكى ويردون له الصاع صاعين، لكن السؤال هو: إلى أى مدى يمكن للثلاثى الأوروبى الحفاظ على شعرة معاوية مع إيران؟.

سوف تتحكم فى الإجابة على هذا التساؤل عدة عوامل، أقربها زمنياً نتائج الانتخابات الأمريكية، وذلك أن إعادة التفاوض مع إيران على تعديل الاتفاق مسألة مستحيلة لو تم التجديد لترامب، لأن إعادة التفاوض مع ترامب تعنى هزيمة ثقيلة للنظام الإيرانى لن يستطيع تحمل تكلفتها، ولا ننسى أن إيران بدورها لديها استحقاق رئاسى فى العام المقبل وأى تراجع فى مواجهة ترامب سيعزز فرص المتشددين فى الفوز برئاسة الجمهورية كما فازوا فى مجلس الشورى الإسلامى .أما إن فاز بايدن فإن إعادة التفاوض قد تكون ممكنة، خاصة أن إيران باتت مقتنعة ألا أحد يريد استمرار الاتفاق بصورته الحالية فى ظل اتضاح ثغراته ونواقصه المختلفة، وهذا يسمح بمساحة أكبر للحركة أمام الثلاثى الأوروبى ويفتح المجال أمام المساومات والشد والجذب بين الأطراف . عامل آخر يتعلق بأداء إيران فى الفترة المقبلة، فالثلاثى الأوروبى لن يتجاوز مثلاً عن خرق إيرانى خطير للاتفاق من نوع رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى ما يقترب من 20% وهى نسبة التخصيب التى كانت قائمة قبل 2015، أو فى حال تأكدت لديه المعلومات الأمريكية عن وجود تعاون عسكرى بين إيران وكوريا الشمالية لتطوير الصواريخ البعيدة المدي، أو إذا رفضت إيران التعاون مع مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأخفت أنشطتها النووية، فعندها سيكون من الصعب على الثلاثى الأوروبى التمسك بشعرة معاوية مع إيران و إيجاد مبرر للدفاع عن الاتفاق النووى ولو دبلوماسياً وإعلامياً، ولاننسى أن أجواء التوتر الفرنسية -الإيرانية مهيأة تماماً بسبب الأزمة اللبنانية، ولذلك فإن رهان إيران على صبر الثلاثى الأوروبى بلا مدى هو رهان محفوف بالمخاطر .


لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد

رابط دائم: