رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ضمير أمة فى قلب رجل

قليلون هم من يشكلون عقل ووجدان الأمة خاصة فى زمن تراجعت فيه القيم أمام المصالح الضيقة. وفى هذه الكلمات القليلة أنا لا أرثى الصديق الصدوق أحمد يوسف القرعي، بل فقط أريد أن أذكر نفسى وغيرى بفكر ومواقف رجل هو من خيرة رجالات مصر، بل من خيرة رجالات الأمة، رجل كان يحمل بين جنباته هموم وقضايا الأمة، هذا المفكر القومى العروبى الذى عاهدته دائما مدافعا بوجدانه وقلمه عن قضية العرب الأولى فلسطين، وكانت كتاباته المستمرة عن القدس تبعث الأمل والثبات فى نفوس القراء والباحثين إزاء حملات التيئيس والقنوط والتشكيك التى درج البعض على أن يشنها ضد كل ما يمت للعروبة بصلة وضد الفلسطينيين وحقوقهم. وقد مثلت حالة اليقظة التى كان يشعلها الدكتور أحمد يوسف القرعى بكتاباته عن فلسطين والقدس دافعا وملهما لى نحو التحول إلى التخصص الأكاديمى فى قضايا الصراع العربى الإسرائيلي.

لقد منّ الله سبحانه وتعالى عليّ من فضله أن صادفت وصادقت الدكتور أحمد يوسف القرعى طيلة ثلاثين عاما، ولم أكن فى بداية تلك الفترة إلا باحثا صغيرا يتلمس طريقه إلى البحث العلمى فى مجال العلوم السياسية، وكان هو من هو فى قيمته وخلقه الكريم الذى لم يضن عليّ بالمساعدة والمشورة والدعم للحصول على الوثائق والبيانات، وقد اتسعت صداقتنا فى بداية تسعينيات القرن الماضى لتنتقل من مرحلة الدعم إلى مرحلة النقاش والحوار فى قضايا الأمة برغم فارق الخبرة والمعرفة. ويبدو أنه قد وجد فى أفكارى حول القضايا التى كنا نتناقش فيها ما يمكن بلورته فى شكل مقالات، فطلب منى الكتابة فى الأهرام بشكل شبه دورى رغم أننى فى ذلك الوقت لم أكن قد حصلت على درجة الماجستير. كانت مقالاتى فى الأهرام فى بادئ الأمر إما أن تكون فى شكل كتابات علمية أكاديمية بحتة أو كتابات تعكس حماس ووجدان الشباب المهموم بقضايا الأمة، ورغم ما كان فى بعض تلك المقالات من إشارات وكلمات كانت فى ذلك الوقت من المحظورات، إلا أنه بحسه القومى وضميره الإنسانى لم يتدخل فيما أكتبه بالحذف أو التعديل لا فى المضمون ولا فى العنوان، وشيئا فشيئا نصحنى بشكل غير مباشر أن أجمع بين المضمون العلمى والأسلوب الشيق الذى يجذب القراء، الأمر الذى جعلنى أراجع نفسى وأرجع إلى كتاباته نفسها لأرى كيف استطاع الدكتور أحمد يوسف القرعى أن يمزج بين الوجدان القومى والضمير العلمي. شيئا أخر أذكر به نفسي، حينما كنت بصدد الإعداد لأطروحة الدكتوراه عام 1997، فلا أستطيع أن أصف شعوره حينما كنت فى مكتبه وأخبرته بأننى قد اخترت موضوع رسالة الدكتوراه حول أثر متغيرات الصراع العربى الإسرائيلى على العلاقات المصرية السورية، فقد كان يرى أن مثل هذه الرسائل ضرورة للحفاظ على حقوق الأمة، وأن هذه الرسالة يجب أن تكون جزءا من ذاكرة الأمة، لقد سعدت بتلك الكلمات، وقد ساعدنى فى الحصول على معظم ما يستلزمه البحث من وثائق ومعلومات منشورة وغير منشورة، ونصحنى بالذهاب إلى سوريا للاطلاع على الموقف على طبيعته، ولم ينس أن ينصحنى بتوخى الحذر هناك، خاصة أننى كنت دائم النقد لنظام البعث، وحينما أنجزت تلك الرسالة عام 2000 شرفت بأن كان الدكتور أحمد يوسف القرعى أحد أعضاء لجنة المناقشة والحكم على الرسالة، فكان ذلك تتويجا لجهد بذلناه سويا ولصداقة استمرت على المستوى الشخصى والعائلى منذ أن عرفته وعرفنى حتى قضى الله أمرا كان مفعولا.

رحم الله أخى وصديقى أحمد يوسف القرعى وجمعنى معه فى صحبه النبى الأكرم.

 

 

 

> عميد كلية السياسة والاقتصاد

جامعة السويس


لمزيد من مقالات د. جمال سلامة على

رابط دائم: