رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عن شعبية جمال عبد الناصر فى الوطن العربى

مرت هذه الأيام الذكرى الخمسون لغياب الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر عن عالمنا، وهى مناسبة تشكل بلا شك فرصة مهمة للتوقف عندها بهدف النظر فى أهمية الحاجة للقيام بعملية شاملة وجامعة يكون الغرض منها السعى من أجل التوصل، بعد مرور كل هذه السنوات والعقود، إلى تقييم تاريخى موضوعى ووفق منهج علمى محايد للحقبة الناصرية فى تاريخ مصر المعاصر، تاريخ الدولة والمجتمع والاقتصاد والثقافة على حد السواء، وذلك بنجاحات تلك المرحلة واخفاقاتها، بإيجابياتها وسلبياتها، وبما بقى من إرثها وبصماتها وما زال أو تبخر منه. وسوف أقصر تناولى هنا على جانب واحد فقط مرتبط بهذه المناسبة، ألا وهو مسألة الشعبية الجارفة للزعيم الراحل خارج حدود مصر، وبشكل أكثر تحديدا داخل حدود الوطن العربى الكبير وحتى بين الأقليات العربية التى تقيم فى بلدان المهجر فى مختلف أرجاء العالم شرقا وغربا.

وأول المظاهر على شعبية عبد الناصر أنه أينما توجهت بالزيارة بغرض العمل أو السياحة أو غيرها من أهداف إلى أى دولة عربية، فستجد شارعا من الشوارع الرئيسية فى عاصمة تلك الدولة أو ميدان من الميادين الكبرى بها يحمل اسم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أو تمثالا له فى شارع أو ميدان بها، ومن المفارقات التى تزيد هذا المثال تجليا هو أن هذه الحقيقة تستوى بين البلدان التى كانت علاقات حكامها بمصر الناصرية قوية وتلك التى كان بين حكامها والرئيس الراحل عداءات أو خصومات أو على الأقل خلافات خلال سنوات حياته، ومن أمثلة الحالة الأخيرة الأردن حيث أحد أكبر وأهم ميادين العاصمة عمان يحمل اسم الرئيس الراحل رغم ما كان بينه وبين الملك الراحل الحسين بن طلال من خلافات. بل إنه فى بعض البلدان العربية توجد ميادين وشوارع وتماثيل للزعيم المصرى والعربى الراحل فى العديد من المدن وليس فقط فى العاصمة، ولبنان هو أحد الأمثلة العربية على ذلك. أما ثانى المظاهر على شعبية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لدى الشعوب العربية فهو حقيقة وجود شعبية كبيرة له لدى أجيال متتالية من الشباب العربى من الذين ولدوا بعد رحيله عن دنيانا ولم يروه رأى العين ولم يعاصروه فعليا. وكان أهم دليل على تلك الشعبية لدى الشباب العربى أنه خلال العديد من الموجات المتتالية من الثورات والانتفاضات التى جرت فى العديد من البلدان العربية منذ نهايات عام 2010 فإن الكثير من الشباب المشاركين كانوا يرفعون صورة الزعيم المصرى والعربى الراحل، سواء كان ذلك فى تونس أو فى اليمن أو فى غيرهما من البلدان العربية التى شهدت تلك الثورات والانتفاضات، بجانب مصر بالطبع. وإذا انتقلنا من تفقد بعض مظاهر شعبية جمال عبد الناصر فى الوطن العربى إلى محاولة تفسير وشرح أسباب تلك الشعبية، نتناول بداية مفهوما له مكانة مهمة فى علم الاجتماع السياسى وعلم النفس السياسى الحديثين، ألا وهو مفهوم الكاريزما للقيادة السياسية، وهناك من كان يدفع بأن الكاريزما وتأثيرها مقصوران على وجود القائد السياسى على قيد الحياة وتفاعله المباشر مع الجماهير، إلا أنه ثبت من خلال دراسات حالات سابقة بشكل علمى أن الكاريزما تتحقق عبر وسائل الإعلام والتواصل على تنوعها وليس فقط من خلال التفاعل المباشر، كما أنه ثبت بشكل متزايد أن الكاريزما تبقى حتى بعد رحيل صاحب الشخصية عن العالم مادام بقيت القضايا التى يعبر عنها مطروحة فى صفوف الشعب أو الأمة التى كان يتفاعل معها هذا القائد.

ويتعلق التفسير الثانى بحقيقة تاريخية وهى أن غالبية الشعوب العربية كانت واقعة تحت حكم استعمار أجنبى عندما بزغ نجم القيادة الناصرية فى مصر، وكانت تلك الشعوب، مثلها مثل الشعب العربى فى مصر، محرومة لفترات طويلة من الحياة فى ظل الحرية والاستقلال، وتواقة لتأكيد سيادتها على أراضى وثروات أوطانها، ولم يهتم الرئيس المصرى الراحل بتحقيق جلاء قوات الاحتلال البريطانى عن مصر وتحقيق الاستقلال السياسى لبلاده فقط، بل مد بصره منذ وقت مبكر خارج الحدود المصرية مدركا أنه لا استقلال ولا أمن قومى لمصر دون إنهاء الاحتلال الأجنبى وتحقيق الاستقلال الوطنى لكل البلدان العربية، وبالتالى ترتب على هذا الوعى لديه ترجمته إلى سياسات وإجراءات عملية ملموسة على الأرض استهدفت تقديم الدعم بكل أشكاله وصوره لحركات التحرر الوطنى فى كل ارجاء الوطن العربي، ولذا كان من الطبيعى أن توجد هناك مشاعر داخل كل دولة عربية، ولو لدى قطاع أو أكثر من مواطنيها، تنظر إلى جمال عبد الناصر باعتباره أسطورة، وليس مجرد قائد أو زعيم سياسي.

أما التفسير الثالث فهو أن دور الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر على الصعيد العربى لم يقتصر على تجسيد قيم الاستقلال والتحرر، بل تعداه عندما أعلن تأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1956 ورفض الاستسلام أمام العدوان الثلاثى فى أكتوبر/نوفمبر من نفس العام، فقد مثل آنذاك التجسيد الحى لقيم الإباء والكرامة والكبرياء، ومرة أخرى ليس لمصر فقط بل للشعوب العربية قاطبة، وذهب الرئيس الراحل خطوة أبعد أخذته إلى مكان آخر فى المخيل التاريخى للذاكرة العربية عندما حقق أول وحدة اندماجية عربية بين دولتين عربيتين فى التاريخ المعاصر، وهى الوحدة بين مصر وسوريا متمثلة فى الجمهورية العربية المتحدة فى فبراير 1958، بالرغم من قصر عمرها والشكل الذى انتهت به، ومازال مشهد الجماهير السورية تحمل سيارة جمال عبد الناصر فى دمشق فى زمن الوحدة ماثلاً فى الأذهان، ولكن هذه الجماهيرية لم تكن فقط فى زمن الانتصار، بل وجدناها حتى فى زمن الانكسار، وتكرر المشهد فى العاصمة السودانية الخرطوم، وهذه المرة كان خلال توجه الرئيس المصرى الراحل إلى هناك للمشاركة فى القمة العربية بعد هزيمة 1967، فلم تتأثر الشعبية بالهزيمة وبقى القائد مبجلا فى عيون أمته كما كان فى زمن النصر.


لمزيد من مقالات ◀ د. وليد محمود عبد الناصر

رابط دائم: