بعد صراع مع المرض رحل عن عالمنا مؤخرًا رجل الصناعة والاستثمار محمد فريد خميس (14 أبريل 1940م - 19 سبتمبر 2020م)، الذى يعرف كل من اقترب منه، كيف أنه رجل وطني، مُخلص وأمين، عشق تراب هذا الوطن وانتمى إليه انتماء النيل والأهرامات، آمن بمسئوليته الاجتماعية، وساهم بنصيبه فى عملية التنمية، وهو ما تجسد بوضوح فى مشروعاته التعليمية واستثماراته الصناعية على السواء. كان رجلًا عصاميًا يُلقبه البعض بـ «طلعت حرب الجديد»، حيث أسس صروحًا صناعية وأخرى تعليمية، بفكر راق وعقل مستنير، قاعدته بناء الإنسان المصرى والاستثمار فى البشر، باعتبارهم الثروة الحقيقية وقوة هذا الوطن وأساس أى تنمية ننشدها ونتطلع إليها، فكان المواطن عنده أساس نهضة وبناء مصر الحديثة.
كان الراحل الكريم يتمتع بمجموعة من الصفات الطيبة والخصال النبيلة منها الأدب الجم، والتواضع الشديد، وتقدير الآخرين، وتشجيعهم على العمل ومواصلة الإنتاج فى كل مكان، وقد شغل عدة مواقع أكد فيها انتماءه للوطن وانحيازه للمصلحة العامة، منها رئيس اتحاد المستثمرين، ورئيس جمعية رجال الأعمال المصرية، وعضوية مجلس الشورى، وقد ساند ثورتى 25 يناير و30 يونيو واهتم بتدعيم صندوق تحيا مصر. آمن فريد خميس بمبدأ المواطنة وقيمة الوحدة الوطنية وأهمية ترسيخ العلاقة الطيبة بين أبناء الوطن الواحد، وكثيرًا ما كان يردد أن مصر وطن واحد يعيش فيه شعب واحد، وأن الدين لله والوطن للجميع، ومن ثم فإنه كان يهتم بتوفير السجاد لعدد من المساجد والكنائس، ومن منتجات مصانعه سجاد معلق به آيات قرآنية وسجاجيد معلقة أخرى تصور رحلة العائلة المقدسة فى مصر، كما كان له دور بارز فى ترميم بعض دور العبادة الإسلامية والمسيحية، مثل منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة ودير القديسة دميانة ببرارى بلقاس، وقد تولى دعم إصداركتاب عن القديسة دميانة وديرها باللغتين العربية والإنجليزية، وكان يسعد بتوزيعه على ضيوفه من المصريين والأجانب. فى اجتماعاته مع العاملين معه، كان يطرح رؤيته للنهضة بالعمل فى سلاسة ووضوح، ثم يفتح باب المناقشة والحوار، وكان يتميز- رحمه الله - بحُسن الإنصات والاستماع للجميع، الكبير منهم والصغير، وأتذكر جيدًا أن الراحل الكريم استقبل من الكاتب هنا فكرتين؛ الأولى توجيه الدعوة لقداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لزيارة الجامعة البريطانية فى مصر وأكاديمية الشروق، ومن جانبه رحب البابا تواضروس بالدعوة، وحضر قداسته للجامعة وألقى محاضرة متميزة للأساتذة والإداريين والطلاب عن «قيمة التسامح»، وقد حضر الندوة وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة وعدد من رموز الثقافة والفكر والدين والسياسة، فى ملحمة وطنية تعكس ثراء التنوع والغنى الكبير الذى يتميز به المجتمع المصري؛ أما الفكرة الثانية فكانت تنظيم مؤتمر بالتعاون مع جريدة (الأهرام) العريقة بمناسبة الاحتفال بمرو مائة عام على ثورة سنة 1919م، وقد حضرها وشارك فيها نخبة من القيادات الثقافية والأكاديمية وعدد من رموز الفكر المصري، يتقدمهم الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ علاء ثابت رئيس تحرير (الأهرام)، حيث تضمن المؤتمر عدة محاضرات، بالإضافة إلى معرض صور للشخصيات والصحف التى عاصرت ثورة 19. وكثيرًا ما كان الأستاذ محمد فريد خميس يهتم بمد جسور التواصل والتعاون مع المصريين فى الخارج، فى دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها، من منطلق الإيمان بأنهم سفراء حقيقيون عن الوطن مصر، وقد رفض أكثر من عرض لحصوله على جنسية أخرى مُكتفيًا بجنسيته المصرية، وأتذكر أننى حضرت اجتماعًا له مع السفيرة نبيلة مكرم عبد الشهيد وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، ضم مجموعة من الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين، وقدعبرت الوزيرة يومها عن تقديرها للأستاذ محمد فريد خميس ودوره فى خدمة الوطن، فى الداخل والخارج.. إلى روح الأستاذ محمد فريد خميس نهدى سلامًا، طالبين من الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يعطى أسرته وكل محبيه وعارفى أعماله صبرًا وعزاءً.
لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق رابط دائم: