رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أعاد بناء مصر.. فأثار الإمبريالية الأمريكية

د. عاصم الدسوقى

منذ وقعت مصر فى أيدى الغزاة بعد سقوط حكم أبنائها الفراعنة أصبحت ولاية تابعة لقوة خارجية يأتيها وال يحكمها من لدن السلطة الغازية، ويتم تبديله من آن لآخر حتى لا ينفرد بالحكم. وهكذا شاهد المصريون عددا من الولاة الأغراب ابتداء من الإسكندر الأكبر وخلفائه البطالمة التى كانت كليوباترا آخرهم ثم الرومان ثم عرب الحجاز بقيادة عمرو بن العاص وخلفائهم (الخلافة الأموية ثم العباسية ثم الفاطمية) ثم صلاح الدين الأيوبى والمماليك وأخيرا الأتراك (الدولة العثمانية) منذ 1517 باستثناء فترة الحملة الفرنسية بقيادة بونابرت (1798-1801) التى انتهت اضطراباتها بتولية محمد على أحد قياديى الجيش العثمانى الذى جاء لإخراج الفرنسيين من مصر، وأصبحت مصر ولاية وراثية فى أسرته.

..............................

وفى كل تلك المراحل الطويلة عاش المصريون تحت حكم الأجانب عاجزين عن تحرير بلادهم التى أصبحت مصدرا للقوة الغازية الحاكمة، وازدادت أهميتها نظرا لموقعها الجغرافى وتوسطها بين العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ومن ثم حافظ الغزاة الحكام على أن تبقى مصر مصدرا للمادة الخام اللازمة للصناعة خاصة بعد الثورة الصناعية (منتصف القرن الثامن عشر)، وسوقا لتصريف المنتجات الصناعية.

ورغم محاولات المصريين تحرير بلادهم من الحكم الأجنبى ابتداء من احمد عرابى (1881-1882)، إلا أن محاولاتهم لم تنجح. فقد انتهت الثورة العرابية باحتلال الإنجليز لمصر، وراحت صرخات مصطفى كامل ومطالبته بالاستقلال هباء حتى وفاته فى 1908، وترك محمد فريد خليفته البلاد فرارا من الاعتقال. ثم جاء اشتراك الدولة العثمانية صاحبة الولاية على مصر فى الحرب العالمية الأولى إلى جانب المانيا والنمسا أعداء إنجلترا (نوفمبر 1914) إلى إعلان إنجلترا الحماية على مصر فازداد وضع البلاد سوءا على سوء. ثم قامت ثورة مارس 1919 بقيادة سعد زغلول تحت شعار «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، لكن سلطات الحماية البريطانية نجحت فى اختراق صفوف الثوار الذين ارتضوا بإعلان مصر مملكة مستقلة ذات سيادة (تصريح 28 فبراير 1922). لكنه لم يكن استقلالا حقيقيا لأنه كان معلقا بتسوية أربع مسائل تحصل مصر بعد تسويتها على الاستقلال التام. ولتسوية هذه المسائل بدأت سلسلة المفاوضات (1924) دون جدوى حتى اضطرت إنجلترا لعقد معاهدة 1936 نظرا لظروف الحرب العالمية الثانية لتهدئة الحركة الوطنية عن طريق تحديد وجود قوات الجيش البريطانى فى أربعة أماكن فى مصر بدلا من انتشارها فى القرى والمدن والحارات، وهذه الأماكن: معسكر الإسماعيلية، ومعسكر مصطفى باشا فى الإسكندرية، ومعسكر القلعة فى القاهرة، وثكنات قصر النيل فى القاهرة. ومدة المعاهدة عشرون عاما تنتهى فى 1956، ما لم تستدع الظروف تجديدها.

وهكذا تم تفريغ الحركة الوطنية من مضمون تحرير البلاد، وقنع رجال السياسة بتولى الحكم تحت سيطرة الإدارة البريطانية ولعل حادثة 4 فبراير 1942 خير شاهد على هذه الحالة الانهزامية حين يدخل السفير البريطانى على الملك فاروق ويأمره بتكليف مصطفى النحاس برئاسة الحكومة وإلا فسوف يتم عزله.

لقد كان هذا هو الواقع السياسى فى مصر عشية قيام تنظيم الضباط الأحرار بالثورة على الحكم الملكى (ليلة 23 يولية 1952) لتحرير البلاد من الاحتلال والعمل على استعادة مصر قوتها التاريخية بفعل موقعها الجغرافى وبعث روح القوة والصمود والتصدى بين المصريين حتى ينعموا بخيرات بلادهم التى كانت تذهب لغيرهم.

وهنا ظهر جمال عبدالناصر صاحب فكرة التنظيم والثورة وما يهمنا تأكيده فى السطور التالية كيفية خروجه من أسر فكر القوى السياسية القائمة لكى يحقق الاستقلال الحقيقى لمصر بدلا من التبعية، ويستعيد مكانتها بين العالم لتصبح مرهوبة الجانب. وكان أول ما أقدم عليه أنه أجبر السلطة البريطانية على التفاوض من أجل الجلاء. وقد بدأت جلسات التفاوض فى أبريل 1953 وانتهت فى يوليو 1954 بالتوقيع بالأحرف الأولى ثم التصديق عليها فى 17 أكتوبر 1954. ونصت المعاهدة على جلاء الإنجليز عن مصر خلال عشرين شهرا, وأن مدتها سبع سنوات ويجوز بعد انتهاء المدة أن تعود إنجلترا لاستخدام القاعدة العسكرية فى الإسماعيلية فى حالة وقوع عدوان على أى بلد من بلاد الشرق الأوسط. وكانت إنجلترا ترتب الأمر للمستقبل الذى ترسمه من حيث عدم الجلاء بشكل نهائي. وهكذا وفور تأميم شركة قناة السويس (26 يوليو 1956) وقع العدوان الثلاثى فى 29 اكتوبر 1956 بترتيب بريطانى قوامه أن تقوم إسرائيل بالهجوم ومعها فرنسا فتتدخل إنجلترا بناء على إتفاقية الجلاء مع مصر.. ولما تقرر انسحاب القوات المعتدية فى 23 ديسمبر 1956 قام عبدالناصر بكل جرأة فى أول يناير 1957 بإعلان إلغاء اتفاقية الجلاء المعقودة مع إنجلترا. وهنا قال الرئيس الأمريكى آيزنهاور جملته الشهيرة «Nasser must go» يجب أن يختفى ناصر، ذلك أن إلغاء اتفاقية الجلاء حرمت أمريكا من استخدام قاعدة الإسماعيلية لحلف بغداد (1955) الذى رفض عبدالناصر الانضمام له ولأى حلف آخر زمن الحرب الباردة.

وقبل أن تنسحب القوات المعتدية من مصر عقب العدوان الثلاثي، قام عبدالناصر بفرض الحراسة على المؤسسات الإنجليزية والفرنسية وعددها 1500 مؤسسة من بنوك وشركات تأمين وبترول وتعدين، وتأسست وزارة الصناعة لتوجيه شئون التصنيع واستغلال الثروة المعدنية. وبعد انسحاب القوات المعتدية فى 23 ديسمبر 1956 تم إنشاء مجلس التخطيط الأعلى (13 يناير 1957) ليتولى تحديد الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدولة وإقرار خطط التنمية فى مراحلها المختلفة. وفى اليوم نفسه تم إنشاء المؤسسة الاقتصادية للإشراف على المؤسسات المؤممة، وتقرر تمصير البنوك (14 يناير). ثم تلا ذلك تمصير شركات التأمين. وتقرر أن تكون اللغة العربية لغة جميع العقود والسجلات والمحاضر والمكاتبات (10 فبراير 1957). وبدأت وزارة الصناعة عملها بإحياء المشروعات المعطلة فى الأدراج ومن ذلك توليد الكهرباء من خزان أسوان، وصناعة الحديد والصلب.

ثم تنبهت القيادة الثورية إلى أن تمصير رأس المال الأجنبى لم يقض على طبيعة الاستغلال الرأسمالى لكنه أدى إلى توسيع قاعدة الرأسماليين المصريين الذين أحجموا عن الاستثمار فى الصناعات الثقيلة المطلوبة للتنمية وظلوا على نهج الرأسمالية الأجنبية من حيث البحث عن الربح السريع من خلال مشروعات الخدمات والإنتاج الخفيف، ومن ثم كانت التحولات الكبيرة وقرارات تأميم جميع وسائل الإنتاج الكبيرة فى يوليو 1961 وإقامة القطاع العام للقيام بالمشروعات التى يتردد رأس المال الخاص فى إقامتها. وفى أول مايو 1965 أعلن جمال عبدالناصر ان الخطة الخمسية الثانية سوف تبدأ فى يوليو وتستهدف الصناعة الثقيلة والادخار، وهذا معناه زيادة الإنتاج وتوفير النفقات بإنهاء استيراد المستلزمات الأساسية للإنتاج وتشجيع التصدير حتى يصبح الميزان التجارى فى مصلحة الدولة ويصبح الاستقلال مصونا. وعلى هذا كانت منتصف الستينيات قمة إنجازات ثورة يوليو داخليا وعربيا وعالميا، فداخليا كانت التنمية الاقتصادية قوية، والتماسك الاجتماعى يأخذ مجراه بفضل فلسفة المواطنة وتذويب الفوارق الطبقية والدينية. وعربيا كان عبدالناصر قائد الأمة العربية دون منازع على طريق التحرر والوحدة والكرامة بفضل قوة مصر وجهود أبنائها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق