رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصالحة مصرية ــ تركية؟

تواتر الحديث في الآونة الأخيرة عن محاولات جارية باتجاه مصالحة مصرية - تركية تخرج العلاقات بين البلدين من أزمتها الحادة الحالية التي بدأت منذ الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر حيث تصور أردوغان أنه سيكون الآلية التي تعود بها مصر إلى الهيمنة العثمانية، وإن كان التأزم سمة غالبة للعلاقات منذ بداية ثورة يوليو التي طرد مجلس قيادتها السفير التركي في1954 لحملاته المستمرة على سياسة قادة الثورة وتوجيهه ألفاظاً نابية لجمال عبد الناصر، ثم كانت مصر هي الصخرة التي تحطم عندها حلف بغداد 1955 والتهديد التركي لسوريا 1957، وعندما خرجت تركيا من عباءة التحالف الغربي صنع نظامها الحالي لنفسه عباءته الخاصة من أوهام العثمانية الجديدة والخلافة الإسلامية وما استوجبته من دعم لجماعة الإخوان المسلمين على نحو يعرض أمن مصر واستقرارها للخطر، وكان آخر حلقات السياسة التركية في هذا الصدد دعمها السافر لحكومة الميليشيات في طرابلس، وفي إطار هذا التأزم يأتي الحديث وفقاً لبعض التقارير عن خطوات تركية لتجاوزه لم تلق استجابة مصرية تُذكر تساءلت فيها تركيا عن مطالب مصر لتحسين العلاقات وعرضت تسليم مطلوبين وطلبت زيارة مسئولين أتراك مصر بدءاً بنائب الرئيس ومروراً بوزير الخارجية وانتهاءً بوزير الداخلية، وأبدت استعداداً للتفاوض حول اتفاقية لترسيم الحدود البحرية، واعتذرت عن التوغل الذي وقع في المياه الاقتصادية المصرية وتعهدت بعدم تكراره، وعرضت إغلاق الفضائيات المعادية لمصر، وتعهدت بالالتزام بالخط الأحمر الذي وضعه الرئيس في ليبيا.

ولا توجد وسيلة لديَ للتحقق من صحة التقارير السابقة أو دقتها، غير أن عين المراقب لا يمكن أن تُخطئ تغير لغة الخطاب التركي منذ أظهرت مصر العين الحمراء للعربدة التركية في ليبيا، وقد تعودت السياسة التركية أن تستغل الظروف الاستثنائية التي تمر بها سوريا والعراق لانتهاك سيادتهما بل التبجح في الرد على احتجاجات قادة البلدين على أفعالها، لكن المواقف والأفعال الحاسمة لمصر تجاه ما يجري في ليبيا لم تواجه بأي تصريحات تركية حمقاء، بل لقد غيرت السلوك التركي، فتراجع أردوغان عن إرسال قوات تركية لليبيا بعد أن سارع بالحصول على موافقة برلمانه على هذه الخطوة، ولم يجرؤ على انتهاك خط مصر الأحمر رغم استمراره في حشد الأسلحة والمرتزقة، وهكذا فإنه حتى إذا كانت التقارير التي أشارت لتعهد تركي باحترام هذا الخط غير صحيحة فإن هذا هو ما حدث فعلاً، ويمكن بسهولة مقارنة الخطاب التركي الحالي تجاه مصر بسوء الأدب والصفاقة التي كان يتحدث بها أردوغان ورجاله عن قيادة مصر ونظامها السياسي بعد يونيو2013 وتلذذه باستخدام «علامة رابعة» وهو يلوح بيده في لقاءاته الجماهيرية، إذ نجد الآن وزير خارجيته يشيد بأن مصر رغم أن العلاقات معها ليست جيدة قد احترمت حقوق تركيا في مياهها البحرية في الاتفاقية التي عقدتها مع اليونان، وهاهو مستشار أردوغان ياسين أقطاي يؤكد أنه وإن لم يكن هناك تقارب ملموس في الوقت الحالي فإن ثمة علاقات متبادلة لم تنقطع ولابد أن يكون هناك تواصل مستمر، وأن الشعبين التركي والمصري شعب واحد! من منظور الثقافة والتقاليد والحضارة والهوية، ويُذَكر بأننا تاريخياً كنا أمة واحدة مستشهداً بحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الجسد الواحد الذي يتداعى سائر أعضائه إذا اشتكى منه عضو! وينتهي بأن على المصريين أن يشعروا بأن تركيا ليست عدواً لشعب مصر أو حكومتها، أما أردوغان فقد صرح بأنه لا يوجد مانع من الحوار مع مصر لوضع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية وأن ثمة حواراً بالفعل على مستوى جهازي المخابرات في البلدين، واكتفى بالحزن بسبب توقيع مصر الاتفاقية البحرية مع اليونان.

تغيرت لغة الخطاب التركي إذن ومع ذلك فإن ثمة ملاحظات بادية عليه أهمها الارتباك والتناقض الداخلي، فوزير الخارجية يتحدث حيناً بود كما في تصريحاته المشار إليها هنا ثم يعود فيُعَرض بثورة يونيو2013 على النحو الذي استدعى رداً حاسماً من السيد سامح شكري، وبينما تحدث وزير الخارجية التركي بلهجة ودية عن سلوك مصر في الاتفاقية البحرية مع اليونان يقول مستشار الرئيس إنها تُلحق الضرر بتركيا ومن ثم بمصر نفسها، بل إن التناقض يبدو واضحاً داخل تصريحات المستشار ذاته كما في قوله إن تركيا ليست عدوة لشعب مصر ولا لحكومته ثم حديثه عن هذه الحكومة بوصفها حكومة انقلابية تظلم شعبها وتفتقد وفقاً لأردوغان لقضاء عادل، ولا تفسير عندي لهذا الارتباك والتناقض سوى أن النظام التركي غير صادق في نواياه وإنما يقوم بتحركات تكتيكية لتحييد مصر يتخبط فيها خاصة بالنظر إلى الوعي المصري بطبيعة هذه التحركات ومن ثم رفضها، وفي البحث عن تفسير لهذا التطور في لغة الخطاب التركي يبدو واضحاً أن الموقف المصري الحاسم من التحركات التركية في ليبيا قد أحدث آثاره، فلم تعد الساحة بعده ملعباً حصرياً لتركيا، وساعد على هذا أن المواقف الدولية على ضعفها كما في الموقف الأوروبي والتباسها كما في الموقفين الأمريكي والروسي لم تكن مواتية للتصرفات التركية كما أن الموقف الأوروبي وبالذات الفرنسي آخذ في التطور إلى الأفضل مما يجعل تركيا في عزلة دولية شبه تامة، ويُضاف إلى هذا تنامي المعارضة التركية الداخلية لسلوك أردوغان وبالذات تجاه مصر كما في التصريحات الأخيرة لزعيمي حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير، أما الموقف المصري فهو شديد الوضوح والتماسك ولا أجد دليلاً على ذلك أبلغ من التعليق الحاسم للسيد سامح شكري على حديث المصالحة بأن مصر تعتد بالأفعال لا بالأقوال، ونلاحظ أن هذه الأفعال ليست خاصة بمصر وحدها وإنما بالمنطقة ككل، وليست مصر هي الدولة التي تتخلى عن إستراتيجيتها الصائبة لقاء مكاسب تكتيكية مشكوك فيها.


لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد

رابط دائم: