ما بين لحظة وأخرى يترقب العالم مشاهدة أكبر عملية تلوث بيئية يمكن أن تتجاوز حادثة ميناء بيروت بمراحل وستكون تداعياتها أخطر على الملاحة والأحياء البحرية والأسماك فى البحر الأحمر.. ناقلة النفط اليمنية «صافر» القابعة منذ عام 2014 بلا أى صيانة أو تفريغ فى ميناء رأس عيسى وفى جوفها مليون و140 ألف طن من النفط الخام، بدأت مياه البحر تتسرب إليها وسط مناشدات محلية ودولية لجماعة الحوثى التى تسيطر على الميناء بالسماح لفرق دولية بتفقدها.
السلطات المحلية اليمنية وعلى لسان وكيل أول محافظة الحديدة وليد القديمى، أطلقت ما أسمته «النداء الأخير» لإنقاذ اليمن والبحر الأحمر من كارثة رهيبة، متوقعة أنها ستضيف عبئا إضافيا لعشرات السنين وتحرم الآلاف من فرص العمل وتقضى على الحياة البحرية المتنوعة فى المياه اليمنية على البحر الأحمر وكذا شرق البحر الأحمر إلى خليج العقبة.
منذ اندلاع الحرب الأهلية فى اليمن عام 2015 توقفت الشركات المتخصصة عن إرسال الخبراء وفرق الصيانة للفحوص اللازمة والصيانة وتبعتها فى ذلك شركات التأمين، وقد نفد المازوت المخصص لتشغيل الغلايات لإنتاج البخار اللازم لتشغيل توربينات مولدات الكهرباء البخارية ومضخات التصدير البخارية ومعدات تحلية مياه البحر. وفى ظل انعدام الغاز الخامل للحماية من اشتعال النفط داخل الخزانات أصبح النفط يعلوه مزيج من الأكسجين وغازات هيدروكربونية وأى شرر ولو بسيطا فى ظروف جوية معينة سيؤدى إلى اشتعال النفط وانفجار الخزان العائم وتسرب كامل محتواه إلى البحر .
ووفقا للتقديرات اليمنية لحجم الكارثة، فإن نحو 126 ألف صياد يمنى يمكن أن يفقدوا مصدر دخلهم بمناطق الصيد اليدوي، بينهم نحو 67 ألف صياد فى محافظة الحديدة، كما يهدد أى تسرب نفطى من الناقلة 148 جمعية سمكية تعاونية، ونحو 850 ألف طن من المخزون السمكى فى المياه اليمنية، و400 نوع من الأسماك، و300 نوع من الشعاب المرجانية .
وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن تسرب النفط قد يدمر 500 كيلو متر مربع من الأراضى الزراعية يستعملها نحو 3 ملايين مزارع يمني، و8 آلاف بئر ماء، كما أنه قد يخلف مستويات مضرة من الملوثات الهوائية تؤثر على أكثر من 8 ملايين شخص.
وحسب الأمم المتحدة، فإن التأثيرات المحتملة ستشمل أيضا إغلاق ميناء الحديدة والصليف لمدة ستة أشهر ما قد يؤثر بشكل خطير على قدرة اليمن على استيراد 90 % من الأغذية والمساعدات الأساسية الأخرى والسلع التجارية التى يحتاج إليها.
لم تستطع الأمم المتحدة التى وضعت خطة على مرحلتين لإنقاذ الباخرة حتى الآن إرسال المختصين إلى الباخرة للتقييم بسبب تعنت الحوثيين تجاه طلب السماح لهم . وتشمل المرحلة الأولى إرسال فريق من الخبراء لتقييم الأضرار والرفع لمكتب عمليات الأمم المتحدة بالخيارات المتاحة التى ينصح بها للتخلص من محتوى الخزان العائم من النفط، والمرحلة الثانية أن يقوم مكتب عمليات الأمم المتحدة بإبرام العقود مع شركة أو شركات متخصصة للقيام بتنفيذ الخيار الذى ينصح به فريق التقييم فى المرحلة الأولي.
وأرسلت الحكومة الشرعية اليمنية العديد من الخطابات للأمم المتحدة ومجلس الأمن لوضع حل لهذه الكارثة قبل فوات الأوان، ووافقت على مقترح المبعوث الأممى لليمن المقدم فى منتصف يونيو 2020، الذى يقضى بتقييم الخزان وتفريغه والتخلص منه واستخدام العوائد فى دفع مرتبات الموظفين من الخدمة المدنية ، ولكن الحوثيين رفضوا المقترح الأممى من أجل إبقاء الخزان العائم كسلاح وورقة ابتزاز سياسية بأيديهم دون أدنى اكتراث بالتبعات الخطيرة.
وطلبت الحكومة اليمنية عقد جلسة خاصة لبحث الموضوع فى مجلس الأمن، وأستجاب المجلس وعقد جلسة حول صافر فى 15 يوليو الماضى، وشدد على ضرورة امتثال الحوثيين لحل القضية دون شروط أو تأخير. وعقب مراوغة الحوثيين قررت الأمم المتحدة تأجيل موعد وصول الفريق الفنى للخزان مرة أخرى إلى أجل غير مسمى.
ويؤكد وزير الاعلام اليمنى أن هذا الوضع ينذر بوقوع أكبر كارثة تلوث بيئى فى تاريخ البشرية لن تقتصر آثارها على اليمن بل ستطال جميع الدول المطلة على البحر الأحمر، محملا جماعة الحوثى المدعومة من ايران المسئولية الكاملة عن الكارثة التى قد تحدث نتيجة غرق أو انفجار ناقلة النفط بعد تجاهلها لكل المناشدات.
التحذيرات الدولية من خطر ناقلة النفط تكررت على لسان أكثر من مسئول، فالسفير البريطانى لدى اليمن مايكل آرون يؤكد أن موضوع ناقلة النفط يمثل أولوية لبريطانيا والمجتمع الدولي، لافتا إلى أن انفجارها أو تسرب النفط منها يؤثر بطريقة مباشرة فى 1,6 مليون من السكان فى المنطقة ومورد عيشهم، وسيكون 8 ملايين يمنى عرضة بشكل مباشر لتلوث البيئة جراءَ التسرب ومن 50 إلى 70 % من الأراضى الزراعية اليمنية سوف تغطى بالسحابة السوداء.
وأكدت السعودية ضرورة معاينة ناقلة صافر سريعا وعلى مستوى المنظمات الإقليمية والدولية طالب أمين عام مجلس التعاون الخليجى بضرورة تمكين الخبراء بمعاينة ناقلة النفط صافر لتفادى الكارثة التى قد تقع، كما حذر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من خطورة وضع ناقلة النفط داعياً مجلس الأمن إلى التدخل بصورة فورية. أما جماعة الحوثى فقد جددت على لسان وزير النفط والمعادن بها أحمد دارس رفضها السماح بصيانة خزان صافر العائم، مؤكدة أنها لن تسمح بسحب السفينة إلى أى دولة أخرى وسيتم الاحتفاظ بها وصيانتها عبر شركة محلية وعند الانتهاء من عملية التفاوض السياسى واصدار الأوامر بالصيانة ستبدأ على الفور فى عملية الصيانة.
يذكر أن ناقلة النفط «صافر» باخرة عملاقة حمولتها الساكنة 409 آلاف طن مترى وتم تصنيعها فى اليابان عام 1976 لحساب شركة اكسون عندما كان عبور الناقلات بين الشرق والغرب يتم عبر رأس الرجاء الصالح بسبب إغلاق قناة السويس. قامت شركة «هنت» بالنيابة عن الشركة اليمنية للاستكشاف والإنتاج بشراء هذه الناقلة لتحويلها الى خزان عائم لاستقبال وتصدير نفط مأرب وسميت بالخزان العائم «صافر» تيمنا بموقع فى مأرب تم استكشاف النفط فيه لأول مرة فى اليمن.
ويرسو الخزان العائم «صافر» فى منطقة تبعد حوالى 9 كيلو مترات من شاطئ رأس عيسي، على بعد 60 كيلومترا شمال غرب مدينة الحديدة، ويتراوح عمق الماء فى منطقة ربط الخزان بين 37-40 مترا، وتحتوى الباخرة «صافر» على 34 خزاناً تبلغ السعة التخزينية الإجمالية لها نحو 3.2 مليون برميل، ويتراوح معدل الضخ بين 15 ألف 40 ألف برميل فى الساعة فى نظام الربط الخلفى ويصل هذا المعدل الى نحو 70 ــ80 ألف برميل فى الساعة فى نظام الربط الجانبي، أى عندما تكون ناقلة التصدير مربوطة بجانب الخزان العائم، ويستقبل الخزان العائم «صافر» النفط المنتج من حقول جنة ومأرب عبر أنبوب رئيسى طوله 440 كم تقريبا وبقطر يتراوح بين 24و 26 بوصة، وسعته الإسمية 833 الف برميل.
رابط دائم: