رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

صــناعة النخبــة.. فـن
على مبارك ورفاعة الطهطاوى نموذجا

د.مصطفى جودة

«الصفوة فى الجماعات البشرية هم أفراد يتميزون برجحان فى عقولهم وقوة فى نفوسهم وقيمة فى جهودهم المؤثرة لتوجيه الجماعات لما فيه خيرها وصلاحها»
 منصور فهمى, «أبحاث وخطرات» الهيئة العامة للكتاب 1973
«مفهوم النخبة ليس ثابتًا ولكنه متحرك بطبيعته، وقد تكون أقرب الأفكار لتفسير مفهوم النخبة هى تلك المعتمدة على معيار مستوى التعليم الذى يجعل لأصحابه تميزًا وظيفيًا وربما طبقيًا أيضًا إذ إن التميز التعليمى هو الذى يسمح بالحراك الاجتماعى والانتقال من صفوف العامة إلى مقاعد النخبة»

 مصطفى الفقى , الأهرام 16 أبريل 2019



بداية لكل عصر نخبة أو أهل صفوة يتم إختيارها بعناية لتكون شريحة مجتمعية مفضلة منتقاه من المجتمع لمؤهلاتها وقدراتها تصبح بعدها قاطرة تساهم فى سرعة تنميته ونقله الى مستوى طاقة حضارية أعلى. عادة تصبح ذات سلطان وجاه وقوة وتملك المال والمميزات والخصوصية والمهارة فى المجتمع. نفهم من هذا أن النخبة لا بد لها من قوة صانعة ودافعة ولا يمكن أن تتكون من ذاتها أو أن تدعى فئة أو فئات أنها نخبة مثلما نشاهد فى زماننا, وإنما تحتاج عوامل مساعدة لتتكون مثلها مثل التفاعل الكيمائى الذى يحتاج مكونات وعوامل مساعدة لكى يحقق غايته وهى المنتج المرجو. كان محمد على حريصا على بناء نخب مختلفة وكان صبورا فى تصنيعها وتكوينها واختيارها, وأوصى بها بنيه من بعده. كنت أتصفح كتاب تاريخ الحركة العلمية فى مصر الحديثة للعلوم الطبية الذى أصدرته أكاديمية البحث العلمى سنة 1995, لفت نظرى فيه جملة تنسب الى محمد على يقول فيها: «حين تسلمت زمام الأمور فى البلاد لم يكن فيها أكثر من مائتى فرد يعرفون القراءة والكتابة». هالتنى المبالغة فيها فبحثت كثيرا عنها لتبيان حقيقتها فلم أجد لها أثرا فى تاريخ الجبرتى أو الخطط التوفيقية لعلى باشا مبارك أو فى تقويم النيل لأمين سامى باشا أو أى مصدر آخر من مصادر تلك المرحلة.



ربما تكون جملة عمر طوسون التى وردت فى كتابه الهام البعثات العلمية فى عهد محمد على ثم فى عهدى عباس الأول وسعيد, مطبعة صلاح الدين بالإسكندرية, 1934,عن نجاح جده محمد على أكثر واقعية من تلك الجملة: «شعر محمد على رغم أميته بأن الملك لا يشيد إلا على أمتن أساس من العلم, وأن العلم الذى تدعم به الممالك ليس هو الذى يسمونه علما فى الشرق, وإنما هو الذى قامت به المدنية الغربية وشيدت عليه صرح عليائها وقوتها فأقرت لها الأمم بالغلبة. ذلك بلا شك هو ماجال فى نفس محمد على, وذلك ما حفزته همته الى العمل لبلوغه, فعمل وأفلح ولم يكن له من المؤازرين ما كان لنابليون, ولا حوله من العلماء ما كان حول سائر الملوك الذين رفعوا شأن ممالكهم فى أوروبا وهذا شأن يدعو الى العجب العجاب». نعم كانت فرنسا حينها مركزا من مراكز العلوم والثقافة والفنون, كان قبل نابليون وحوله آلاف العلماء مازال لعلمهم كل الصدى, منهم لافوازيه وباسكال وكولومب ولجرانج وكوشيه وأمبير وفوريه ولابلاس وغيرهم كثيرون غيروا الدنيا بعلمهم, وما زالت نظرياتهم وأبحاثهم وكتبهم والقوانين والمعادلات التى تحمل أسماءهم تمثل المراجع الأساسية فى العلوم الرياضية والطبيعية والهندسية. كانت فرنسا رائدة أيضا فى الطب والفنون وكل العلوم الإدارية والإنسانية والقانون. كان الفرق شاسعا ومخيفا, وهو ما شاهده وعاصره محمد على أثناء الحملة الفرنسية وعلمائها الذين اصطحبهم نابليون معه فى حملته والذين كانوا يزيدون على 160 عالما. عندما بدأ محمد على عهده لم يكن هناك حوله عالم واحد فى العلوم الرياضية أو الطبيعية أو الطبية أو الهندسية أو الإدارة الحديثة ولو بمستوى محدود. بدأ مشروع النهضة بعد أن حقق محمد على الاستقرار فى مصر وتخلص من فساد وفوضى وشرور المماليك فى مذبحة القلعة فى 1811. أدرك محمد على أن ذلك لن يتحقق إلا بتشكيل جيش قوى حديث يضمن استدامة الأمن داخل البلاد ويحقق سطوته فى الخارج.ولزمه قبل كل شىء أن يجد فى البحث عن تقوية نفسه ورأى أنه لن ينال ذلك إلا بقوة السلاح, فكان جيشه فى الحقيقة جالبا لاستتباب الأمن داخل البلاد وناشرا لواء سطوته فى الخارج. كان بناء الجيش هو القوة الدافعة لتطور العملية التعليمية والثقافية والصناعية والصحية فى مصر. ما فعله عندها محمد على لا يقل عن معجزة وقفزة تفوق الخيال بكل المقاييس.

أراد محمد على بناء إمبراطورية, وأراد شيئا حديثا مماثلا لجيش فرنسا وعلم فرنسا وفنونها, فصمم على قفل الفجوة, وبدأ مشروعه الكبير فأنشأ المدارس فى مصر على غرار المدارس فى أوروبا وجلب لها الأساتذة من هناك, ثم بدأ فى إرسال البعثات وكون نخبة من أولئك المبعوثين, هى التى حملت راية العلم والتمصير وذلك بإحلال المصريين الأكفاء بدل الأجانب الذين كانوا يكلفون الكثير بعد رجوعهم من فرنسا ومن غيرها من الدول الأوروبية. تلك البعثات جعلت مصرمنارة حقيقية بها مطبعة ببولاق تطبع فيها الكتب الحديثة وبها هندسخانة انشئت عام 1816 تخرج مهندسين ومدرسة طب تخرج أطباء انشئت عام 1827, وبها مدرسة صيدلة أنشئت عام 1830, ألحقت بمدرسة الطب فى نفس السنة, وبها مدرسة ولادة أنشئت عام 1832 وألحقت بالطب البشرى, وبها مدرسة للطب البيطرى أنشئت فى رشيد عام 1828, ثم نقلت الى أبى زعبل لتضم الى مدرسة الطب البشرى عام 1831. إضافة الى ذلك كانت هناك عناية كبيرة بالزراعة لأنها الأساس بالنسبة لمصر فأنشئت «الدرسخانة» الملكية عام 1830 لتكون أول مدرسة زراعية, وتلتها مدرسة زراعية ثانية بشبرا الخيمة أنشئت عام 1833 ثم مدرسة ثالثة للزراعة بنبروه عام 1836, وفى عام 1846 أنشئت مدرسة الزراعة كقسم من أقسام مدرسة الألسن. ولتلبية احتياجات الجيش أنشئت العديد من المدارس الصناعية أهمها مدرسة الكيمياء عام 1831 بمصر القديمة, ومدرسة المعادن عام 1834, ومدرسة العمليات والصنائع عام 1827. إضافة الى ذلك إنشئت العديد من المدارس الحربية والبحرية أهمها مدرسة أسوان ومدرسة أركان الحرب بالقرب من القاهرة عام 1825, ومدرسة البيادة فى الخانقاه عام 1832 ثم نقلت الى دمياط عام 1834 وفى عام 1841 نقلت الى أبو زعبل, ومدرسة السوارى فى الجيزة عام 1830 ومدرسة الطوبجية فى طرة عام 1831, وأنشئت مدارس بحرية بالإسكندرية ومدارس للتدريب العملى على ظهر سفن الأسطول المصرى. فجأة طلع على مصر فجر الحداثة والتنوير والقوة والمجد والتقدم, لا توجد مبالغة فى قول إنها لم تحدث من قبل بهذه السرعة والكفاءة إلا فى بضع حضارات عبر التاريخ كله, وعندما وافته المنية عام 1848 كانت مصر حديثة وقوية بكل المعايير.

هناك مثالان يوضحان طريقة محمد على فى صناعة النخبة الفريدة فى عهده والتى اتبعتها من بعده ذريته. المثال الأول رفاعة رافع الطهطاوى والثانى على باشا مبارك رحمهما الله.

كان رفاعة رافع الطهطاوى واحدا من الذين سافروا فى البعثة الثالثة التى أرسلها محمد على الى فرنسا عام 1826 ليكون إماما للبعثة. كان عبقريا وذكيا فوضع على عاتقه أن يصف بعثته من لحظة تحركها من القاهرة وانبهاره بفرنسا طبيعة وشعبا وعلما وثقافة وقانونا خلال مدة البعثة وحتى عودتها عام 1831,وسجل كل ذلك فى كتابه الخالد :«تخليص الإبريز فى تلخيص باريز» والذى نشرته مطبعة بولاق سنة 1834, قدم فيه رفاعة كنزا أبديا للثقافة العربية من خلال رؤياه لفرنسا من الداخل عبر خمس سنوات إقامة فى باريس وما حولها.

عندما رجع رفاعة ورفقاؤه, أرسل محمد على ابنه إبراهيم باشا ليكون فى استقبالها فى ميناء الإسكندرية. يقول على باشا مبارك فى الجزء الثالث عشر من الخطط التوفيقية عن السيرة الذاتية لرفاعة رافع الطهطاوى :» بعد انتهاء رحلته وحصول بغيته وعند وصوله الإسكندرية حظى بمقابلة المرحوم إبراهيم باشا أكبر أنجال محمد على وسأله عن بيت آبائه بطهطا بعد أن عرف أنه من ذريتهم وكان للمرحوم إبراهيم باشا معرفة بهم ولهم به انتماء خاص فوعده بإدامة الالتفات إليه واستمر ذلك الى أن توفى المرحوم إبراهيم باشا وقد أقطعه خلال هذه المدة حديقة نادرة المثال فى الخانقاه تبلغ 36 فدانا وتوجه بعدها رفاعة من ثغر الإسكندرية الى القاهرة فتشرف بمقابلة محمد على باشا ورأى من ميله إليه ما حمله على الثقة بنجاح المبدأ والنهاية وعين بأمره العالى مترجما فى مدرسة طرا تحت ناظرها سكورا بك الفرنسى فترجم كتبا عديدة وفى أثناء ذلك حل وباء فى القاهرة فسافر رفاعه الى بلده ثم رجع وقابل الجناب العالى بترجمة جزء ضخم من ترجمة ملطبرون ترجمه فى تلك المدة فأنعم عليه بمبلغ جزيل من النقود ثم عرض للجناب العالى أن فى إمكانه أن يؤسس مدرسة ألسن يمكن أن ينتفع بها الوطن ويستغنى عن الدخيل فأجابه الى ذلك ووجه به الى مكاتب الأقاليم لينتخب منها من التلامذة ما يتم به المشروع فأسس المدرسة فظهرت نجابة تلامذتها ثم تشكل بها طقم ترجمة وترقت فيه التلامذة الى الرتب السنية وترجم فيها كثير من الكتب على اختلاف العلوم والفنون والمواضيع وكان دأبه فى مدرسة الألسن فيما اختاره للتلامذة من الكتب التى أراد ترجمتها منهم وفى تأليفاته وتراجمه خصوصا أنه لا يقف فى ذلك فى اليوم والليلة على وقت محدود فكان ربما عقد الدرس للتلامذة بعد العشاء أو عند ثلث الليل الأخير ومكث ثلاث أو أربع ساعات على قدميه فى درس اللغة أو فنون الإدارة والشرائع السماوية والقوانين الأجنبية , وكذلك كان دأبه معهم فى تدريس كتب فنون الأدب العالية بحيث أمسى جميعهم فى الإنشاءات نظما ونثرا أطروفة مصرهم وتحفة عصرهم».

استمرت أسرة محمد على فى الإنعام على رفاعة واستمر هو فى العطاء. يخبرنا بذلك على باشا مبارك فى الخطط التوفيقية ليحسب لنا جملة المنح والعطايا التى نالها رفاعة تشجيعا له:«وقد أنعم عليه محمد على باشا بجملة من الأطيان قدرها 250 فدانا ببلده طهطا وأنعم عليه المرحوم سعيد باشا بمبلغ 200 فدان والخديو إسماعيل باشا بمبلغ 250 فدانا لتصبح جملة ذلك 700 فدان واشترى هو 900 فدانا فبلغ جميع ما فى ملكه 1600 فدان غير ما إشتراه من العقارات العديدة فى بلده وفى القاهرة وكانت له رحمه الله عناية كبيرة بإقتناء الكتب فإشترى الكثير النادر منها حتى أن كتبه بلغت نحو 4500 كتاب من الكتب العربية والأجنبية ما ليس فى غيرها».

المثال الثانى فى توضيح تصنيع النخبة هو على باشا مبارك. عندما قرر محمد على إرسال أمراء الأسرة فى البعثة الخامسة له والتى تعرف ببعثة الأنجال, يقول على باشا مبارك بهذا الخصوص: «عزم محمد على إرسال أنجاله الكرام الى مملكة فرنسا ليتعلموا بها وصدر أمره بانتخاب جماعة من نجباء المدارس المتقدمين ليكونوا معهم وحضر المرحوم سليمان باشا الفرنساوى الى المهندسخانة فانتخب عددا من تلامذتها فكنت فيهم فسافرت الى تلك البلاد فأقمنا بباريس سنتين فى بيت واحد مختص بنا». يستمر على مبارك فى مدنا بحقيقة الأمر: «كنت لا أنام من الليل إلا قليلا حتى كان ذلك ديدنى الى الآن وصرت أول البعثة كلها بالتبادل مع حماد بك وعلى باشا إبراهيم ولما حضر الى مدينة باريس المرحوم إبراهيم باشا عسكر الديار المصرية حضر امتحاننا هو وسر عسكر الديار الفرنسية مع ابن ملكهم وأعيان فرنسا فأثنى الجميع علينا الثناء الجميل وفرقت علينا المكافآت نحن الثلاثة ودعينا للأكل مع سر عسكرنا إبراهيم باشا ولما رجع الى مصر صار يثنى علينا عند والده وغيره». هذا هو بداية تصنيع النخبة, والتى تعقبها المرحلة الأهم وهو الإنعام والإغداق عليها ثم الاستفادة القصوى منها. عندما تولى عباس الأول حكم مصر طلب حضور أعضاء تلك البعثة الى مصر وتم تعيينهم فى وظائف لائقة. كتب على مبارك واصفا ذلك: «لما تمثلت بين يدى المرحوم عباس باشا أنا وحماد بك وعلى باشا إبراهيم قال لى : أنت على أفندى مبارك؟, قلت نعم, فقال أن أحمد باشا (اخو الخديو السابق والذى كان زميلا لعلى مبارك فى بعثة الأنجال), قد أثنى عليك فقد جعلتكم فى معيتى».

لم تقتصر صناعة النخبة فى عهد محمد على وأسرته من بعده على رفاعة والذين معه وعلى مبارك ورفاقه, والنابغين من الأطباء والمهندسين والعسكريين, ولكن شملت كل النابغين والنابهين فى كل المعارف والفنون, كان الإنعام عليهم كبيرا, مثلا أنعم الخديو إسماعيل على زميل بعثته على باشا مبارك بثلاثمائة فدان ومنحه لقب الباشوية وبالتالى فعل على مبارك ما يشبه المعجزات لمصر. ربما تفردت التجربة المصرية فى تلك العهود بمنح ألقاب الباكوية والباشوية إضافة الى المال والعقار. كانت عملية تمصير حقيقية, حل فيها المصرى الكفء محل الأجنبى الذى يتقاضى الكثير نظير آداء وظيفته.

أرسل محمد على المبعوثين من نجباء مصر ليعودوا ويؤلفوا, وجعلها شرطا أن يؤلف المبعوث كتابا عقب عودته.ثم جعلهم نخبته وأغدق عليهم. للأسف حدثت كبوة بموت محمد على وابنه إبراهيم, ليتولى الحكم بعدهما عباس الأول ثم سعيد واللذان لم يكونا على قدر المعرفة والرؤية مثل محمد على وإبراهيم. تغير الوضع بقدوم إسماعيل الذى شابه جده محمد على فى إحياء نهضة الكتاب وجعله أولوية ونجح فى ذلك, ثم جاء الإنجليز ليكونوا مبيدا ثقافيا وصناعيا لمصر قطع استدامة نهضتها الشابة وجفف منابعها. كانت خطة كرومر أن يضمن عدم اليقظة الثقافية لمصر وكان مصرا على عدم فتح جامعة مصرية ومقاوما عنيفا لذلك, ولولا همة بعض المصريين ما فتحت جامعة القاهرة.

سيذكر التاريخ أن حركة كتابة الكتب وترجمتها لا تقل عما حدث فى دار الحكمة ببغداد إبان خلافة هارون الرشيد والخليفة المأمون. تكمن أهميتها فى كتابة الكتب العلمية الأصيلة وفى ترجمة الكثير منها الى العربية والتركية. بلغت ذروتها فى عهد محمد على ثم اضمحلت فى عهد عباس الأول وعهد سعيد ثم ازدهرت ثانية فى عهد إسماعيل ثم اضمحلت بقدوم الإنجليز واحتلالهم لمصر وتحجيمها مما منع انطلاقها لتكون من القوى المؤثرة فى مطلع القرن العشرين.

ربما لم يمتع أحد بسيرة ذاتية مثل سيرة على باشا مبارك التى كتبها بنفسه فى الخطط التوفيقية. المتأمل لها يدرك حكمة أسرة محمد على فى الاستفادة منه:

«عقب عودته من البعثة, عين أستاذا بمدرسة طرا. وفى 1850 تم تكليفه بمشروع اقتصاد نفقات المدارس فقدم له حلولا مبهرة وعمل باقتراحه وأنعم عليه الخديوى عباس برتبة أميرالاى وأسندت إليه نظارة المدارس فنجح فيها ولقب بأبو التعليم. فى عام 1855 كلفه الخديو سعيد بالالتحاق بالجيش المصرى الذى سافر لمحاربة روسيا فى حرب القرم. عندما تولى الخديو إسماعيل الحكم عام 1863 ألحقه بمعيته. بعدها عينه لنظارة القناطر الخيرية وأحيل إليه عمل قناطر رياح المنوفية ومبانيه. فى سنة 1865 تم اختياره ممثلا للحكومة المصرية فى لجنة تقدير الأراضى التى تستحقها شركة قناة السويس بمقتضى القرار الصادر من إمبراطور فرنسا. وفى سنة 1867 أحيلت إليه وكالة ديوان المدارس تحت رئاسة شريف باشا إضافة الى احتفاظه بنظارة القناطر الخيرية. فى عام 1868 أحيلت عليه إدارة السكك الحديدية وإدارة ديوان المدارس وإدارة ديوان الأشغال العامة. فى عام 1869 أحيلت عليه نظارة عموم الأوقاف. وهو الذى أنشأ مدرسة دار العلوم كما أنشأ دار الكتب المصرية. تم تكليفه بإعداد السكك الحديدية وتهيئة المدينة للمدعوين لحفلة إفتتاح قناة السويس. فى 1877 تم تعيينه ناظرا لكل من الأوقاف والمعارف فى نظارة نوبار باشا. عندما تولى الخديو توفيق الحكم فى 26 يونيو سنة 1879 أصبح ناظرا للأشغال العامة فى نظارة رياض باشا وشرع فى بناء سلخانة القاهرة وتجديد مستشفى القصر العينى ومدرسة الطب وسعى فى توصيل المياه الى مدينة حلوان ونظم الحمامات التى بها. فى عام 1882 تولى ديوان الأشغال العامة فى نظارة شريف باشا. فى عام 1888 تولى نظارة ديوان المعارف فى وزارة مصطفى رياض باشا. إعتزل الخدمة عام 1891 وتوفى فى 14 نوفمبر 1893. الى جانب كل هذه المشاغل ترك لنا إرثا ثقافيا خالدا متمثلا فى كتابه الاسطورى الخطط التوفيقية من 20 جزءا نشرته مطبعة بولاق عام 1305 هجرية وكتاب علم الدين من أربعة أجزاء نشرته مطبعة السعادة وكثيرا من المؤلفات الهندسية والأدبية الأخرى»

الفاحص للأمر هنا يدرك أن محمد على كان الرابح الأساسى رغم العطاء السخى لرفاعة وعلى مبارك والمئات الآخرين من المبعوثين من مال وعقار وألقاب. هذا ما تفعله فى عصرنا الدول التى تريد أن تبنى ملكها: تغدق على المواهب من بنيها من المنح والجوائز, فيكون رد فعل بنيها إبداعا وعطاء يفوق الإنفاق عليها. كان رفاعة وتلاميذه لا يختلفون عن مبدعى كل الحضارات فى الماضى والحاضر والمستقبل. ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت بين علماء الماضى وأساتذة هارفارد وأوكسفورد والسوربون وباحثيهم فى عهدنا: تنعم عليهم المنظومة فيمنحونها فى المقابل إبداعا وعلما. هو قانون الفعل ورد الفعل الذى لا يتغير ولا يتبدل. إنها مصر التى حققت بأبنائها ذلك وليس محمد على. كان محمد على عاملا مساعدا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق