رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر ما بعد الكورونا

فى الأول من سبتمبر الحالى نشر صندوق النقد الدولى تقريرا عن الحالة المصرية خلال فترة أزمة الكورونا منذ بداية العام كال فيه المديح للاستجابة المصرية للجائحة، وذلك فى إطار القرار السريع للصندوق لمنح مصر تسهيلات بقيمة 2.8 مليار دولار للتعامل مع آثار الأزمة. ذكر التقرير أن الحكومة المصرية استجابت للأزمة بحزمة شاملة من السياسات استهدفت التعامل مع الحالة الصحية الطارئة ودعم النشاط الاقتصادي. تحركت السلطات المصرية بسرعة لكى تخصص الموارد للقطاع الصحي، وتقدم الدعم المطلوب للقطاعات التى تعرضت للضرر، وتوسعت فى برامج شبكة الأمان الاجتماعى لحماية قطاعات السكان الأكثر تعرضا للضرر، وشمل ذلك تخصيص 100 مليار جنيه كحزمة تحفيزية، أو 1.8% من الناتج المحلى الإجمالى للإنفاق الصحى الاجتماعي. وعندما أقر الصندوق قرضا بقيمة 5.2 مليار دولار لسد العجز فى ميزان المدفوعات فإنه مرة أخرى تعرض للاقتصاد المصرى بقدر من التشاؤم فيما يتعلق بالمدى القصير نتيجة آثار البلاء وتراجع السياحة وتحويلات العاملين المصريين فى الخارج والتباطؤ فى النشاط الاقتصادي. وعلى الجانب الآخر فإن الصندوق يبدو أكثر تفاؤلا فى أعوام 2024 و2025 حيث تستعيد مصر مرة أخرى مستوياتها فى النمو السابقة على الأزمة بحيث تشهد تحسنا فى ميزان المدفوعات والاستثمارات الخارجية فى مصر. والتقرير هكذا يمثل وجهة نظر محايدة ودولية لتقييم المرحلة السابقة للتنمية فى مصر، وكذلك للمرحلة الحالية التى عاشت فيها مصر ولا تزال تعيش فى ظل الفيروس التاجي. ومن هذه الزاوية فإن فيه ردا بليغا على الإعلام المعادى الذى لم يترك نقيصة فى أثناء الأزمة إلا ألصقها بالبلاد وإدارتها خلال هذه المرحلة غير عابئ بالتقارير الدولية ولا بالمقارنة مع دول العالم الأخري. ما هو مفقود فى تقارير الصندوق خلال المرحلة الراهنة (العام المالى 2020/2021) وما بعدها مباشرة حتى عام 2025 هو تفهم واستيعاب حركة الإدارة المصرية، والرئيس عبدالفتاح السيسى على رأسها، خلال هذه الفترة الزمنية على ضوء ما حدث قبلها حيث تعدت أرقام ما تم إنجازه الأرقام المتوقعة قبل خمس سنوات. فالحقيقة التى لا تخطئها عين هى أنه رغم ما هو معلوم من الأعباء الكثيرة على الاقتصاد المصرى نتيجة الزيادة السكانية، وعودة الكثير من العاملين المصريين فى الخارج، والتباطؤ العام فى الاقتصاد الإقليمى نتيجة انخفاض أسعار النفط، والدولى نتيجة «كوفيد ــ 19»؛ فإن المنهج المصرى يقوم على التنمية الشاملة لجميع القطاعات الإنتاجية والمناطق المصرية. فى أوقات كثيرة سابقة من التاريخ المصرى كان هناك دائما حديث عن القاطرة التى سوف تجذب باقى عربات مصر وراءها نحو التقدم والرقي؛ وكان ذلك تأميم قناة السويس مرة، والسد العالى مرة أخري، والخطط الخمسية مرة ثالثة، والمدن الجديدة مرة رابعة؛ وهكذا قاطرات. نتيجة ذلك كله كان أولا أن الزيادة السكانية انتصرت على كل هذه القاطرات؛ وثانيا أن معدلات التقدم المصرى كانت بطيئة وصغيرة، وكان مستحيلا معها أن تنتقل مصر من صفوف الدول النامية إلى صفوف الدول المتقدمة. كان ذلك هو الوقت الذى كانت فيه الاستراتيجية التنموية المصرية قائمة على إدارة الفقر؛ أما الآن فإنها تقوم كلية على إدارة الثروة دون إخلال بالحماية الاجتماعية لأكثر قطاعات المجتمع تعرضا للضرر. ولا يكاد يمر يوم دون اجتماع الرئيس شخصيا مع القادة المسئولين عن قطاع أو منطقة أو قضية؛ فهناك دائما تركيز على الصناعة والزراعة والخدمات الصحية والتعليم، ومن الإسكندرية حتى أسوان، ومن البحر الأبيض حتى البحر الأحمر حتى سيناء. البنية الأساسية لم تعد مشروعا واحدا وكفى للكهرباء أو للماء، وإنما هى عملية مستمرة أهم ما فيها هو اعتماد المستويات العالمية وليس المحلية للإنشاء والتشغيل؛ فلا مكان هنا لمشروع المائة يوم للتعامل مع الأضرار المباشرة لأمر كما حدث فى الستينيات من القرن الماضي، وإنما التعامل مع القضية كلها كما حدث ويحدث فى قطاع السكك الحديدية. سرعة التنفيذ والإنشاء باتت جزءا من العقيدة التنموية العامة، فلا تفلح إضافة للناتج المحلى الإجمالى إذا كانت سوف تنتهى بعد أن تأتى الزيادة السكانية التى سوف تبتلعها؛ وهى التى تستفيد إلى أقصى حد من التطورات التكنولوجية المعاصرة التى تجعل مشروعاتنا الزراعية تنمو بسرعات قياسية (راجع مشروع المستقبل فى منطقة الضبعة)، كما هو الحال فى بناء الطرق والجسور.

ما جرى خلال السنوات الخمس الماضية، وما هو متوقع خلال الخمس سنوات المقبلة سوف يمثل نقلة كيفية فى الشمول الإنتاجى لمصر التى رغم أنها بلد نام، فإنها تتميز عن مثيلاتها بالتنوع الشديد فى القاعدة الإنتاجية التى تقوم عليها، ومعها وجدت قاعدة اجتماعية من التكنوقراط عسكريين ومدنيين - الذين يعرفون تماما إلى أين وصل العالم وكيف يمكن نقل مصر من حالتها الآن إلى حيث وصل الأكثر تقدما من الدول. تكنولوجيا توصل العالم إلى حل المشكلات الغذائية عن طريق أساليب تستخدم عشر المساحة وعشر المياه أو أقل للحصول على النتيجة المحصولية نفسها جديد الخمس سنوات الحالية ليس فقط استكمال كل ما سبق، وافتتاح ما آن افتتاحه، وإنما أكثر من ذلك التعرض الإصلاحي، وأحيانا الثوري، لرأس المال الميت فى البلاد والذى يظهر فى العشوائيات، وفى الأصول الإنتاجية المعطلة فى البلاد، وبعضها منذ عشرات السنين. هذه الثروات الآخذة فى التجمع تحت راية الصندوق السيادى تمثل خطوة إلى الأمام، ولكن ماذا عن الأصول الخاصة الساكنة وغير المنتجة والمؤذية أحيانا؟ أصدق الأمثلة على هذا ذلك البرج الهائل فى منتصف جزيرة الزمالك، والذى مضى على بنائه أربعة عقود الآن، فلا أحد هدمه، ولا أحد سكنه، ولا أحد استخدمه كظل. عشرات ومئات من أمثال البرج قائمة فى العاصمة والمدن وكثير منه آثار تاريخية، وبعضها الآخر خرائب لا تليق بمصر الحديثة.

أزمة الكورونا مثلها مثل الأزمات العالمية الكبرى سوف تنتهى مثلها مثل كل سابقيها من الحربين العالميتين إلى الكساد الكبير إلى دفعة كبيرة من النمو والانطلاقات التكنولوجية. ومصر لن تتخلف عن ذلك.


لمزيد من مقالات ◀ د. عبد المنعم سعيد

رابط دائم: