رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سويسرا .. رائدة صناديق الاقتراع فى العالـم

د.آمال عويضة

 نتائج اقتراع جديد فى سبتمبر حول 5 قضايا خلافية
 

 

لا تقتصر شهرة الاتحاد السويسرى عالميا على الشيكولاتة والساعات ودنيا المال والمصارف فقط، بل تمتد لتشمل دورية الانتخابات التى تتم فى تلك الدولة الهادئة، التى ارتبط اسمها بالحياد، ولا يتجاوز عدد سكانها ثمانية ملايين ونصف مليون موزعين على 26 مقاطعة (كانتون) يشاركون سنويا فى العديد من الاستفتاءات، مما يجعل من عملية الانتخابات أمرا مألوفا ومتكررا، إذ شهد عام 2018 وحده إجراء عشر استفتاءات حول مجموعة من القضايا الخلافية، بينما تسبب انتشار فيروس كوفيد 19 هذا العام، فى تأجيل اقتراع كان من المفترض إجراؤه فى 17 مايو الماضى إلى 27 من الشهر الحالي، لحسم الجدال الدائر حول عدد من الموضوعات على مستوى الاتحاد بصفة عامة، وأخرى على مستوى كل مقاطعة.

 

شهدت العقود الماضية، اقتراع السويسريين حول موضوعات شتي، تراوحت بين الاستغناء عن الجيش ووقف بناء المآذن، أو منع ارتداء الحجاب فى المصالح الحكومية، وصولا إلى الاعتناء بأطقم التمريض، ودعم الدراجات الهوائية، أو الاقتراع حول إزالة قرون الأبقار السويسرية، والذى دعا لإجرائه مزارع استعان بمدخرات عائلته للإنفاق على مرحلة جمع التوقيعات المبدئية، قبل أن ينضم إليه داعمون آخرون فى مغامرة محفوفة بالمخاطر، إذ لا تتعدى عادة نسبة المبادرات التى تحظى بقبول الناخبين العشرة بالمائة تقريبا. تندرج عمليات الاقتراع والاستفتاءات العديدة فى سويسرا تحت عنوان «الديمقراطية المباشرة»، التى تعد جزءا لا يتجزأ من الهوية السياسية السويسرية، حيث يستطيع الناخبون المشاركة بشكل مباشر فى صنع القرار السياسى عبر التصويت فى حال نجاح صاحب أى مبادرة فى جمع 100 ألف توقيع فى فترة لا تتجاوز 18 شهرا، وبالتالى موافقة البرلمان الاتحادى ليتم إطلاق إشارَة البَدء لحملة التصويت. وعلى هذا الأساس، لا تخلو الشوارع والميادين الرئيسية فى مدن الاتحاد السويسرى فى قطاعاتها الرسمية الأربعة الناطقة بالألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانش من داعمى قضايا بعينها، الذين يقفون لساعات طويلة لجمع التوقيعات المطلوبة، ومن ثم التقدم بها إلى البرلمان لإجراء التصويت الشعبي، وبمجرد حصد الأصوات المطلوبة يتم إجراء التعديلات اللازمة فى الدستور الاتحادي. وقد بدأ العمل بآلية المبادرة الشعبية منذ عام 1891، حيث تم إطلاق أكثر من 400 مبادرة شعبية، غير أن كثيرا منها لم يفلح فى الوصول إلى صناديق الاقتراع، إما لفشل أصحابها فى جمع التوقيعات اللازمة، أو لسحبهم لها قبل التصويت، وقد تم التصويت على 209 مبادرة، وتم رفض ما يقرب من 90% منها.

تشهد نهاية الشهر الحالى بمشاركة 5.4 مليون ناخب، اختتام جولة اقتراع جديدة تأتى كإحدى علامات التعافى واستعادة النشاط السياسى فى سويسرا، بعد شهور من التحركات الحذرة المحسوبة بسبب تبعات انتشار فيروس كوفيد ـ 19، حيث يعاود مواطنوها نشاطهم الانتخابى المعتاد الذى بدأ بالفعل قبل أسابيع من التاريخ المحدد لانتهاء الاقتراع، حيث يسمح النظام الانتخابى بالتصويت عبر البريد بدلا عن التوجه إلى لجان الانتخابات فى يوم بعينه لتفادى التكدس وضياع الوقت، فضلا عن إتاحة كل الوثائق الضرورية على مواقع الاتحاد الرسمية، وعادة ما يتلقى المواطن السويسرى مظروفا يتضمن صحيفة التصويت التى يعيدها ثانية عبر البريد ليتم حساب الأصوات، وهو ما يسمح بالتعرف على مؤشرات دقيقة قبيل إعلان النتائج النهائية فى نهاية المهلة المحددة.

يتضمن تصويت سبتمبر الحالى عدة موضوعات على المستوى الوطني، منها:

> تعديلات على قانون الضرائب الفيدرالية المباشرة المتعلق بالمخصصات المحددة للأطفال ورعايتهم خصما من الضرائب التى يدفعها الوالدان، وهو ما يناهضه ناشطو اليسار الذين أكدوا أن هذا الخصم لن يفيد سوى أصحاب الدخول المرتفعة ممن ليسوا بحاجة إليه.

> مخصصات لتعويض خسارة الأعمال المتعلقة بمدة إجازة الوضع المحددة للآباء والأمهات إذ يتشارك الوالدان فى الحصول على تلك الإجازة لرعاية الأبناء حديثى الولادة، وتدعو المبادرة إلى جانب 14 أسبوعا مدفوعة للأم حصول الأب على أسبوعين على مدى الشهور الستة الأولى من عمر مولودهما.

> مبادرة الأحزاب اليسارية للاقتراع حول جدوى اقتناء طائرات مقاتلة جديدة بقيمة 6 مليارات فرنك سويسري، بعد أن تمت المصادقة من طرف الحكومة والبرلمان لمصلحة عدد من شركات صنع الطائرات، ومنها: الفرنسية داسو (رافال)، وإيرباص الأوروبية، وبوينج الأمريكية.

> تعديل قانون الصيد لحماية الحياة البرية وذلك جراء الصراع الناشب حول صيد الذئاب، التى تعبر البلاد فى طريق هجرتها وتتغذى سنويا على المئات من حيوانات الرعى من الأغنام والأبقار فى الجبال والمناطق الطبيعية، ويرفض المعارضون الصيد أو القتل الجائر لها تفاديا للإخلال بالتوازن البيئى وحماية للحياة البرية.

> وأخيرا الاقتراع حول مبادرة حزب الشعب (يمين محافظ) لإنهاء العمل بالاتفاقية الثنائية بشأن حرية تنقل الأشخاص مع الاتحاد الأوروبى بهدف تقليص عدد القادمين إلى البلاد من مهاجرين أو عمالة رسمية لتغيير معدلات الفقر والبطالة والأموال المخصصة للمساعدات الاجتماعية، وتتوجس أحزاب اليمين من تداعيات استقبال سويسرا لنحو مليون وافد على مدى 13 عاما خمسهم من الأوروبيين، كما شهدت أشهر الحظر الأخيرة دخول نحو 20 ألف أجنبى لتلبية احتياجات سوق العمل، فضلا عمن اسموهم «المهاجرين السيئين» أو غير الرسميين من عديمى الخبرة المهنية ممن يقبلون العمل برواتب منخفضة تسهم فى استبعاد العمالة الوطنية.

بينما أضاف عدد من المقاطعات موضوعات أخرى للاقتراع الاتحادى العام لتيسير أعمال مجالسها، حيث يتم الاقتراع فى مقاطعة جنيف على سبيل المثال حول المبادرة الشعبية فيما يتعلق بشئون الاستفادة من القمامة وتنظيمها وتقسيمها للاستفادة من جميع المخلفات، وهناك المبادرة الشعبية الخاصة بتحديد الحد الأدنى للأجور بمقدار 23 فرنكا فى الساعة، كذلك توفير دعم المقاطعة المادى للحصول على المساعدة المنزلية للجميع وليس للكبار سنا فقط كما هو الوضع حاليا، فضلا عن تعديلات تتعلق برئاسة مجلس المقاطعة وموظفيها، وأخيرا الاقتراع حول تفاصيل المبادرة الشعبية لتطبيق قانون المرور على الطرق السريعة، بينما طرح حى برنى مبادرة تتعلق بتخصيص مبلغ من المال لتنفيذ إحدى محطات الترام فى الحي.

وعلى الرغم مما يشكله ذلك الحراك من ضغط مستمر على الفاعلين السياسيين فى سويسرا، فإن الغالبية من السكان تدعم الاستمرار فى تلك الاستفتاءات التى تتم فصليا أو أربع مرات سنويا على أقل تقدير باعتبارها أداة لتحقيق الشفافية الكاملة ووسيلة جذرية للتغيير من الأسفل، بالاستماع إلى صوت القاعدة الشعبية لإحداث تغييرات جوهرية تعكس ديمقراطية البلاد، وهو ما تتبعه اليوم نحو 22 دولة حول العالم تسير على النهج السويسري، الذى صار نموذجا يحتذى به، من بينها: المجر وأوروجواى وكينيا وتايوان والمكسيك ونيوزيلندا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق