رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حياة حافلة

د. منى أبو زيد

عن التطور الفكرى لزكى نجيب محمود يمكن القول إنه مر بثلاث مراحل، لكل منها اسم وسمات، وتمثلت كل منها فى عدة مؤلفات.

المرحلة الأولى: مرحلة الشباب.. وقدَّم فيها بعض المقالات والكتب التى شارك بها فى الحياة الثقافية من خلال ترجمات وإعادة صياغتها صياغة تصلح للقارئ العربى، فكتب عن أعلام غربيين فى مجال الفكر والأدب، وشارك أحمد أمين فى سلسلة من كتب الفلسفة، وكانت له مقالات متتابعة فى مجلتى «الرسالة» و«الثقافة» وكتب عن الفلسفة اليونانية وتاريخ الأدب، محاولاً أن ينقل صورة الثقافة الغربية إلى المثقف المصرى والعربى.

المرحلة الثانية: الوضعية المنطقية.. وتأثر فيها بأحد رواد الوضعية المنطقية الفيلسوف (آير). واستمرت هذه الفترة حوالى 20 عامًا تقريبا من (1950-1970)، وفيها أعلن عدائه الصريح للميتافيزيقا (البحث فيما وراء الطبيعة). وأعتقد أن السبب الحقيقى وراء هذا العداء يعود إلى ما شاهده من تقدُّم علمى وتفوق فى واقع الحياة الغربية. وأن ما جعل الغرب يتقدم هو اهتمامه بالعلم والمناهج التجريبية والانصراف إلى العلوم الطبيعية، وأن ما جعل الشرق يتأخر هو الانصراف إلى حضارة الكلمة، (اجترار ما قاله الأجداد دون إضافة جديد).

وعبَّر د. زكى عن هذه المرحلة فى مجموعة مؤلفات دارت كلها حول العلمية التجريبية، منها «المنطق الوضعي» و«خرافة الميتافيزيقا» و«نحو فلسفة علمية». وتجب الاشارة إلى أن كتاب «خرافة الميتافيزيقا» أثار عليه هجومًا شديدًا ممن افترضوا أن المقصود بالميتافيزيقا هو الدين. فأعاد هو إصدار الكتاب بعنوان جديد هو:«موقف من الميتافيزيقا» موضحا أنها أحد مباحث الفلسفة، وليس المقصود بها الدين. لكن لماذا اهتم زكى نجيب بالوضعية المنطقية دون بقية الفلسفات الغربية؟

هو قدم الإجابة أنه وجدها الفلسفة الصالحة لتغيير واقع أمته، فقد وعى أن الغالب على ثقافة بلاده هو الاهتمام بثقافة الكلمة والاكتفاء بآراء السابقين وكتبهم التراثية. وأن الغرب تقدَّم لاهتمامه بالعلم والواقع والطبيعة، وتخلَّف الشرق لاهتمامه بالقديم. ولذا نادى باستحداث منهج جديد يتجاوز المجال النظرى إلى التطبيق العملى، يقطع الصلة بالماضى ويكتفى بالحاضر والمستقبل. ولكنه غير موقفه ــ فيما بعد ــ بعض الشيء لتظهر المرحلة الثالثة من تطوره الفكرى مرحلة: الأصالة والمعاصرة

اتفق الباحثون أن هذه المرحلة بدأت مع كتابه «تجديد الفكر العربي»، لكنى أرى أن الانتباه لها بدأ بكتابه «الشرق الفنان» الذى تحدَّث فيه عن الهوية العربية أو ما سماه «الشرق أوسطية»، وهى هوية تجمع بين ميزات الشخصية الشرقية التى تهتم بالوجدان والتصوف، والشخصية الغربية التى تهتم بالعقل والعلم.

فى هذه المرحلة تغيَّر تصور زكى نجيب لمفهوم الحضارة، فبعدما كان يبحث فى الحضارة الحديثة الغربية ويرى فيها الغاية والصورة المثلى، أخذ يضيف لها كل ما هو أصيل فى حضارتنا العربية الإسلامية، وأخذ يبحث عن الجذور الأصيلة فى الفكر العربى ويضعه بجانب المستحدثات الغربية.

وعبَّر عن هذا الاتجاه فى عدة مؤلفات منها «تجديد الفكر العربى»، و«المعقول واللامعقول فى تراثنا الفكرى» و«قيم من التراث»، و«رؤية إسلامية»، و«عربى بين ثقافتين»، وغيرها.

وتدور مؤلفات هذه المرحلة حول فكرة أساسية؛ هى أن الإنسان ليس عقلاً فقط، بل عقل ووجدان. والحضارة لا تستطيع أن تغفل دور الإنسان فى صنعها. وثقافة الإنسان تعنى هويته الخاصة المتمثلة فى ماضيه والتى يُعبِّر عنها بلغته ودينه وتراثه وقيمه. وعلينا إذا أردنا أن ندخل إلى الحضارة الجديدة أن ندخل بهويتنا الخاصة ومشاعرنا الأصيلة، فالأصالة تعنى العطاءات الثقافية التى نبتت فى أرض الوطن وأبدعتها عقول أبنائه عبر التاريخ. والمعاصرة تتمثل فى متابعة العلوم وتقنياتها وتطبيقاتها المختلفة، ومتابعة الفنون الحديثة وأنظمة الحكم والتعليم والاقتصاد وغيرها من وسائل العيش وفق الحضارة التى نحياها. وبهذا الجمع تتكامل رؤية الإنسان ويتقدَّم محافظًا على هويته الخاصة ومشاركًا فى الحضارة المعاصرة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق