رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قصة تسريب امتحان دولى فى مصر

أثار الأستاذ عمرو أديب في برنامجه التليفزيوني الحكاية يوم الأحد 6 سبتمبر موضوع صدور قرار من هيئة كوليدج بورد بإلغاء عقد امتحان السات في مصر. وقام د. طارق شوقي وزير التربية والتعليم بعمل مداخلة مُطولة تعليقًا على هذه الواقعة.

وامتحان السات هو عبارة عن امتحان قُدرات للطلاب الذين أتموا المرحلة الثانوية وفقًا لنظام الدبلوما الأمريكية والراغبين في الالتحاق بالجامعات في كثير من دول العالم. وتُحدد كُل جامعة الحد الأدنى من الدرجات الذي تشترطه للالتحاق بها. ويختلف هذا الحد الأدنى في نفس الجامعة من تخصص لآخر. يتم تنظيم هذا الامتحان وإدارته في كل دول العالم من خلال هيئة تعليمية أمريكية هي كوليدج بورد التي تأسست عام 1899 لوضع امتحانات للقبول في الجامعات الأمريكية. وتقوم هذه الهيئة بوضع أسئلة الامتحان وتنظيم إجرائه في كل دول العالم في نفس التوقيت وذلك لتحقيق المُساواة وتكافؤ الفُرص بين جميع الطلاب. وحتى الآن، تُرسل الهيئة الأسئلة وكراسات الإجابة ورقيًا.

ويتم الامتحان في مصر في عدد من المدارس تحت اشراف الأميديست واسمها بالكامل (الخدمات التعليمية والتدريبية الأمريكية - الشرق أوسطية) وهي هيئة أمريكية أهلية غير ربحية تأسست عام 1951وتُعنى بأمور التعليم والتدريب وكل ما يتعلق بالتحاق الطلاب بالجامعات الأمريكية.

يتضح من هذا أن امتحان السات هو عمل تختص به هيئات أهلية غير حكومية، وأن وزارة التربية والتعليم في مصر، أو في غيرها من دول العالم، ليس لها أي دور في إدارة الامتحان أو التعامل مع أوراق الأسئلة وكراسات الإجابة.

وللأسف، تسربت أسئلة هذا الامتحان في مصر أكثر من مرة مما أدى بالهيئة الامريكية المُشرفة عليه إلى وقف إجراء الامتحان من الأساس، أو لإلغاء نتائج الطلاب المصريين. في ديسمبر 2018، تم حجب النتائج، وفي مارس 2019، تم وقف إجراء الامتحان بعد ثبوت تسريب الأسئلة، وفي مايو من نفس العام، تم حجب النتائج. وفي أكتوبر من نفس العام، تم أيضًا إلغاء الامتحان في مصر. وصدر بيان من الهيئة بأنها اتخذت هذا الإجراء بعد التأكد من حدوث سرقات لمواد الامتحان. وتكرر المشهد في أغسطس 2020فصدر قرار بإلغاء الامتحان. ولم تكتف الهيئة بذلك وعاقبت مصر بوقف إجراء الامتحان فيها حتى يونيو2021.وبالمناسبة فإن مصر لم تكن الدولة الوحيدة التي لحقتها قرارات هيئة الكوليدج بورد بإلغاء الامتحان أو حجب النتائج، فقد صدرت قرارات مماثلة في سنوات مختلفة تجاه الصين، وهونج كونج، وماكاو، والمغرب، والسعودية.

لا أحد يعرف على وجه التحديد كيف يتم تسريب أسئلة الامتحان وسرقته قبل موعده. والأرجح أن يكون ذلك بسبب إجراء الامتحان في نفس الساعة في كل دول العالم فلما كان هناك اختلافات في التوقيت، فإن الامتحان يتم في الصين أو اليابان قبل إجرائه في مصر بست أو سبع ساعات مما يمكن المرتكبين لجريمة التسريب من تصوير الامتحان وإرساله بالبريد الإلكتروني قبل عده ساعات إلى مصر. وروى د. طارق شوقي أن هناك أشخاصا يسافرون خصيصًا إلى الصين أو هونج كونج لهذا الغرض وأنه يتم بيع الامتحان بأسعار ضخمة وأسمى مُرتكبي هذا النشاط بـ «مافيا تسريب الامتحانات». والاحتمال الآخر، أن تسريب الامتحان يتم من خلال ثغرات في نظام تأمين نقل الامتحان من مطار القاهرة إلى هيئة الأميديست ثُم توزيعها على المدارس التي يجرى فيها الامتحان. من الواضح أنه توجد مجموعة من معدومي الضمير الذين لا يتورعون عن القيام بأي سلوك غير قانوني حتى يحصلوا على أعلى الدرجات في هذه الامتحانات بغض النظر عن قُدراتهم الدراسية.وأنه توجد مجموعة أُخرى مماثلة تقوم بسرقة الامتحان وبيعه بأثمان باهظة. وفي المقابل، هناك ضحايا من الطلاب الذين اجتهدوا وضحوا وأعدوا للامتحان ثُم ضاع جهدهم وتم حجب نتائجهم أو أُلغي الامتحان أصلًا دون ذنب من جانبهم مما يجعلهم يشعرون بالظلم لأنهم دفعوا ثمنًا لجريمة لم يرتكبوها. وبالفعل، قام خمسون طالبا مصريًا برفع دعوى قضائية أمام إحدى المحاكم الفيدرالية الأمريكيةلإجبار هيئة الكوليدج بورد على إعلان نتائجهم المحجوبة. ولكن إزاء المستندات التي قدمتها الهيئة والتي أثبتت تسريب الامتحان، رفضت المحكمة الدعوة.

سوف تجد هذه القضية طريقها للحل. وأعلنت وزارة التربية والتعليم توفير امتحان آخر مماثل يُستخدم كبديل لامتحان السات وسوف يتم عقده في شهري سبتمبر وأكتوبر على التوالي. ولكن القضية الأهم هي نظرة قطاع من المصريين للتعليم ورغبتهم الجامحة في حصول أبنائهم على أعلى المجاميع والالتحاق بكليات بعينها في الداخل أو الخارج دون نظرٍ إلى قُدرات أبنائهم وإمكانية استمرارهم في هذا المجال. وهي أيضًا سلوك قطاع من المُدرسين الذين حولوا التعليم إلى عملية حفظ لنماذج إجابات على الأسئلة المُتوقعة في الامتحان.

واعتقادي أن جانبًا كبيرًا من الحل يكمنُ في الاعتماد على نظم الامتحان والتصحيح الالكترونية، وأن تفكر هيئة الكوليدج بورد في نظامٍ يحقق تكافؤ الفرص بين طلاب العالم، وفي نفس الوقت يأخذ في اعتباره فروق التوقيت بين الدول.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: