رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

القصة الكاملة لبطل رواية «اللص والكلاب»..
1960.. «السفاح» محمود أمين سليمان يراسل «الأهرام» بنصوص بنت الشاطئ .. و«كاريوكا» تتعهد بالقبض عليه منفردة

يسرا الشرقاوى
موقع مقتل السفاح فى حلوان.ألف جنيه مكافأة للمرشدين عن سليمان وأوسمة لرجال الشرطةالصور - أرشيف الأهرا

شهدت بدايات سبتمبر من عام 1961، تصاعد أحداث جديد روايات الأديب الكبير نجيب محفوظ «اللص والكلاب»، التى كان قد بدأ فى نشرها متسلسلة على صفحات «عدد الجمعة» الأسبوعى من «الأهرام» بدءا من 11 أغسطس 1961. وكذلك كان تصاعد اهتمام القارئ المصرى والعربى بمتابعة فصول الرواية التى جاءت مستلهمة من فصول دراما واقعية عاشتها السلطات والرأى العام المصريان منتصف 1960.

ولم يكن الأديب الكبير محفوظ معزولا عن حالة الترقب العام التى لاحقت وقائع قضية من كان يطلق عليه: «اللص القاتل» أو «السفاح»، فى إشارة إلى محمد محمود أمين سليمان. فوفقا لما أورده الكاتب الكبير يحيى حقي، فإن محفوظ كان شديد الانشغال إلى حد الغرق فى دراما «السفاح»، وبيان جديدها فور وقوعه. وكانت القضية قد تفجرت تفجيرا بدايات 1960 وحبست أنفاس الجميع 60 يوما تقريبا قبل سقوط «اللص القاتل» بفعل «17 رصاصة» أنهت مطاردات الشرطة له فى التاسع من أبريل من العام نفسه.

 

أفردت «الأهرام» صفحاتها لرصد تطورات جرائم سليمان، التى شكلت إحدى أهم قضايا الرأى العام وقتها، مع تقديم خدمة إضافية بتحليل واف لشخصية «اللص القاتل» والشخوص الرئيسية فى الدراما الخاصة به، تتقدمهم الزوجة نوال عبد الرءوف. ولم تغفل « الأهرام» دورها الناقد لأداء المجتمع وحتى أجهزة الشرطة فى معالجة قضية محمود سليمان.

محمود سليمان ..القصة كاملة

وثقت «الأهرام» التحول فى مسار محمود سليمان من لص واسع الحيلة يستهدف منازل أعلام المجتمع، إلى أحد أشهر سفاحى الإسكندرية الذى تنقل بينها والعاصمة ليطارد برصاصاته زوجته ومن يحسبه عشيقها. فبتاريخ الثالث من مارس 1960، ورد بالصفحة الأولى للأهرام العنوان التالي: «سارق فيلا أمير الشعراء يهرب من السجن ويطلق الرصاص على 4 / سافر إلى الإسكندرية ليقتل محاميا فلم يجده وأطلق الرصاص على مهندس/ تنكر فى زى ضابط ليطارد المحامى فى القاهرة فقتل بواب المنزل وحاول قتل سائق وطباخ».

وأوضحت تغطية موسعة فى الصفحة السابعة من العدد نفسه، كيف أن أحداث مارس كانت بمنزلة نقطة تحول فى دراما محمود سليمان، الذى أضاف بعدها لقبى «السفاح» و«القاتل» إلى مسماه الأصلى «اللص»، فتذكر: «المتهم .. اسمه محمود أمين.. منذ بضعة أشهر قبض عليه واعترف بارتكاب 58 حادث سرقة من بينها فيلا أمير الشعراء، وفيلا أم كلثوم.. ودخل السجن تمهيدا لمحاكمته.. وتمكن المتهم منذ بضعة أيام من الهرب».. وتكمل التغطية : «وسافر إلى الإسكندرية وحاول أن يتعقب الأستاذ بدر الدين أيوب المحامي، ولكنه استطاع الإفلات منه، فذهب إلى منزل صديق له هو المهندس المقاول محمد محمود أمين وسأله عنه فلما أخبره بأنه لا يعرف مكانه أطلق عليه الرصاص من مسدسه فأصابه فى فخذه ثم أسرع بالفرار...»

ويتضح من التغطيات المتوالية أن الدافع الأساسى وراء تهور «اللص القاتل» ولجوئه إلى العنف القاتل، هو تفاقم أزمته مع الشك المرضى الذى أوهمه بوجود علاقة آثمة بين قرينته، نوال عبد الرءوف، والمحامى بدر الدين، وحتى المهندس الصديق الذى تلقى رصاصات أمين.

ووفقا «للأهرام» فى عدد الثالث من مارس أيضا، فإن محمود أمين: « معروف بارتكاب الجرائم الشاذة، وسبق له أن ارتكب عدة سرقات مسلحة من بعض منازل الأسر الكبيرة فى الإسكندرية من عائلة سباهي، ومنزل السيد جمال قطبى أحد مديرى شركات الملاحة. وقد اتخذت تدابير مشددة لضبطه فى الإسكندرية. ومما يذكر أن المتهم كان قد حكم عليه بالسجن 4 سنوات فى لبنان لارتكابه جريمة قتل هناك وبعد أن أمضى فترة العقوبة، طردته السلطات».

وبعدها بيوم واحد، فى الرابع من مارس 1960، أوردت «الأهرام» رواية قرينة «اللص القاتل» عن محاولاته استهدافها بست رصاصات. فبين الصفحة الأولى وتغطية مصحوبة بصور فى الصفحات الداخلية، ورد ما يلي: «الإسكندرية - مكتب الأهرام: كشفت نوال عبد الرؤوف زوجة اللص القاتل.. أن زوجها على جانب كبير من الخطورة . ولقد كان يساوره الشك فى سلوكها وكان يتهمها بالخيانة مع كل شخص تقابله، ومنذ بضعة أشهر أطلق عليها 6 رصاصات.. وقد روت لمندوب الأهرام أنه تقدم للزواج منها زاعما أنه صاحب دار للطباعة والنشر.. وقالت إن زوجها كان لا يثق فيها .. بل كان لا يثق فى أحد على الإطلاق. وذات يوم اتهمها بأنها بالاشتراك مع صاحب المنزل الذى كانا يقيمان فيه بالإسكندرية أرشدت الشرطة عنه للقبض عليه، وعبثا حاولت اقناعه بأن هذا لم يحدث، فأطلق عليها وعلى صاحب المنزل 6 رصاصات، فنجت هى بأعجوبة وأصيب صاحب البيت..».

أما عن رواية المحامى بدر الدين، فوردت على لسانه فى عدد «الأهرام» الصادر بتاريخ 8 مارس 1960، وجاءت لتدين فى جانب منها الزوجة نوال. فقال المحامى المطارد: « إنه تعرف باللص القاتل فى سبتمبر عام 1958 عندما وكله فى أحد القضايا عن زوجته، ومنذ ذلك الوقت توطدت الصلة بينهما، وكان اللص يثق فيه ثقة كاملة ويأتمنه على كل أسراره، وقد أفضى إليه فى إحدى الأيام برغبته فى عرض نفسه على طبيب نفسانى ليعالجه من عقدة نفسية تسلطت عليه وسيطرت على أوهامه وهى أنه يشك فى كل أنثى مع كل شاب. وقد جعلته هذه العقدة يشك فى زوجته وأقرب الناس إليه.. وإن نوال زوجة المتهم استغلت فيه نقطة الضعف هذه، فبدأت تثير فيه الغيرة العمياء، فكانت تتدلل عليه وتشككه فى سلوك أصدقائه معها، حتى قلبت حياته جحيما من الشك القاتل ودفعته إلى سلوك الإجرام». وأشارت تغطية «الأهرام» لاحقا إلى لعب نوال دورا فى تهريب اللص القاتل من محبسه، وتحديدا بعد نقله للعلاج تحت الحراسة المشددة فى المستشفى.

اللص القاتل .. لعنة الذكاء المضطرب

الإثارة لا تتوقف هنا، فتكشف «الأهرام» فى صباح السابع من مارس، المزيد عن سمات شخصية «السفاح»، فتخرج بالعناوين التالية: «3 جرائم ارتكبها اللص القاتل فى الإسكندرية / يدخل السينما ويركب تاكسى ويعرف سائقه بنفسه ويسلمه رسالة للبوليس» تكشف هذه التغطية تحديدا عن استمتاعه بلعبة التحدى مع الشرطة ، وعن تباهيه بذاته.

فتشير «الأهرام» : «على الرغم من جهود رجال الشرطة للقبض على اللص، غير أنه عاد إلى الظهور مرة أخرى فى مدينة الإسكندرية... دخل إحدى دور السينما ثم ظهر فى الساعة الواحدة صباحا فى شارع السلطان حسين.. واستقل سيارة أجرة أخرى إلى شارع بولينو فى قلب حى محرم بك. فى أثناء الطريق عرض على سائق السيارة إحدى الصحف الصادرة أمس الأول المنشورة فيها صورته وسأله: تعرف صورة مين دي؟ وقبل أن يجيب السائق استطرد اللص قائلا.. دى صورتى أنا».

ويكمل تقرير «الأهرام»: « وارتبك السائق، وكاد يغمى عليه، ولكن اللص هدأ من روعه، وأخرج خطابا من جيبه، سلمه له وكلفه بتوصيله إلى العقيد محمد البشبيشى مفتش المباحث الجنائية، ثم غادر التاكسى دون أن يدفع أجرا. وأفاق السائق من ذهوله، ليسرع إلى قسم البوليس .. وقدم الخطاب الذى سلمه إليه اللص. كان الخطاب مكتوبا بالقلم الرصاص وفيه يعتب اللص على رجال الشرطة لأنهم يتولون حماية زوجته نوال والمحامى بدر الدين والمهندس المصاب محمود محمد أمين. قال إن الآخرين خاناه مع زوجته. ومن أجل هذا فإنه مصر على قتلهم هم الثلاثة مهما يكلفه الأمر».

مختال وواثق من نفسه، هكذا يبدو محمود سليمان، ويتأكد ذلك بمطالعة ما ورد بـ «الأهرام» فى عدد الثامن من مارس: «أن اللص، كما وضح من التحقيق، يتمتع بشخصية غريبة غاية فى الشذوذ. وفى الوقت نفسه يتمتع بكثير من الذكاء والدهاء.. فقد كان يرتكب سرقاته ويتظاهر بالثراء، ظهر أحيانا بمظهر الثرى اللبنانى وكان يتكلم باللهجة اللبنانية، اشتغل بالتجارة، وكانت له ورشة موبيليا ثم باعها. وآخر مشروع له كان محل بقالة بشارع جامع جركس وقد باعه قبل القبض عليه بأربعة أيام. إنه يجيد أيضا وسائل الهرب.. قبض عليه ودخل السجن، وهرب من حراسه أكثر من 5 مرات»..

ومن التفاصيل التى أثارت مزيد الاهتمام بقصة «السفاح»، ما نشرته «الأهرام» بتاريخ 12 مارس 1960، من اعترافات والد اللص القاتل،السيد أمين سليمان، الذى قال «ياريت يمسكوه ولا يسلم نفسه.. جاب لنا الدوشة ووقف حالنا».

ويحكى الوالد عن مغامرة نجله فى فلسطين عام 1948، وكان وقتها يبلغ من العمر 18 عاما، حيث بادر بتحرير زوجة خاله، وهى يهودية وقعت بين أيدى العصابات اليهودية فى حيفا، ونقلها إلى طرابلس. وقد أدت هذه المغامرة، وفقا إلى رواية الأب، إلى اختيار فوزى القاونجي، قائد الجيش اللبنانى له ليتم تدريبه على السلاح مع فرق الجيش. وذلك قبل تورطه فى قضية سرقة بيت القائد جميل الخطيب فى بيروت.

وفى إطار اهتمام « اللص القاتل» ربط اسمه بأعلام المجتمع، كان ورود بلاغ إلى الشرطةمن الفنانة تحية كاريوكا: « فقد اتصلت ببوليس قصر النيل وقالت إن اللص القاتل اتصل بها تليفونيا فى الساعة الثالثة صباحا، وهددها بالقتل إن لم تضع 200 جنيه فى مظروف تتركه أمام شقتها.. واهتم البوليس بهذا البلاغ، ولكن اللص لم يحضر لتسلم المبلغ، وقد قالت تحية كاريوكا للبوليس .. أنا على استعداد للقبض على هذا القاتل .. اذا كان اللص شجاعا أو بطلا كما يزعم فليحضر إلى منزلى وسيرى كيف سأقبض عليه بنفسى».

بين «الأهرام» والسفاح .. انتقادات ورسائل

قدمت «الأهرام» معلومات وافية حول القضية لقراءها، ولكنها أيضا كانت ناقدة لأسلوب تعامل الإعلام والشرطة وأفراد المجتمع مع القضية. ففى صفحة الرأى بتاريخ 14 مارس 1960، جاء عنوان «ماذا كان يريد مجرم الإسكندرية غير هذا؟/ البطولة قدمناها له فى طبق من الفضة؟ » ورد فى زاوية الرأى غير الموقعة وصف السفاح بأنه « إنسان مريض العقل، مريض النفس، لا يهدف إلى أكثر من ان يحيط نفسه بجو من البطولة.. ولقد تحقق للسفاح حتى الآن هذا الهدف .. وشكرا لكل الذين ساعدوه على تحقيق هدفه وإرضاء نفسه .. منذ أول وهلة وصفات البطولة تنهال على السفاح». وتعيب «الأهرام» زيادة التركيز على كل بلاغ يرد حول «السفاح» دون التأكد من صحته أولا وترى أن جهود أجهزة الشرطة «أقل كفاية مما ينبغى».

وقد وقعت النهاية المحتومة بمقتل السفاح بدايات أبريل 1960 إثر مواجهة مع الشرطة بإحدى مغارات حلوان، تاركا وراءه رسالة إلى «الأهرام»، كتبها قبل مصرعه بيومين.

فبتاريخ 12 أبريل، ذكرت «الأهرام» أنه كتب الرسالة فى كراسة مدرسية فيما كان آمامه صورة نوال وأطفاله منها. وقد تركها فى حجرة نومه فى شقة استأجرها بشارع محمد علي.، بعد أن اختار لها عنوان : «محمود أمين يتكلم بعد صمت طويل ويخص الأهرام بهذه الرسالة»، وطلب نشر رسالته الموجهة إلى رئيس تحرير الصحيفة حينذاك محمد حسنين هيكل، مسلسلة يوم الثلاثاء من كل أسبوع.

وحكى فيها قصته من وجهة نظره، ولكن «الأهرام» اكتشفت بعد نشر رسائل اللص القاتل مجمعة، أن جانبا منها عبارة عن نص مسروق من كتاب «أم النبى» للأديبة والمفكرة الدكتور عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، وتحديدا فيما يتعلق باقتباسه فقرات فى وصف قرينته نوال، فعلقت «الأهرام «لص حتى فى الكتابة»، متعجبة من «أن ينقل الحديث من جوه الدينى الوقور، إلى جو الجريمة».


«السفاح».. ملهم محفوظ بشخصية سعيد مهران


أولى حلقات «اللص والكلاب» كما نشرتها «الأهرام»

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق