رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نجيب محفوظ .. الأستاذ المعلم

عندما يذكر اسم الاستاذ نجيب محفوظ، تتداعى إلى الذاكرة عديد القيم المحفزة على تطلع مصر إلى التقدم وفق هذا المفهوم الذى ساد الدراسات الاجتماعية، والخطابات الإصلاحية لمفكرى النهضة المصرية منذ نهايات القرن التاسع عشر، وحتى ستينيات القرن الماضى، كجزء من مفاهيم التنمية المستقلة. الأستاذ المعلم نجيب محفوظ ابن هذا التاريخ القومى وقيمه وتراكماته، وطموحات أمة حديثة تشكلت فى إطار محاولات التحرر من الأغلال البريطانية، والتخلف معا من خلال الانخراط فى الحركة القومية، وحزبها الأساس الوفد، الذى انصهرت داخله حتى نهايات الأربعينيات، كل مكونات الأمة بلا تمييز، تحت لواء ميراث الانتفاضة الجماهيرية العظمى عام 1919، ومبدأ أن الدين لله والوطن للجميع. نشأ الأستاذ فى إطار تعليمى جامعى اتسم بالجدية والطموح للمعرفة وبناء الوعى النقدى الخلاق، ومجتمع شبه مفتوح، وروح كوزموبوليتانية، وحرية الرأى والتعبير، والسعى إلى معرفة جذور الفلسفة الغربية وتطوراتها الكبرى، والسعى إلى الترجمة ونقل المؤلفات المهمة إلى العربية، وبروز النزاعات التوفيقية بين المنظورات والرؤى الفلسفية والنظرية والفكرية والواقع الوطنى، ومحاولة تأصيل بعض الفنون فى إطار النظرات القومية، وبين الوافد الحداثى والموروث، وبين القانون الحديث ومبادئ التراث الشريعي فى عمومه. دخلت مصر عالم السينما وإنتاجه، وسعت إلى تمصير الفن المسرحى، والقصة القصيرة، والرواية، وإضفاء النزعة القومية على التصوير التشكيلى والنحت. فى إطار هذه الأجواء تشكل وعى ومعرفة وإدراك نجيب محفوظ، ومن خلال تكوينه الفلسفى وشغفه بالآداب، استوعب تجارب طه حسين فى توظيف المنهج الديكارتي، ومقاربة التاريخ التكوينى للإسلام، والأهم دوره البارز فى تحرير النسق اللغوى والبيانى والسردى للغة العربية فى كتاباته، وخطابه الشفاهى. استوعب تجربة الأستاذ توفيق الحكيم، فى الكتابة المسرحية، وتمصيرها وتأصيلها إبداعيًا، على نحو يمكن القول إن دوره البارز تمثل فى غرس المسرح فى قلب الآداب العربية، بحيث أصبح جزءًا أصيلا من تكوينها على نحو فريد. من هنا كان دوره الكبير والبارز فى بناء الرواية العربية، فى مراحلها المختلفة، حيث استطاع فى دأب واجتهاد، أن ينتقل بالرواية من محضُ تمرينات سردية لدى من سبقوه، تفتقر إلى الأحكام البنائية، والخيال السردى، والسلاسة والرشاقة اللغوية، إلى بناء سردى متميز وتمصير للعوالم والشخوص الروائية، فى لغة حديثة وبلاغة مقتصدة، ورسم جيد للشخوص، ناتج عن متابعة تطور الفن الروائى الغربى، ونظرة فاحصة على واقع مصرى موضوعى استوعب تفاصيله وجوهره الإنسانى، من المرحلة التاريخية التمهيدية إلى ما بعدها، فى انتظام وإخلاص شديدين. من هنا كانت أنسجته السردية تتطور على نحو خلاق، ومعها نظامه اللغوى. استطاع الأستاذ المعلم، طيلة مساره الأدبى، أن يضفى الشرعية على هذا الجنس الأدبى فى الأدب العربى، وهو عمل تأسيسى خلاق. استطاع من خلال عوالمه القاهرية، وحكاياتها وشخوصها وقضاياها، وشجونها، وآلامها، وطموحاتها، حاملة للإنسانى فى عمقه البعيد. من هنا كان استحقاقه لجائزة نوبل. قيم الحرية والعدالة والمساواة، والمناورة مع السلطة الحاكمة وأياديها الحديدية، واستمر لقدرته على المناورة الذكية، وربما لاهتمام ناصر به، على الرغم من نقده له فيما بعد! قيم الوفاء للرواية والقصة القصيرة، وللفن دون اهتمام كبير بوسائل الإعلام، وممارسة النفاق السلطوى كما فعل آخرون من خلال المقالات، والأحاديث المرسلة العنيفة والصادمة التى رمت إلى الاستعراض، وبعضهم اقتصر على قراءة الصحف والمجلات والثقافة السماعية، لم يجر وراء هذه الغواية كما ذهب إليها بعض الكبار، وإنما ركز الأستاذ على دوره كشاهد بصير لما يحدث، ويتابع فى تأن ما الذى يجرى حوله، وفى عالمه. ركز اهتماماته على تطوير عمله السردى ومشروعه الروائى. من هنا كانت قيمة الإخلاص للرواية والحرية مدخله للعالمية. هل يعنى ذلك أن الأجيال اللاحقة عليها أن تقدس عمله؟ بالطبع لا، لأن تطوير السرد الروائى يتطلب القطع معه وتجاوزه، لكن مع استيعابه ومعه تطورات السرديات الكونية. إن زائقة محفوظ اللغوية والجمالية، لابد من القطع معها، وهو أمر مطلوب لتطور فن الرواية والسرد المصرى. لكن ذلك لا يتم بخطاب الرفض والتجاوز اللفظى، وإنما من خلال الدأب والمعرفة والخبرات السردية والحداثية وما بعدها، والقدرة على الإبحار فى عالم متحول. الخلط بين الإنجاز السردى المحفوظى، وبين بعض آرائه السياسية، لا أثر له إلا فى الحديث عن خطابه السياسى المباشر، وهو أمر لايزال غير مدروس على نحو تحليلى. عندما حصل على نوبل حيث لا أحد يهتم بنا خارج مشكلاتنا وأزماتنا الحادة، ساعتها ندت عن العين الدموع وقلت لقد تذكروننا! هل لا يزالون يتذكروننا فى مجال الأدب الرواية والشعر، يا ليت أُدونيس يحصل عليها! يا ليت!.


لمزيد من مقالات نبيل عبد الفتاح

رابط دائم: