رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الخيارات الأمريكية فى الضغط على إيران

تعد قضية الملف النووى الإيرانى مثالا واضحا على فشل مجلس الأمن الدولى فى أداء دوره فى حفظ السلم والأمن الدوليين وذلك بسبب اعتبارات غلبة المصالح على اعتبارات الشرعية والقانون الدولى, ففى شهر أغسطس الفائت رفض مجلس الأمن مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران منذ عام 2003, والمفترض أن يرفع فى أكتوبر المقبل وفقا لبنود الاتفاق النووى الإيرانى الذى تم توقيعه فى عام 2015, فباستثناء جمهورية الدومينكان رفضت ثلاث عشرة دولة القرار, تحت مبررات أن هذا يقوض الاتفاق النووى, وفى ذات الشهر رفض مجلس الأمن طلبا أمريكيا بتفعيل آلية «سناب باك» الخاصة بإعادة العقوبات الدولية على إيران من جانب الدول الموقعة على الاتفاق إذا خالفت إيران بنود الاتفاق, واعتبر رئيس مجلس الأمن أنه لا يتوافر إجماع دولى حول الطلب الأمريكى.

فى كلتا الحالتين غلبت المصالح, سواء الاقتصادية أو العسكرية على مواقف الدول الفاعلة فى النظام الدولى وفى مجلس الأمن خاصة روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا, على حساب مواجهة النفوذ والسياسة الإيرانية المقوضة للأمن والاستقرار والسلم الدولى, فروسيا لديها تعامل اقتصادى وعسكرى كبير مع إيران وساهمت فى بناء المفاعلات والمنشآت النووية الإيرانية, كما أنها تسعى لتزويد إيران بصفقة أسلحة متطورة مما يسهم فى إنعاش اقتصادها, كذلك فإن الصين أيضا لديها علاقات تجارية مع إيران وتعتبر المنفذ الخلفى للتحايل على العقوبات الأمريكية, إضافة إلى إبرامها صفقة أسلحة وتعاون إستراتيجى مع إيران, كما أن روسيا والصين تسعيان لمنافسة النفوذ الأمريكى ورفض الهيمنة الأمريكية على النظام الدولى ويوظفان الملف الإيرانى, ليس دفاعا عن إيران, بقدر ما هو مسعى لتغيير النظام الدولى أحادى القطبية إلى نظام دولى متعدد الأقطاب يكون لهما دور الند فيه مع الولايات المتحدة. فى المقابل فإن الدول الأوروبية, خاصة فرنسا وألمانيا, تتخذ موقفا مؤيدا لطهران فى ظاهره الدفاع عن الاتفاق النووى والاستقرار, بينما فى باطنه المصالح الاقتصادية الضخمة فى السوق الإيرانية, كذلك محاولة التمايز عن الموقف الأمريكى وتأكيد استقلالية القرار الأوروبى. وقد ترتب على ازدواجية المواقف للدول الكبرى داخل مجلس الأمن تجاه إيران تداعيات سلبية, أولها فشل مجلس الأمن فى حفظ السلم الدولى، خاصة أننا أمام دولة تنتهك القانون الدولى وتدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية الموالية لها فى العراق وتزودها بالأسلحة المتطورة والمال لتهديد دول الإقليم ومثال ذلك تزويد إيران ميليشيا الحوثى الانقلابية فى اليمن بصواريخ باليستية استهدفت بها العمق الإستراتيجى للسعودية, كما تدخلت إيرن فى العراق وسوريا ولبنان عبر اذرعها العسكرية والتى تقوض الدولة الوطنية العربية وتؤجج الصراع الطائفى, إضافة إلى استهداف النظام الإيرانى للمنشآت النفطية فى السعودية والسفن التجارية فى الخليج العربى, كذلك انتهاك بنود الاتفاق النووى وذلك بشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم السماح لمفتشيها بدخول مواقع عسكرية سرية تحتوى على أنشطة نووية, كما ان إيرن انتهكت القرار 2231 الخاص بالاتفاق النووى عندما قامت بإنتاج وتصدير الأسلحة الباليستية طويلة المدى, وكل هذا يستدعى تمديد حظر الأسلحة وتفعيل آلية إعادة العقوبات الدولية على إيران، وإعادة النظر من جانب تلك الدول فى الاتفاق النووى. وثانيتها أن ازدواجية الموقف الدولى خاصة من جانب روسيا والصين قد أعطت رسالة سلبية وشجعت إيران على المضى قدما فى سياساتها فى تهديد الاستقرار والأمن الإقليمى وانتهاك القانون الدولى بسبب اطمئنانها لتوافر مظلة الفيتو الروسية والصينية فى مجلس الأمن, رغم ان هذه الدول ستدفع ثمن ذلك لأنها ليست بمنأى عن التدخلات والخطر الإيرانى.

الخيارات الأمريكية تجاه إيران تأتى فى سياق إستراتيجية أقصى الضغوط التى مارستها الولايات المتحدة تجاه النظام الإيرانى منذ مايو 2018 والانسحاب من الاتفاق النووى وفرض موجات عديدة من العقوبات الاقتصادية التى طالت كل قطاعات الاقتصاد الإيرانى وتعلقت بكل الأنشطة الإيرانية المتمثلة فى البرنامج النووى والبرنامج الصاروخى ودعم الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان, وقد اعترف الرئيس حسن روحانى بأن العقوبات الأمريكية كلفت الاقتصاد الإيرانى 200 مليار دولار, كما أن تلك العقوبات أثرت على دور إيران فى المنطقة وانحساره نسبيا خاصة بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليمانى وتزايد حدة الغضب الشعبى داخل العراق ولبنان واليمن ضد نفوذ إيران ونفوذ أذرعها العسكرية. ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية فإن الولايات المتحدة ستتجه إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران وإعادة العقوبات الدولية التى كانت مفروضة قبل الاتفاق النووى, ورغم رفض مجلس الأمن والدول الأخرى, إعادة العقوبات إلا أن قوة الاقتصاد الأمريكى وتشابكاته فى الاقتصاد العالمى ستشكل عاملا مهما فى الضغط على النظام الإيرانى, كما ان الرهان الإيرانى على روسيا والصين والاتحاد الأوروبى للتحايل على العقوبات الأمريكية لن يجدى, إضافة إلى أن الدول الأوروبية لن تضحى بمصالحها الضخمة مع الولايات المتحدة مقابل الحفاظ على مصالحها مع إيران, فى ظل تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الدول التى ستتعامل مع إيران وتنتهك العقوبات الأمريكية.


لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد سيد أحمد

رابط دائم: