رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حبال القبائل

كان، يا ماكان، فى هذا الزمان، وطنٌ من أغنى وأجمل الأوطان.
كانت تقطن هذا الوطن عدة قبائل، وكان لكلِّ قبيلة، شيخٌ، أحاط نفسه بأعوان يقدح من عيونهم الشرر، وترتفع قبضاتهم وتهوى كلما ارتفعت رأس أو تمتم لسان أو اتسعت عين.
كان معظم أبناء كلِّ قبيلة يفتدون شيخهم بالأرواح، ويقيمون الدنيا، ولا يقعدونها، عندما ينطق أحدٌ بانتقاد له، ويتجرأ على القول: ان شمسه الساطعة لا تدفئ الدنيا ومن فيها.  
كانت دوائر هذا الوطن، موزَّعة على شيوخ القبائل، كأنها مزارعهم. وكان لكلٍّ منهم مزرعته. وكان شيخ كل قبيلة يعيِّن «قَبَضاته» فى مزرعته، وهذه «القَبَضات» كانت ذات أيدٍ خبيرة ورشيقة، وجيوبها لا تمتلئ.
وكان مجلس المشايخ يختار أحد أعضائه ناطوراً ــ حارس بناية ــ  يدير المزارع ويحرسها. كانت «القَبضات» تنشط، بأيديها الخبيرة الرشيقة، فى الغَرْف من خزائن الوطن، وفى إفراغها. وسرعان ما فرغت الخزائن، وصارت البلاد «خاويةً على عروشها»، ونبت السؤال: فيم تنشط «القَبَضات»، وهى لم تتعوَّد البطالة فى أيِّ يوم، وقيل: حرام أن يخسر الوطن ثمرات نشاط هذه الخُبُرات ؟!
وكانت الاستدانة الجواب. كبُر الدين، وللدائنين شروطهم، وللناس حاجاتهم.
ثار شباب وشابات، وطالبوا بتعيين ناطور من خارج مجلس شيوخ القبائل.
بعد مماطلة من هذا المجلس، تمّ ذلك. لكن كلَّ شيخ من الشيوخ، ربط الناطور الجديد بحبلٍ مفتول متين، وأمسك بطرفه هو و«قَبَضاته».
كانت الحبال قصيرة تحدِّد مساحة لحركة الناطور، تكبر وتصغر حسب مصلحة ماسك الحبل، وكثيراً ما كانت حبال القبائل تتشابك، فتتشكُّل العقد، وهات من يفكُّها. لم تهدأ الحبال عن الشدِّ، وعن تضييق المساحة المسموح بها لـ« النَّوطرة« الجديدة.
تعب الناطور الجديد، وشعر بأنه مقيَّد، ولا يقدر على فعل أيِّ شيء، فطالب باختيار مجلس قبائل جديد، فالتفَّت الحبال عليه، وشُدَّ بها الى المحاسبة، فتخلَّى عن النَّوطرة. وفيما هو يقلِّب كفَّيه، ويسأل: لم صار ما صار؟ جاءته أصوات عالية تقول: لماذا لم تقطع حبال القبائل، منذ أوَّل يوم لك فى النَّوطرة؟! فأجاب: من القادر على ذلك؟
ومازال هذا السؤال يحوِّم، فى سماء ذلك الوطن الجميل، »الخاوى على عروشه»، ينتظر من يجيب عنه.

 

> د . عبد المجيد زراقط
أستاذ النقد الأدبى بالجامعة اللبنانية

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق