رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الزمن الترامبى ... البدايات والنتائج

فى سبتمبر من عام 1987، نشرت إحدى الجهات التجارية صفحة إعلانية لتأييد ترشح ترامب لمقعد الرئاسة الأمريكية التى كانت انتخاباتها سوف تجرى فى العام التالي. ولم تمر أيام قليلة إلا وتم نقد هذا الترشح ودحض الفكرة برمتها من قبل العديد من الجهات المعنية بهكذا ترشيحات...لماذا؟ يعود سبب إجهاض رغبة ترامب المبكرة لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية ــ قبل أن تتحقق بالفعل بما يقرب من ثلاثين سنة ــ إلى أنه قد قال، من ضمن ما قال، كلاما غير مسئول فى اعتقاد الكثيرين من رجال السياسة والدولة المعتبرين. نقتطف بعضا منه كما يلي: الولايات المتحدة تستنفد نفسها لتحمى حلفاء أصبحوا أثرياء نتيجة إعفائهم أنفسهم من التوظيف فى الدفاع، ولأن واشنطن هى المغفل المخدوع فى نظام عالمى لا يفيد إلا الآخرين...الأهم أنه أعلن بوضوح خطأ استمرار الولايات المتحدة الأمريكية فى عضوية المؤسسات الدولية حيث أبدى بوضوح ضرورة مقاطعة هذه الهندسة أو هذا البناء...وهو الأمر الذى دفع الدوائر السياسية والحكومية والإعلامية إلى انتقاده انتقادا لاذعا آنذاك. ومن ثم دفع ترامب إلى إلغاء فكرة ترشحه أو بالأحرى تأجيلها. ومرت الأيام واستطاع ترامب أن يحقق ما حلم به قبل ثلاثين سنة ــ تقريبا ــ مكرسا زمنا ترامبيا كارثيا بحسب ما تؤكد ممارساته فى عديد المجالات بحسب كثير من الباحثين...كيف؟

بداية، يشير أحدهم فى معرض تقييمه للواقعة السابقة على أنها تبدو للوهلة الأولى لدى البعض تعبر عن شخص مؤمن بمبادئه مهما طال الزمن. إلا أنه فى عالم السياسة لا يستقيم لأى سياسى أن يصر على فكرته بمعزل عن السياق السياسى الدولى بتعقيداته المتشابكة...

فهل من المنطقى أن يطرح أى شخص فى ثمانينيات القرن الماضي، فكرة، ليس الانعزال بالمعنى الأمريكى الكلاسيكى التاريخى عن العالم، وإنما الانفصال فى لحظة انتصار أمريكية على القطب السوفيتى (تمثلت فيما عُرف ــ وقتئذ ــ بحرب الكواكب) أدت بالأخير إلى سقوط جدار برلين وتفكيك الاتحاد السوفيتي. وهل من الطبيعى أن يظل الرجل على قناعته بالانسحاب الكلى من المؤسسات الدولية بعد أن صارت العولمة ــ خاصة فى بعدها الثقافى تعنى الأمركة.

إنها عزلة قصوى إذا جاز التعبير ــ تتناقض جذريا مع الخيار الأمريكى الجيوبوليتيكى الكلاسيكى الذى يرى العالم امتدادا أمريكيا بالمشاركة مع الاتحاد الأوروبى الموسع (الذى يضم، إضافة إلى دول أوروبا الغربية والشمالية والجنوبية، دول أوروبا المستقلة، الشرقية، حديثا بعد تفكيك الاتحاد السوفيتى ويوغوسلافيا وما يستجد من قوميات تسعى للاستقلال). ويصف أحد الباحثين هذا الخيار الترامبى الذى عبر عنه مبكرا وظل معه بأنه يعرض ليس الولايات المتحدة فقط وإنما المنظومة الأنجلو سكسونية التاريخية لأزمة تاريخية كبري...وعليه فإن عدم الحيدة عن القناعات فى عالم السياسة ليست ميزة. فإصرار المرء على تحيزاته وقناعاته بمعزل عن التاريخ ومستجدات الحاضر وما يمكن أن يطرأ فى المستقبل من متغيرات هو نوع من التوجه الغريزي، بحسب جيل باريس مراسل صحيفة «لوموند» الفرنسية فى واشنطن، الذى يعكس شخصية رجل لا يرى إلا نفسه، ومشروعه. ولا يهم أن ينادى ويجاهد ويفعل ما يعن له وفق قناعته التى قد تتناقض مع الواقع والمنطقي. كما أن كل شيء قابل لإجراء صفقات مهما يكن السياق يحول دون ذلك كليا...إنها المقاربة الصفقاتية للشئون السياسية بحسب أحد الباحثين...

وتأكيدا لما سبق، يصف صحفيان بالواشنطن بوست شخصية ترامب بأنه: يتخذ معظم قراراته بنفسه دون أن يستشير أحدا؛ وذلك نقلا عما دأب على قوله الذى يكرره كثيرا: أنا أفهم الحياة، وأفهم كيف يتم تشغيلها، فأنا المؤتمن الوحيد عليها...وبالفعل يمكن للمتابع لتويتات ترامب أن يلحظ أنه دائما يقول عن نفسه: أنا وحدى أستطيع أن أجد حلا...قبل البعض هذه المقولة المتكررة فى أثناء الحملة الانتخابية. حيث كانت، بالفعل، شعارا جاذبا للجمهور المتوسط: ثقافيا، وطبقيا.. إلا أن المراقبين والباحثين والسياسيين والأكاديميين والإعلاميين باتوا ينبهون إلى خطورة الشعار الذى صار نهجا متبعا من قبل ترامب عمليا وفعليا. ما أدى إلى ارتباك سياسى شديد فى التعاطى مع كثير من الملفات الداخلية والخارجية. فعلى المستوى الداخلى هناك ملفا الكورونا والمسألة العرقية. أما على المستوى الخارجى فنشير إلى ملف سوريا، وملف المتغيرات المناخية، والتعامل مع أوروبا، والتجارة الخارجية خاصة مع الصين... إلخ.

من أبرز ما توافق عليه الكثير من المعنيين بدراسة الشأن الرئاسى الأمريكى هو أن إدارة ترامب قد مارست نوعا من الإدارة غير المسبوقة فى التاريخ السياسى الأمريكى تجلت فى الآتي: أولا: عدم اكتراث ترامب بمعرفة الكيفية التى تتم بها إدارة دولة الولايات المتحدة الأمريكية. وما هى العلاقة الناظمة بين البيت الأبيض والحكومة الفيدرالية وبين حكومات الولايات الأمريكية المتعددة. ثانيا: عدم اكتراثه بفهم آليات العلاقة بين البيت الأبيض والمؤسسات الأمريكية المختلفة مثل: الكونجرس، والبنتاجون. ثالثا: ونتيجة لما سبق، جمح ترامب، أحيانا ليست قليلة، نحو اتخاذ قرارات وإجراءات منفردة بدت غامضة وخفية لأنها لم تتحصن بالقواعد الدستورية والقانونية والمؤسسية المتعارف عليه. رابعا: مارس ترامب الإدارة بسلوك أقرب إلى إدارة مالك لشركته من إدارة رئيس لدولة...وهناك الكثير من المواقف التى تؤكد ما سبق...إضافة إلى عدم الوفاء بالوعود الانتخابية...

الخلاصة، التوجه الغريز»، والصفقاتى، والشركاتى؛ ملامح ثلاثة حكمت الكثير من خيارات وممارسات الزمن الترامبى؛ وهى ملامح تصب كلها فى علاج ما هو آنى أى أنها تؤثر ــ بحسب أحد المراقبين ــ المدى القصير على المدى الطويل...نتابع.


لمزيد من مقالات سمير مرقص

رابط دائم: