رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نعم للسلام والواقعية.. ولكن بأى ثمن؟

ابتداء لا يمكن لمنصف أن ينكر أن الإمارات دولة قدمت لعروبتها الكثير. وطالما كانت قوة دعم مادى وسياسى ومعنوى للقضية الفلسطينية قبل أن يستفحل الشقاق الداخلى الفلسطيني. احتضنت الإمارات وما زالت عربا من كل مكان ضاقت بهم ظروف الحياة، ومنحتهم الفرصة والطمأنينة وظللتهم بدفء شعبها ورقيه وتهذيبه حتى صارت بلا مبالغة ملاذا معيشيا ونفسيا أشبه بجزر الحلم وليست مجرد دولة تقدّم الوظائف والأعمال. والانفتاح على العالم، ملمح بارز فى سياسة الإمارات جعلها مقصدا إنسانيا لكل الأعراق والألسنة والألوان والجنسيات فانصهر هذا المزيج الإنسانى وأضاف لأهل البلاد وأصحاب الديار سمةً خاصة جعلت من الإمارات ومن دبى بوجه خاص ما يمكن تسميته بمدينة العالم.

وكرجل قانون فإننى أعرف ماذا يعنى أن تكون الإمارات العربية المتحدة دولة مستقلة ذات سيادة لها حق وسلطة إبرام الاتفاقيات وإقامة التحالفات مع من تريد تحقيقا لمصالحها، وأعرف أن السلام قيمة إنسانية يحتاجها العرب والعالم كله، وأنه لا يمكن اختزال اليهود واليهودية فى سلطة الاحتلال العسكرى الإسرائيلي. لكننى وطنى مصرى أومن بالعروبة كفكرة ومشروع، وأدرك أن المشروع الإسرائيلى كمشروع توسعى بالفلسفة والهدف لن يلتقى مع المشروع العربى إلا من موقع المتبوع للتابع.

والاتفاق الوشيك إبرامه بين الإمارات وإسرائيل يثير لنا كعرب تساؤلات. تحتاج لنقاش موضوعى هادئ حول اتفاق لم يُعرف له حتى الآن اسم نهائي، وهل هو اتفاق سلام، ولم يكن بين الدولتين حدود أو حرب؟ أم هو اتفاق تعاون بين أداءات متقابلة منصفة أهمها وقف ضم مستوطنات الضفة وغور الأردن وإقامة سلام حقيقى بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وبصرف النظر عن أى تسمية للاتفاق سنعرفها على أى حال عما قريب، فهذا اتفاق يتجاوز فى دلالته أى اتفاق ثنائى آخر بقدر ما يمثل توجها سياسيا جديدا وجذريا للإمارات وتحولا استراتيجيا بكل معنى الكلمة خصوصاً أنه يؤذن باتفاقات عربية أخري.

هل اتجهت الإمارات لإسرائيل باحثة عن حليف فى مواجهة إيران التى ما زالت تحتل جزرها الثلاث أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبري؟ ثمة من يعتقد أن الخطر الإيرانى على الخليج مبالغ فيه، وهناك من يرى أن الخطر حقيقى بالفعل وأن أطماع واختراقات إيران لا تخفي. لكن ربما كان يجب مناقشة الرأيين معا على ضوء أنه من مصلحة إسرائيل وأمريكا معاً أن تبقى كل أسباب المخاوف العربية ومسببات الصراع مجتمعة ومتبادلة بين العرب والقوى الإقليمية الطامعة فيهم. بمنطق الأشياء لا مصلحة، أدنى مصلحة، لإسرائيل وأمريكا فى استتباب الأمن والاستقرار فى منطقة الخليج ولا فى كل المنطقة العربية وإلا فمن الذى سيشترى السلاح؟ كان يجب ومنذ زمن أن تكون ديار العرب للعرب وثروة العرب للعرب، لكن ها هى إيران وتركيا تتواجدان بالمقاتلين والعتاد والقواعد العسكرية فى أكثر من عاصمة عربية جهاراً نهاراً، وتواجدت إسرائيل أيضاً فى الخفاء وها هى تستعد الآن لاحتفال الوجود العلنى الكبير. هل فات الوقت على العرب لتدارك الأمور وإيقاف تدهور الأحداث ولو من باب إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ أغرب ما يصعب فهمه هو أن يرفض العرب تشكيل قوة ردع عربية مشتركة أو حتى إنشاء محكمة عدل عربية لتسوية منازعاتهم، ويلجأون مقابل ذلك للغرباء ويدفعون لهم أضعافا مضاعفة.

أن تكون الإمارات دولةً منفتحة ومتسامحة ومحبّة للسلام فتلك نزعة إنسانية حميدة، بل هذا خيار إماراتى سيادي، لكن هذا لا يمنع التساؤل حول الرابح فى صفقة الاتفاق المرتقب مع إسرائيل؟ المتداول أن الإمارات تربح بكبح جماح إيران وردعها، لكن هل ستأتى إسرائيل حقاً لتواجه إيران عسكرياً وتزيل خطرها أم ستأتى كقوة تأجيج للمخاوف والصراعات حتى يظل الخليج بحاجة دائمة إليها؟ بالطبع ستسعى إسرائيل لأن يظل الطلب عليها قائماً لأنه فى اللحظة التى يطمئن فيها الخليج فى مواجهة إيران يقل بالحتم إن لم ينعدم الطلب على إسرائيل، تماماً كما يحدث لأمريكا وروسيا وكل القوى الدولية الكبرى التى تدرك بيقين أن الطلب على دورها واستدعاء تدخلها يتقلص إن لم ينعدم بتقلص وانعدام الصراعات فى المنطقة. بوسع الإمارات كدولة ثرية طموح أن تحصل على أحدث تكنولوجيات العالم من أى مكان وهى دولة مزدهرة سياحياً وجاذبة استثمارياً بغير حاجة لإسرائيل، ويمكنها الحصول على ما تريد بشروط أفضل وتكلفة أقل وبدون مخاطر تقريباً.

بالمقابل تربح إسرائيل كثيرا. فهى لن تجنى فقط الأموال والاستثمارات والأسواق، لكنها ستشرعن وضعها وتكسب اعترافاً جديداً كدولة طبيعية صديقة للعرب وحليفة لهم ومحبة للسلام وليس كدولة اضطهاد عنصرى غاصبة للحقوق مازالت توصف كسلطة احتلال بموجب عشرات القرارات الأممية. والأهم مما سبق أنها ستكرّس نفوذها السياسى ووجودها الاستراتيجى كقوة إقليمية فى منطقة الخليج، ثم أن اتفاق الإمارات سيلحقه اتفاقيات لإسرائيل مع دول عربية أخرى فى الخليج وغير الخليج. إسرائيل بذلك تقدم نفسها كصاحبة مشروع لقيادة العالم العربى تضع قدماً فى مياه الخليج العربى منتظرةً أن تضع القدم الأخرى فى مياه النيل بعد ما أُثير بشأن تقارب ملحوظ مع السودان.

يُقال إن الاتفاق ينص على وقف مشروع الضم الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية بينما يجهر السيد نيتنياهو بأن خطة الضم مازالت مدرجة وأن الأمر لا يتجاوز التريث مؤقتاً، وبلغت صلافته حد قوله إن إسرائيل لن تعود إلى حدود 1967، ثم يطلق تصريحه الأكثر استفزازاً بأن هذه نتيجة لقوة إسرائيل التى تقدم السلام من أجل السلام. هذا هو ديدن إسرائيل، تكذب وتتنصل وتراوغ. دولة الإمارات أكبر من أن يصفها نيتنياهو بخبث واستخفاف فى مؤتمره الصحفى بأنها دولة الفنادق الفخمة. الإمارات دولة حديثة ومتقدمة بلغ حجم ناتجها الإجمالى المحلى 414 مليار دولار مقابل ناتج إجمالى محلى إسرائيلى يبلغ 369 مليار دولار. والإمارات صاحبة إحدى أنجح وأبرز التجارب العالمية فى إنشاء وإدارة الموانئ البحرية حتى كادت تصل بخبرتها وسابق نجاحها فى هذا المجال إلى عقر دار الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

يجب المقارنة بحذر مع تجربة مصر فى عقد اتفاق سلام مع إسرائيل، فمصر دولة حدودية حاربت إسرائيل أربع مرات ودفعت الثمن الأكبر والأغلى فى الدفاع عن القضية الفلسطينية منذ عام 1948، وما زالت رغم كونها فى حالة سلام مع إسرائيل تعض على نواجذها القومية وتتمسك بالثوابت الفلسطينية والعربية لحل الصراع. وما زال الشعب المصرى يمثل نموذجا فريدا لشعب محب للسلام .


لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم

رابط دائم: