رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ريم بسيونى صاحبة «ثلاثية المماليك»: بحثى عن ذاتى قادنى لعشق المماليك

صلاح البيلى;

  • لم أكن أتوقع النجاح لرواية تاريخية عن المماليك وفاجأنى إقبال الناس عليها وكان نشرها شجاعة من الناشر
  •  
  • تعاقدت مع شركة إنتاج على تحويل الرواية لمسلسل تاريخى ضخم  وأطمح لتسويقه عالميا

 



ريم بسيونى أستاذة اللغويات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وابنة «اكسفورد» تعليميا والإسكندرية مولدا ونشأة، فازت منذ أيام بجائزة نجيب محفوظ للرواية من المجلس الأعلى للثقافة عن روايتها الصادرة قبل عام ونصف «أولاد الناس ثلاثية المماليك» والتى كتبتها بعد انقطاع عن الكتابة دام سبع سنوات، وأنها ظلت تبحث ثلاث سنوات كاملة فى تاريخ المماليك باللغتين العربية والانجليزية حتى كتبتها، ولما طالعها والدها وهوقارؤها الأول قال لها إنها أفضل ما كتبت وسوف تفوز بجائزة، وتعترف بأن الناشر غامر بنشرها خاصة أنها رواية تاريخية عدد صفحاتها 760، ولكن المفاجأة أنها لاقت استحسان الجمهور وجعلت الجيل الجديد يهوى عصر المماليك بعد أن كان يضع عصرهم مع العثمانيين فى سلة واحدة متهما الجميع بالتخلف الحضارى، ولكن بعد القراءة أيقن عظمة المماليك بعكس الغزو العثمانى الذى سلب مصر روحها وعزها ومركزيتها وحولها لتابع وهامش!

على امتداد ساعتين، جرى الحوار مع د. ريم عن الرواية والمماليك وعن السياسة والثقافة والناس وعن رؤيتها لمستقبل الأدب، وأخبرتنا حصريا أنها تعاقدت مؤخرا مع شركة إنتاج لتحويل روايتها لمسلسل تاريخى كبير، وقالت إنها أصبحت تخاف من شهرة ونجومية المحطة التى وصلت إليها، وإنها ستظل كما كانت تعشق آثار المماليك وتنظم رحلات ميدانية مع قرائها لزيارتها ليعيشوا وسط أجواء الرواية، واعترفت بأنها أفادت من تخصصها فى اللغويات فى معرفة الأفكار والهويات لأنها مشغولة طول الوقت بالأسئلة والناس وتريد أن تفهم، والطريق إلى الفهم لا نهاية فيه.

.....................




لماذا وضعت عنوانين للرواية، أولاد الناس ثم ثلاثية المماليك، هل كان هدفك تأكيد المعنى أم زيادته وتنوعه؟

تقول د.ريم: كلامك صح، أولاد الناس اسم للحكاية الأولى، والرواية تتكون من ثلاث حكايات تشكل معا عصر المماليك، فالحكاية الأولى تتحدث عن عصر المماليك البحرية خصوصا عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون، والحكاية الثانية تتحدث عن المماليك البرجية خصوصا عصر برقوق وابنه فرج ثم المؤيد شيخ، والحكاية الثالثة تتحدث عن سقوط دولة المماليك أمام الغزو العثمانى للشام ولمصر. الحكاية الأولى عن الأمير محمد الذى تزوج زينب بنت التاجر أبى بكر أى من عامة الناس، والثانية عن قاضى قوص عمرو بن أحمد بن عبدالكريم وزوجته ضيفة، والثالثة عن سلار وهند، فالحكايات الثلاث لخصت عصر المماليك فى مصر ومن هنا جاء عنوان «ثلاثية المماليك». أما بالنسبة للعنوان الأصلى «أولاد الناس» فكان مهما عندى جدا، لأنه رمز ومعنى أكثر منه اسم، فأولاد الناس يظن المصريون أنهم المماليك، وهذا خطأ، أولاد الناس هم أبناء المماليك من أب وأم معروفين وقد ولدوا فى مصر أو الشام وصارت أوطاننا أوطانهم، وكما قرأت فى المراجع الأجنبية أنهم بعد جيل أو جيلين يطلق عليهم اسم «المصريين»، أى يظلوا باسم «أولاد الناس» لجيل أو جيلين ثم يصبحون مصريين، وهذا يمثل لى قمة الانصهار داخل الهوية المصرية، أو هوية المدينة وهى هنا القاهرة التى وصفتها فى البداية بأنها تبتلعك كالنهر، من هنا كان عنوان «أولاد الناس» مهما جدا لى، إضافة إلى أن نفس المصطلح لا زلنا نستعمله لليوم، فإذا رأينا أو قابلنا أحدا يتحلى باللياقة والذوق، وصفناه بأنه «ابن ناس»، وهناك من يظن أنهم المماليك، وهذا خطأ، فهم أولاد المماليك، وهكذا وصف لنا التاريخ حقيقتهم، وهناك من يتساءل: هل هذا التعبير يعتبر ذما أو مدحا لهم؟ والحقيقة أن أحدا من المؤرخين لم يجب عن هذا السؤال، لا المقريزى ولا ابن إياس، ولكنه وصف لهؤلاء الناس، لأولاد المماليك الذين يتميزون بأن آباءهم محاربون أشداء، وفى نفس الوقت ليسوا فى نفس درجة المماليك، أى درجة آبائهم، بل أقل درجة.

قلت فى مفتتح الرواية: «هذه المدينة غريبة تبتلعك كالنهر وتفقدك الذاكرة والهدف كلنا فيها مجاذيب» فماذا كنت تقصدين؟

هذه الجملة مأخوذة على لسان فاطمة قريبة زينب من الحكاية الأولى، وفاطمة كانت محبطة فى حياتها ولذلك رأت المدينة هكذا، أى أن ما ورد كان على لسان الشخصية، ولكننى أيضا كنت أقصد أكثر من شىء، كنت أقصد الدنيا التى نجرى جميعا فى سباق دائم فيها، وكل منا له هدفه، وبذلك فنحن بشكل ما مجذوبون أو مجاذيب نحو أهدافنا التى نبغى تحقيقها، كما قصدت أن مدينة القاهرة ومع كل الحزن والبؤس الذى ستعانيه حين تقع فى يد العثمانيين وتتعرض لتخريب فظيع تظل المدينة الصامدة والقادرة على الامتصاص، فقد امتصت فى النهاية المملوكى والعثمانى والمصرى، وحين التحموا جميعا لم نعد نرى الألوان بالتحديد، وهذه إحدى أفكار الرواية.

وهكذا جاء ختام الرواية حين قلت: «وبدت القاهرة بعيدة حزينة شامخة بمبان حجرية لم تكتمل بعد وانتصار كامن فى الأعماق لن أراه ولن أشهد عليه وامتص هواؤها اليوم كل الألوان وكل الوجوه»، وكأن الختام يغلق الدائرة التى فتحتها أولا، أليس كذلك؟

بالضبط.. هو كذلك، فهى رغم أنها فى لحظة كانت محتلة من العثمانيين إلا أنها كانت صامدة ولكنها حزينة، رغم عدم اكتمال الرؤية إلا أنها قادرة على امتصاص كل البشر بداخلها.

مشيد العمائر

هل كان اسم مشيد العمائر «محمد بن محمد بن بيلبك المحسنى» الذى بنى مسجد السلطان حسن هو أهم مفتاح قادك أو بالأحرى قاد الراوية «جوزفين» حفيدة د. صلاح السنوسى نحو عشق الجامع والبحث عن أسراره؟

بالضبط خصوصا إذا عرفنا أننا لم نعرف بالتحديد اسم هذا المهندس العبقرى إلا سنة 1944 على يد الأثرى د. حسن عبدالوهاب، كان هذا الأمر صادما لى، أن يظل اسم هذا المهندس مجهولا سبعة قرون دن أن يبحث أحد أو يفكر أو يهتم بمن بنى هذا الصرح العملاق الذى يعتبر درة العمارة الإسلامية وليست المملوكية فقط كما يعتبر هرم مصر الرابع، ونحن نقول ذلك اليوم ونحن نستطيع أن نبنى أبراجا أفخم، ولكن انظر إليه بمقاييس عصره، إنه بلا شك درة العمارة الإسلامية فى العالم، وقادنى السؤال والفضول لمعرفة من هذا الشخص وكل شىء عنه حتى اكتشفت أنه من «أولاد الناس» ومن هنا قادنى البحث لكتابة الثلاثية كلها، وللبحث فى «أولاد الناس» ولماذا قتل المماليك السلطان حسن، قتلوه لأنه كان يحب «أولاد الناس» عنهم، ورغم أنه لم يعمر فى الحكم إلا أنه بنى هذا الصرح العظيم الذى خلد اسمه ثم قتله المماليك ولم يسمحوا بدفن جثمانه فى مسجده، كان الأمر صادما وغريبا جدا لى، كما أن هذا المسجد الفريد ظل رغم كل الحروب والأوبئة والمجاعات التى مرت على مصر!

جوزفين حفيدة د. صلاح السنوسى وابنة ياسمين كما فى الرواية كم فيك منها أو كم تمثلك هى حقيقة؟

سؤال صعب، فكل الشخصيات فيها من الكاتب، ولكن الحفيدة فيها منى الولع بالتاريخ والأماكن التاريخية والحب الشيديد والرغبة فى الاكتشاف للشخصيات والأماكن.

كم استغرق منك العمل فى الرواية؟

ثلاث سنوات من البحث فى تاريخ المماليك باللغتين العربية والانجليزية فى كل المصادر قديمة وحديثة.

ولكن أليس نشر رواية ضخمة مثل ذلك تبلغ 760 صفحة مغامرة من الناشر؟

شجاعة غير طبيعية خصوصا أن الرواية تاريخية ولا أحد يدرى بالضبط هل تلقى القبول أم لا، والحقيقة أننى لم أكن أتوقع كمية النجاح لتلك الرواية، وأكثر من ذلك توقعت ألا يهتم أحد بالقراءة فى التاريخ خاصة عن تاريخ المماليك، ومندهشة أنه بعد سنة وثمانية أشهر على صدورها تظل الأكثر مبيعا بكل المكتبات، الحمد لله، لم أكن أعتقد أن القارئ سيقبل على رواية تاريخية عن عصر المماليك.

سبق لك أن أصدرت روايات اجتماعية مثل «بائع الفستق» و«دكتورة هناء» و«أشياء رائعة» ولكن هذه الرواية هى عملك التاريخى الأول، أليس كذلك؟

نعم أصدرت ست روايات سابقة كما أصدرت كتبا فى علم اللغة الاجتماعى باللغة الانجليزية، وسبق أن أصدرت رواية «الحب على الطريقة العربية» عن حرب لبنان سنة 2006 وهى بشكل ما تاريخية ولكنها قريبة منا.

مفارقة أن يبدأ نجيب محفوظ بالروايات التاريخية الفرعونية مثل «عبث الأقدار ورادوبيس» وأنت فى منتصف الرحلة تكتبين عملا تاريخيا عن العصور الوسطى، ورغم أنه ولد وعاش فى حى الجمالية وبجوار سيدنا الحسين وكل الآثار المملوكية فإنه لم ير منها ما رأته عينك، فما قولك؟

نجيب محفوظ فى «الحرافيش» التفت لفكرة الوباء الذى يهاجم المدينة والحارة جزء منها، كما التفت للبعد الصوفى فى شخصيات المجاذيب والدراويش، ولكنه كصدق إنسانى وقدرة على التعبير عن النفس البشرية لا يماثله أحد.

ألا تعتبر روايتك «رواية أجيال» مثل «ملحمة الحرافيش» وثلاثية محفوظ؟

أتمنى طبعا وهذه شهادة منك.

إنها ثلاث روايات فى رواية أليس كذلك؟

نعم.

قلت: «فى بلوغ المراد مرارة الوصول» فكيف يكون للوصول مرارة وليس سعادة وبهجة، أم كنت تقولين إن الطريق لا وصول فيه ولا نهاية؟

النهايات دائما محزنة، أليس الموت نهاية ووصول ولكنه نهاية حزينة، فكل وصول يتبعه حزن، وعن نفسى حين انتهيت من كتابة الرواية شعرت بفراغ نفسى شديد جدا وهو نفس شعور «شائد العمائر محمد بن بيلبك المحسنى» حين فرغ من بناء جامع السلطان حسن، لقد عاشت معى كل الشخصيات أكثر من ثلاث سنوات وشعرت بالمرارة والحزن حين فارقتهم، لم أفرح بالوصول!

ولكنك على الأقل ارتحت من جبل ثقيل على أكتافك ورأيت مولودك فى كتاب؟

نعم، هذا وصول ولكنه ممزوج بالحزن لفراق هذه الشخصيات التى أحببتها وعشت معها سنوات، هذا شعورى الدفين، وأعتقد أنه نفس شعور المهندس العبقرى الذى بنى جامع السلطان حسن، وتزيد المرارة كلما كان العمل فريدا ومتميزا، كيف تحافظ عليه وكيف تتفوق عليه وأسئلة أخرى كثيرة تشعرك بالمرارة.

يحمد لك أنك لم تقدمى لنا التاريخ فى قوالب جامدة بل كبشر يعيشون مثلنا، يحبون ويكرهون ويطمعون، من الأمراء والسلاطين للمشايخ والعامة، ونزلت بالتاريخ من برجه العالى ورسمت العلاقات الخاصة بين الزوجين دون فحش أو ابتذال، هل كنت قاصدة لذلك؟

نعم والحمد لله أن هذا وصل للناس.

قلت أكثر من مرة فى الرواية: «عرش مصر لا يورث، فهم المماليك ذلك، ولم يفهمه أحد قبلهم وربما لن يفهمه أحد بعدهم لذا لابد أن يمسك بزمام الأمور قائد وجندى»، هل كانت مجرد كلمات يقولها بيبرس الجاشنكير للأمير محمد أم هو إسقاط على واقعنا المعاصر وثورة 25 ينايرورفض التوريث لمبارك الابن؟

لن تصدقنى إذا قلت لك إن هذه القاعدة إحدى اكتشافاتى من البحث فى عصر المماليك، والغريب أننى قرأت ذلك فيما كتبه الرحالة الإيطاليون عن المماليك وليس ما كتبه المقريزى أو ابن إياس، فكلاهما لم يلتفت لذلك، ولكن العين الأجنبية التفتت لذلك، فالمقريزى ربما لم يؤكد ذلك باعتبار أنه مر مسلم به ويعرفه أهل الحكم، وبالفعل وجدت فى مخطوطة إيطالية لرحالة يقول إن المصريين يحكمهم المماليك المحاربون ولا يحترمون الوريث حتى ولو كان ابن القائد المحارب، وقال إن هذا الأمر لم يجده فى أى مكان آخر بالعالم، فاستوقنى ذلك بشدة وعرفت أنه كان النمط السائد عندهم، فالسلطان برقوق مؤسس المماليك البرجية سلب الحكم عنوة من حفيد قلاوون ولكن حين جاء من بعده ابنه فرج عجز عن حكم مصر وقتل سريعا ثم تبعه المؤيد شيخ المحمودى كان بالعكس سلطانا قويا بنى وعمر وبنى مسجده الضخم محل «خزانة شمائل» التى سجن فيها وكانت ملاصقة لباب زويلة، فهذا امر تكرر بكل عصور المماليك، لا يستقيم الحكم إلا لحاكم محارب قوى.

يبقى السؤال، هل فى ذلك إسقاط على واقعنا المعاصر وتظل الفرضية صحيحة لليوم ولذلك فشل سيناريو توريث مبارك الإبن؟

لو كنا قرأنا تاريخنا جيدا لكنا فهمنا ذلك، فالوريث مهما كانت قدراته ليس كالمحارب القوى الذى سجن وخاض غمار المعارك حتى وصل للقمة، لو قرأنا جيدا تاريخنا لفهمنا حضرنا، وللأسف ظلت فترة المماليك مظلومة ومعتمة فى تاريخ مصر، حيث عشنا أكثر من 300 سنة تحت قيادتهم ورغم ذلك يجمع البعض بينهم وبين العثمانيين الغزاة أو يتهمهم بالظلم!

كيف لقد كانت مصر معهم هى المركز وحاضرة الدنيا وقد بنوا وعمروا وشيدوا حضارة باقية لليوم؟

لأنك قارىء تعرف ذلك ولكن غير القراء يظنونها فترة تخلف وظلم مثل فترة الاحتلال العثمانى، لقد تركوا لنا حركة ثقافية كبيرة من شعر ونثر وطقوس حياة وأماكن مستمرة معنا لليوم مثل حى «الظاهر» نسبة للظاهر بيبرس ويتوسطه مسجده، وسيرته الشعبية، خلاصة الرأى لو كنا قرأنا تاريخنا ما فكر أحد فى توريث حكم مصر، فقد حكم بعد بيبرس أولاده حتى جاء قلاوون فقضى عليهم كمحارب ثم سلب برقوق الحكم من أولاده ثم المؤيد شيخ القوى المحارب، ولنا أن نتخيل كيف بقى «البيمارستان» الذى أسسه قلاوون كمستشفى لليوم بعد سبعة قرون وكيف أسس هذا المملوكى مستشفى للعيون!

هل نصنف عملك كرواية سياسية؟

لا بل تاريخية إنسانية.

هل هى رواية أفكار؟

ممكن، نعم.

شعرت أن الأسئلة عندك هى الدافع للكتابة والفهم أليس كذلك؟

بالضبط.

رسمك للشخصيات والحوارت يكاد يجعلها مرسومة أمامنا على الشاشة فهل ستحول لعمل درامى تاريخى يرمز لفترة مهمة من تاريخنا ونسوقها كما يفعل الأتراك؟

بالفعل ستحول لمسلسل وقد وقعت العقد مع أحد المنتجين واسمه «ممدوح السبع» وسوف نظل فترة عامين على الأقل فى التحضير واختيار الملابس والفنانين وأتمنى أن نصدره كمسلسل للعالم كله كما يفعل الأتراك ويترجمون أعمالهم لكل اللغات.

قلت على لسان الأمير محمد حين طالبه الناصر محمد بن قلاوون بنيابة مصر: «قبل ذلك اعف عن المساجين واعف عن العلماء فبقاؤهم فى السجن يهدم كل الدول» هل حدث ذلك تاريخيا أم هى رسالة للحاضر والمستقبل؟

لقد حدث ذلك تاريخيا ولكن الغريب أن كثيرا مما حدث يسقطه القراء على الواقع وبالفعل أفرج عن المشايخ والعلماء وأكرر لو قرأنا تاريخنا لأغنانا عن كثير من المزالق.

هل الأمير محمد حقيقة؟

نعم ولكننا لا نعرف اسمه الحقيقى لأن كل المماليك جاؤنا بالشراء والبيع من بلاد الشمال البعيدة ولا نعرف أسماءهم الحقيقية ثم أسماهم من اشتراهم ونسبهم إليه مثل «محمد وعبدالله» أو ينسبون لأستاذهم مثل «شيخ المحمودى أو الصالحى» ثم اعتنقوا الاسلام وشبوا على الجندية وحب مصر.

هل كتبت روايتك عشقا للمماليك أم إجابة لأسئلة أرقتك؟

للسببين، وعشقا لأثارهم التى تركوها والاتصال الروحى الذى حدث بينى وبين جامع السلطان حسن، وبالأحرى بحثا عن هويتى، لقد درست بجامعة «أكسفورد» وعشقت مبانيها القديمة التى تشبه مبانى المماليك، وكنت معجبة بها فلما عرفت العمارة المملوكية أيقنت أن مبانى أكسفورد متأثرة بها وأننا نحن الأصل، فالرواية بحثى عن ذاتى وعن التاريخ الصادق وعن العلاقة بين الشرق والغرب حين أهدى الجد مشكاة من زجاج المورانو الأصلى وارد فينسيا ثم عرفت لا حقا أن الإيطاليين أخذوا صناعة هذا الزجاج عن المماليك، وهو أشهر زجاج بالعالم، ونحن لا نعرف، لقد فهمت تاريخنا حين سافرت للخارج.

تاريخيا هل تعتقدين أن المماليك ظلموا؟

جدا فى مصر، بعكس الخارج توجد أقسام كاملة لدراسة التاريخ المملوكى كما الفرعونى.

هل تتذكرين من سبقوك وكتبوا أدبا عن العصر المملوكي؟

كثير مثل: السائرون نياما والمملوك الشارد وعلى باب زويلة والزينى بركات، ولكن روايتى تنصف فترة مظلومة من عصر المماليك، وإذا وجدنا تشابها بين ما كان وعصرنا فلابد أن نفهم سر هذا التشابه، والثابت علميا أن ذكر المماليك ظل طوال حكم أسرة محمد على رهين القدح والذم لأن محمد على نفسه ذبح بقيتهم فى «مذبحة القلعة» سنة 1811 ولذلك لم يشكركاتب فى المماليك حتى سنة 1952ثم ظهرت إسقاطات سياسية وهذا حقهم ثم كان لابد أن أوضح تأثيرهم الثقافى القوى خاصة فى العمارة المملوكية، وكتاب الغيطانى «القاهرة فى ألف عام» كشف ذلك.

ألم تشكلى حاليا مجموعة من العاشقين للعمارة المملوكية؟

بالضبط وأذكر أنى قلت لأبى حين فرغت منها إنها لن تكتمل متعة قراءتها إلا بزيارة العمارة المملوكية خاصة جامع السلطان حسن، وبالفعل قمت مع قرائى بأكثر من مائة زيارة للآثار المملوكية ومناقشة الرواية فى نفس أماكن أحداثها، وهذا أحيا الاهتمام الشديد بالآثار وبدأ القاريء يكتشف معى كل الجمال الذى تركه المماليك.

فى الحكاية الثالثة ركزت على دخول ابن عثمان مصر وانكسارها وماذكره بن إياس وغيره من شهادات على فظائع الغزو، فماذا تقولين اليوم لمن يعتقدون فى الغزو العثمانى فتحا؟

العثمانيون فى بلادهم صنعوا حضارة وأعطوا لقومهم ولكنهم لم يصنعواحضارة عندنا، بل إن فكرة أخذ صنايعية مصر وكنوزها لاسطنبول فيها خير رد على السؤال وهذا ما شهد عليه ابن إياس بحزن.

ماذا بقى من المماليك غير العمارة والحجارة والقباب والمدافن والمساجد؟

الكثير من عاداتنا اليوم فى الولادة والزواج والتهانى من عصرهم، وكلمات مثل « مرضعة قلاوون « أو حى الظاهر أو الكنيسة بضم الكاف وهى الكنيسة التى تسبب بفتنة آنذاك، وكذلك من يسكنون تلك الأماكن يمتلكون ذاكرة شعبية متوارثة عنها، فسيرة الظاهر بيبرس بها حكمة فى فهم النفس البشرية.

ما الجديد لديك حاليا؟

عمل جديد تاريخى ولكنه بعيد عن عصر المماليك.

ما علاقة تخصصك فى علم اللغة بكتابة الرواية وكيف أثرا فى بعضهما؟

تخصصى علم اللغة الاجتماعى وهو عن علاقة اللغة بالمجتمع وهو نفسه ميدان فن الرواية أى تأثير اللغة على المجتمع والعكس وبكل اللغات واللهجات، ومثلا وضعت كتابا عن علم اللغة فى الوطن العربى ومن هنا تعرف لماذا يتكلم السنة العرب بكلام غير الشيعة العرب، وعندها أفدت من ذلك وكتبت روايتى «الحب على الطريقة العربية».

هل أخذت وظيفة التدريس بالجامعة من حبك للفن والتجوال بين الآثار؟

بالعكس وظيفتى كباحثة وممارستى للبحث العلمى كثيرا سهل على البحث فى عصر المماليك وكنت أعرف طريقة جمع المعلومات وأفيد منها واختصر لى الطريق وإلا كنت مكثت عشرين سنة فى الرواية.

هل تشعرين بالانفصام المنهجى أو أنك منقسمة بين الأستاذة والقاصة؟

لا خاصة أننى مبكرا حجزت بين العالمين، فالتدريس له لغته المختلفة عن فن الرواية كما أن كتبى العلمية بالإنجليزية.

هل تغير فيك شىء بعد الشهرة التى جلبتها الرواية إليك؟

المبدع ضعيف بطبعه وكلما أنجز عملا مهما زادت مخاوفه أكثر ولكن حب الناس يدعمنى ويقوينى وأتمنى أن أظل عند حسن ظن القارىء بى.

كواحدة عشت بالخارج سنوات تعرفين كيف يربح المبدع من كتبه أما نحن أمة العرب فيضطر الكاتب للإنفاق على كتبه، فما رأيك بين المشهدين؟

بالضبط وضع المبدع عندنا صعب جدا لأسباب كثيرة منها النشر ثم كيف يصل للقارىء ويحتفظ به، هذا الوصول صعب.

هل الشهرة تعنى الجودة؟

سؤال صعب، أحيانا يقول البعض إن الأكثرمبيعا ليس جيدا، ولكنه مؤكد به شيء ما، ليس لدى إجابة للآن، ولكن الاستمرارية ووجودك بعد موتك بخمسين سنة تعنى الجودة.

من تحبين من كتابنا؟

نجيب محفوظ ويحيى حقى.

ومن الكاتبات؟

سحر خليفة الفلسطينية رائعة.

هل لديك طموح فى كتابة نسوية تجعل منك زعيمة أو متمردة؟

لا، نهائى بل طموحى إنسانى، وأفرح جدا لما قاريء يقول لى إنه لم يشعرأن كاتبة الرواية امرأة.

هذه الرواية السابعة لك ولكنها مفصلية أليس كذلك؟

طبعا وشيء مخيف والاستمرار أصعب ولا أريد مرارة الوصول!

كسكندرية هل وقعت فى غرام القاهرة أم يظل الهوى بحري؟

قد لا تصدقنى إذا قلت لك إننى حاليا أحب القاهرة أكثر بسبب عشقى للعمارة المملوكية فاستحوذت على جدا.

كيف ترين حياتنا الثقافية؟

حاليا يوجد جيل جديد من القراء لم يكن موجودا من قبل، فقد بدأت الكتابة والنشر سنة 2005 ولم يكن الوضع كاليوم، حاليا فيه مجموعات للقراءة على الانترنت.

هل لك شلة ثقافية؟

لا، أنا أكتب فقط.

هل لك طقوس عند الكتابة؟

بمجرد أن تستحوذ على الفكرة أرابط لها وأدخل فيها وقد أظل أكتب باليوم كله دون انقطاع، أكتب على اللاب توب وقد أسجل ملاحظات وأفكارا على الورق، وأعود لما كتبته فأصححه كثيرا مع احتفاظى بالكتابة الأولى لأنها الأفضل.

من هو أول قاريء لك؟

كان والدى الله يرحمه وحاليا أمى ثم زوجى وهو ألمانى يتكلم العربية ودرسها. وأذكر أن والدى حين قلت له إن روايتى صعبة وخائفة من إهمالها شجعنى وقال إنها أفضل ما كتبت وتنبأ لها بجائزة، وأنا أهديها له.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق