رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. يكتبه: أحمد البرى
العش الهادئ!

يكتبه أحـمــد البــــــرى
بريد الأهرام

أكتب إليك حكايتى مع الزمن، ومشوارى مع الأعباء الجمّة التى مازالت جاثمة على صدرى، فلقد نشأت فى أسرة بسيطة لأب فلاح معروف بطيبته وحسن أخلاقه وأم متسلطة كانت دائما تثير الزوابع لأتفه الأسباب، وعندما أنهيت دراستى الجامعية بكلية الزراعة، شدتنى طالبة فى الثانوية العامة بجمالها الهادئ، وأسلوبها العذب فى الحديث، ولمست ذلك بحكم علاقتى بوالدها، إذ ربطتنى به صداقة برغم فارق السن بيننا.

ومرت سنوات وأنا على هذه الحال دون أن أفاتح والدها فى خطبتها، إذ خشيت أن يرفض وتنقطع علاقتنا، حيث إن كثيرين من المقربين إليه والذين يعرفون طباعه عن قرب أكدوا لى أنه سيرفض زواجنا، لأنه من حيث المبدأ لا يوافق على زواج ابنته ممن ربطتها به «قصة حب»، وتعجبت لهذا المنطق الغريب، ولم يكن أمامى سوى أن أواجه الأمر، وليكن ما يكون، وبالفعل تقدمت إليها عن طريق عقلاء عائلته الذين شرحوا له أننى الأفضل لها، فهو يعرفنى، ولا يحتاج إلى وقت للتعرف على طباعى، وضغطوا عليه، فوافق على قراءة الفاتحة، وبعد يومين فقط إذا بزميل له من بلدتنا كان قد طلب يدها لابنه الطبيب البيطرى، لكنها رفضت، يعايره فى الشارع بأن ابنته تحب فلانا، وأنه لا يستطيع السيطرة عليها، فأحيا لديه «العقدة القديمة» وتسبب فى فشل خطبتنا، وابتعدت عنها نهائيا وأحرقت صورها وخطاباتها، وقد فشلت ثلاث خطبات لها، ثم رزقها الله بعريس أفضل منى ماديا كما أنه يتمتع بأخلاق حسنة.

وقد سافرت إلى الخارج، وعملت بإحدى الدول الخليجية، وسرقنى العمر حتى بلغت سن الثامنة والثلاثين، وفى الإجازة الصيفية ذات عام عدت إلى مصر، وأرشدنى أحد معارفى إلى فتاة من قريتنا حاصلة على بكالوريوس تمريض من أسرة بسيطة، ففرحت وقد اندفعت إلى الزواج بها، وكنت قد تعرضت للرفض من فتيات كثيرات، وجاء ارتياحى للارتباط بها نظرا لجمالها وشخصيتها المرحة، واستمرت خطبتنا شهرا، ثم عدت إلى الدولة التى أعمل بها، وجاءتنى بفستان الفرح، وبدأنا حياتنا الزوجية، وفى اليوم الثانى لها معى، قلت لها: «لو سمحتى اعمليلى كوباية شاى»، فردت علىّ: «أنا زوجتك ولست زميلة لك» إشارة إلى أن أطلب ما أريد، فأكدت لها إن احترامنا وتقديرنا بعضنا هو الذى سيدوم.

وحرصت على إرسال مبلغ لوالدها كمساعدة كل شهر نظرا لكثرة أولاده، وقلة دخله، وشكرتنى على هذه المبادرة التى اتخذتها عن طيب خاطر، واستمررنا فى الدولة الخليجية سنتين، وكان الكفيل سيئا للغاية، لكنه تمسّك بى لأمانتى ونشاطى، وهو متزوج من سيدة سعودية وأخرى سورية، وقد نقلت زوجتى كلام إحداهما إلى الأخرى، وطلب منى الكفيل الاستمرار معه بمفردى وأن تعود زوجتى إلى مصر، فأخبرته بعدم موافقتى على طلبه، وعدنا إلى مصر، وعرفت المشكلات المستمرة طريقها إلى والدتى وزوجتى، وبالطبع تتحمل الاثنتان المسئولية، وكنت قد أنجبت ابنتى الأولى ثم الثانية، ولم يكن ممكنا أن أفكر فى الطلاق خوفا عليهما من تبعاته المعروفة مع تشرد الأبناء!.. وسافرت إلى الخارج من جديد بدونها.. وتفاقمت مشكلاتها مع أسرتى، وعدت بعد عامين وكانت وقتها فى بيت أبيها، وإذا بأهلى يرفضون عودتها إلى منزل الأسرة، وتدخلت للصلح بينهما، وصارت الأمور على ما يرام، ورزقنا الله بابنة ثالثة، وسافرنا إلى ليبيا بعد أن نجحت فى الحصول على عقد حكومى لها، وظللنا هناك ثلاث سنوات، وجاء إلى الدنيا ابننا الرابع، وهو يتمتع بصوت جميل فى تلاوة القرآن الكريم بشهادة الجميع، ثم كان الابن الخامس والأخير، ويتمتع بموهبة عالية فى كرة القدم، وهناك من يقول إنه سيكون خليفة نجم مصر الدولى محمد صلاح.. وبصراحة شديدة فإن زوجتى مسرفة جدا، وإذا اعترضت على المصاريف الباهظة التى تنفقها على شراء اللحوم والدجاج مثلا تقول لأبنائنا: «أبوكم عايز يجوعكم»!.

واشترينا قيراط أرض مبان، وأقمنا عليه بيتا جديدا، وقد ساهمت هى بنصف الثمن، وأنا بالنصف الآخر، وطلبت منى أن تسجله مناصفة بيننا لكننى رفضت، وقلت لها: اكتبيه باسمك، فليس بيننا مثل هذا «الخوف» الذى يعمل حسابه الكثيرون، والحق أنها كثيرا ما عرضت علىّ ذهبها لبيعه كلما واجهتنى ضائقة مالية، وكنت عندما يحدث «سوء تفاهم» حول أمر ما أبتعد عنها لمدة وجيزة قد تستمر ربع ساعة، ونعود إلى ما كنا عليه من الود والتعاطف والتراحم، وإذا سافرت فى مهمة عمل تتصل بى على الدوام للاطمئنان علىّ، حيث تنقلت بين العديد من الوظائف، وبحثت عن عمل يساعدنى فى مواجهة أعباء الحياة، وعملت لدى شركات إلحاق العمالة بالخارج، وكنت أتلقى عمولات بسيطة، وقد تابعت عملى الجديد ثم ساقنى حظى العاثر إلى مكتب غير مرخص، وللأسف تراكم لدى القائمين عليه مبلغ كبير، وعجزت عن رده إلى أصحابه لأن المكتب لم يوفر لهم عقود العمل بالدولة المتفق عليها.. وأحسست بالخطر يحيط بى من كل جانب.. وجمعت زوجتى أبناءنا، وعرضت عليهم الأمر فلقد أصبحوا كبارا وصاروا طلابا فى كليات مهمة، حيث أن الأولى على وشك الانتهاء من دراسة الطب، والثانية بالهندسة، والثالثة بالثانوية العامة، والرابع فى أولى ثانوى، والخامس فى السنة الثانية الإعدادية، وإلى هنا كانت الأمور عادية، ولم يحدث ما يعكر صفو حياتنا، فهى تشاركنى الأفراح والأحزان، ولم تعرف حياتنا الغدر أبدا.

وقد لاحظت قبل أن تشتد أزمتى وجود مياه باستمرار أمام منزلنا، فخطر ببالى أنها «عمل سحر» ولم أهتم لذلك إلا بعد أن تغيرت زوجتى تماما، ولم تعد الزوجة الحنون التى عرفتها على مر السنين.. إذ طلبت منى أن أترك البيت وأذهب إلى والدتى للإقامة معها حتى لا يتم القبض علىّ، أو أتعرض للأذى من أصحاب المبالغ التى أعطوها لى لكى يسافروا إلى الخارج.. ففعلت ما أشارت علىّ به، ومرت أيام وإذا بها تتهكم على كلامى وأفعالى، فطلبت منها الصبر، وذات يوم عدت إلى المنزل بعد صلاة المغرب فرفضت هى وبناتها أن يفتحوا لى الباب لولا تدخل ابنى الصغير، ورفضت أن تقدم لى الطعام، بل وانهالت سبا فىّ بألفاظ سيئة لكى أطلقها، فرفضت، ومع تفاقم الشجار بيننا طلبت الشرطة ورفعت دعوى «خلع» ضدى.

وبعد ذلك أخذت أبناءنا إلى مدينة ساحلية، وباعت البيت، وحاول المقربون منا التوسط لكى تسدد للناس ديونهم، وجرى تداول القضية فى المحكمة، وحُكِمَ علىّ بالسجن ثلاث سنوات، كما حُكِمَ على أصحاب الشركة بأحكام كثيرة.. وكلما أبدت زوجتى بعض المرونة أجد الشدة والغلظة من بناتى الثلاث.. تخيّل يا سيدى.. والله لولا أننى أعلم جيدا أخلاق زوجتى، لشككت فى نسبهن إلىّ.. أما الولدان وبرغم أنهما أصغر إخوتهم فهما السند لى.. لقد تركت لهم «كارت المعاش»، وأعيش على مساعدة أختى وزميل لى، حيث يقدمان لى ما يسد جوعى!.. إن أشد وجعى من موقف بناتى اللاتى ضحيت من أجلهن بحياتى، وكافحت لكى يصلن إلى ما هن عليه.. وأنا الآن أموت ببطء وأتحسر على حالى وما وصلت إليه، لكننى لم أرتكب جرما ولا جريرة فى حق أحد، ولا أعرف طريقا للخروج من الأزمة الطاحنة التى أمر بها وأنا أقترب من النهاية.

 

  • ولكاتب هذه الرسالة أقول:

 

من ساندت زوجها، وربطته بها علاقة طيبة على مر السنين، وقدّرت له صنيعه مع أبيها، ومساعدته له، وكانت دائما محل ثقته، لا يعقل أبدا أن تكون سببا فى النهاية الحزينة لمشوارهما معا فى الحياة، فموقف بناتكما منك، ليس صادرا منهن، وإنما اتخذنه بإيعاز من أمهن، إذ رفعت «دعوى خلع» ضدك، وباعت البيت الذى كان مأوى لكم، وانتقلت إلى شقة بمدينة أخرى، وخططت لحياة جديدة لست جزءا منها، ونسيت أو تناست أنها بعدم قدرتها على تصريف الأمور قد دفعتك إلى البحث عن مصادر دخل جديدة، فوقعت فى فخ «مكتب السفريات الوهمى».

لقد صارت زوجتك «أسيرة الهوس المادى»، فى الوقت الذى أدركت فيه أنك لم تحسب أمورك على الوجه الصحيح، واندفعت طلبا لعمولة أكبر إلى تضليل الناس، ولم تتعلم الدرس ممن سبقوك إلى هذا الطريق الذى لا مصير له سوى الندم، ولم توازن بين متطلباتك، وما هو متاح لك.. والحصيلة فى مثل هذه الأوضاع لا تكون إلا ما انتهيت إليه!

إن الحصول على المال أمر مهم وأساسى فى حياتنا، دون شك، وعندما نتحدث عنه، يجب أن ننظر إليه كوسيلة توصلنا إلى تحقيق رغباتنا السامية النبيلة ونحقق بواسطته حاجاتنا الحياتية التى لا فكاك منها، ولا ننسى أنه نعمة من الله عز وجل.

إن الشيء الذى يجب أن ننتبه له جيدا، هو ألا يتحكم المال فينا، وألا نظل نجمعه دون هدف ولا غاية، وكما قال الكاتب الفرنسى الكسندر دوما: فإن «المال خادم جيد، لكنه سيد فاسد»، فليحذر كل منا أن يكون المال هدفه الوحيد فى الحياة، ولتحقيقه يدوس على كل شيء، بل لابد أن نجعله وسيلة تساعدنا للوصول إلى أهدافنا النبيلة الإنسانية.

وإذا كان المال عصب الحياة، فإن الثروة المفاجئة للشخص تعد عاملا سلبيا، خاصة لدى من لديهم قابلية للإصابة بالاضطرابات النفسية، والمال قد يكون له جانب مظلم يؤدى إلى حدوث شرخ مفاجئ فى عملية التوازن الدماغى، ولا يستطيع المرء استيعاب الثروة، وبدلا من أن تكون نعمة، تتحول إلى نقمة وبلاء عليه، فتتغير أنماط شخصيته، ويصبح متكبرا مغرورا ينظر إلى غيره من البشر بفوقية مقيتة بغيضة، ويتعالى عليهم، وإذا كان متزوجا قد ينعكس ثراؤه على رفيقة دربه؛ فيتزوج عليها ويكسر خاطرها، لأن الثروة أعمته عن رد شىء من الجميل والعرفان لأم أبنائه، وقد يطلقها، كل ذلك بسبب سطوة المال الذى له مفعول السحر فى النفوس المريضة، وقد تصنع الزوجة الصنيع نفسه إذا كانت هى الثرية، وبحوزتها أموال وعقارات ليست فى حوزة زوجها.

أما عن السحر، فينبغى تغيير الثقافة السائدة حوله، فالوسواس يكون نتيجة لمشاعر خفية فى النفس البشرية (من الجنة)، الشىء الخفى، وليس الجن كمخلوقات حية، كما يتولد السحر نتيجة لحديث، أو تأثير نفسى من الناس، فلا تدع هذه الهواجس تسيطر عليك، ولا تتركها تتغلغل فى وجدانك، فتتمكن منك، وتخسر نفسك كما خسرت أموالك بسبب سوء تصرفك، وطمع زوجتك فى جلب المزيد من المال.

ولا شىء يعادل راحة البال، فهى الحاجة الوحيدة التى لا تشترى بالمال، إذ يمكن أن تحصل على آلاف السلع لكنك لا تستطيع أن تشعر بطعمها الحقيقى إذا كانت لديك مشكلة فى لسانك، وكم من غنيّ امتلك الملايين لكنه افتقد إلى الراحة النفسية، وظل حارسا لأمواله إلى أن رحل عن الحياة دون أن يستمتع بها.

إن شريك الحياة القاسى الغليظ يعتبر من أشد الابتلاءات فى هذه الحياة، ويقول رسول الله: «من يُحرم الرفق يُحرم الخير كله»، وهذا لا يعنى أن نيأس منه، ونغفل باقى الجوانب الحسنة فيه، إذ أن الله قسّم الأخلاق كما قسّم الأرزاق، وتغيير الطباع ليس محالا لكنه يحتاج إلى الصبر.

إن الكل يبحث عن راحة البال والتمتع بها، وهى غاية ينشدها الجميع، ونحن فى حاجة إلى فهم الذات والتصالح مع النفس والثقة بما قُدّر لنا من نعم وأشكال الرزق، وعلى كل منا ألا يتحسر على ماض فات، فإن الرضا بما حملته الأقدار ومحاولة عبور المؤلم منها إلى ما هو أرحب يساعده على الوصول إلى حالة طيبة وصحة نفسية سليمة.

وعلى المرء أن ينظر للماضى نظرة واثقة بلا ضعف ويتقبله كما هو، ولا يحاول إعادة التفكير فى الأحداث بصورة مختلفة أو إعادة تصويرها وتخيلها بشكل مغاير لما حدثت به، وأن يتذكر دائما الأوقات السعيدة، وأن يدع وميضها ليطغى على الأوقات المؤلمة، وعليه أن يحلل مشاعره، وأن يسأل نفسه ماذا يحب لكى يكون مختلفا، ولا يلوم نفسه على كل خطأ، وأن يكون عادلا مع نفسه كما هو مع الآخرين.

وأقول لكل من يعانى هذه الضائقة: كن قنوعا ولا تنظر لمن هم أعلى منك فى أمور الدنيا، وانظر لمن هم أسفل منك فى شتى النواحى، واستفد من ماضيك، وانظر للجانب المظلم لماضيك من زاوية مضيئة، وعليك الاستفادة من خبرة من لهم تجارب مماثلة لتجربتك بمحاولة الاقتراب منهم والتماس ظروفهم المشابهة لك ومحاولة الإحساس بأنك أفضل حالا من كثيرين حولك فهذا يساعدك على تقبل الأمر، والمهم أن تتذكر أن السعادة وراحة البال تأتى من داخلك.

إن الكثيرين يتعرضون لضغوط فى الحياة، وبمجرد وقوعهم فى تجربة قاسية يتنازلون عن أسلحة الأمل فورا، وهذا أمر غير مقبول، فالحياة أكثر اتساعا من التوقف عند أمر معين، ورضا الناس غاية لا تدرك، وليس باستطاعتك أن ترضى الجميع حتى أبناءك، فحاول أن تروض نفسك على معاملتهم بالحسنى، وسوف تشعر براحة عظمى وسعادة بالغة، وإننى أهيب بزوجتك وأبنائك، وخصوصا البنات بأن يعودوا إلى رشدهم، وأن ينتشلوك من محنتك، فأى أذى يصيبك سوف ينعكس عليهم، ثم هل تدرك كل بنت من بناتك أنها لن تتزوج ولن يسعى إليها فارس أحلامها إذا كان هناك ما يشينك.. إن زوجتك التى وصفتها بكل الصفات الحسنة، ولم تعب عليها سوى بعض التبذير، قادرة على إصلاح ما فسد من الأمور، وأهيب بها أن تهب لنجدتك بإعادة الأموال إلى أصحابها من ثمن البيت الذى باعته، وتسوية ديونك، وهم مطالبون بمؤازرتك أمام القضاء لإنصافك، وسوف تدور الدائرة على أصحاب الشركة الوهمية، وينال كل واحد جزاءه العادل، وبقليل من الحكمة سوف تتحسن الأمور، وتعودون جميعا إلى «العش الهادئ» والحياة المستقرة بإذن الله.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق