رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

جددت الأمل لانطلاق الدعوة
الهجرة النبوية.. أساس أمة «المواطنة»

تحقيق ــ خالد أحمد المطعنى
الهجرة النبوية

على الرغم من مرور الأيام والقرون، فإن نسائم الهجرة النبوية وعبرها، لا تزال تتجدد على الأمة الإسلامية فى كل عام، ولم يزل المؤمنون يرون أنفسهم فى هجرة لا تتوقف، لأن مشقة الحياة لا تنقضى، ولأن صراع الحق والباطل قائم وفى الهجرة من عظيم المعانى الإيمانية ما هو عدة للأجيال المتعاقبة فى نشر القيم الحميدة فى الأمة حتى تنهض برسالتها، وتعود للريادة فى كل المجالات.

علماء الدين يؤكدون أن من أهم الدروس التى أفرزتها الهجرة المباركة، تأسيس أمة «المواطنة» التى يسودها العدل والحق والمساواة، معتبرين أن «وثيقة المدينة» - التى وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعد علامة مضيئة فى تقرير حقوق الإنسان والتعايش السلمى بين جميع أفرادها وأن حماية الوطن والدفاع عنه فريضة.

يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، إن الهجرة النبوية المباركة فتحت باب الأمل وانطلاق الدعوة الإسلامية إلى العالمية، ومناسبتها تذكرنا بالمعانى السامية، ومنها معية الله تعالى لأنبيائه ورسله بالحفظ والنصر، فقد تجلت لرسوله صلى الله عليه وسلم كما فى قوله تعالى: «إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِى الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»[التوبة: 40]، وفى ذلك إشارة الى أن كل من يتجه الى طريق الله ويحمل دعوة إلى الحق، فإن عليه أن يكون موقنا أن الله ناصره وجاعله فى معيته.

تفريج الكروب

ويشير إلى أن الله تعالى، كشف بالهجرة النبوية المباركة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضى الله عنهم كروبا شديدة عبر ثلاث عشرة سنة كانت نتيجة مباشرة لممارسات قريش الوحشية بحقهم، موضحا أنه يوم فتح عظيم ونصر حقيقى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن أغلقت قريش بإحكام كل الأبواب الممكنة أمامه وأمام انتشار دعوة الإسلام عبر هذه السنين الممتدة حتى انتهت باتفاق زعمائها فى دار الندوة فى الأيام الأخيرة قبيل الهجرة على تحصيل واحد من الأفعال المذكورة فى قولِه تعالى: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ»، بل إنهم شددوا على منع النبى صلى الله عليه وسلم من الخروج بعد توافر أسباب ذلك، فأقاموا عليه من يراقبه واستقصوا الطرق المؤدية إلى يثرب من أجل رده، مع منح جوائز كبيرة لمن يظفر به، لكن حال دون وقوع شيء من ذلك نصرة الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وكمال تأييده له ولرسالته.

المؤاخاة ووثيقة المدينة

وحول تأمين الجبهة الداخلية فى المدينة المنورة ضد المخاطر، يؤكد الدكتور عبد الرحمن عباس سلمان أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بكلية أصول الدين والدعوة بأسيوط، أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل يثرب التى أصبحت بمقدمه «المدينة المنورة»، واستقبله أهلها بالترحيب مستبشرين فرحين ناثرين البهجة وألوان السرور، وفى وصف هذه المشاهد يقول أنس بن مالك رضى الله عنه: «شهدت يوم دخل النبى صلى الله عليه وسلم المدينة فلم أر يوما أحسن ولا أضوأ منه»، مشيرا الى أن هذا اليوم المبارك يمثل نقطة انطلاقة كبرى لدعوة الإسلام الخالدة لبناء لبنات هذه الأمة وإقامة أركانها وحمايتها وتكوين الشخصية القيادية الحضارية سواء فى الحرب أو فى السلم، من خلال عقد اجتماعى لم يشهد التاريخ مثله عرف بـالمؤاخاة بين المهاجرين (المنتقلين من أهل مكة) والأنصار (أهل المدينة)، مع إقبال كامل من الأنصار على الإسلام تصديقا وفهما وعلما وتطبيقا، لما أدركوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم بخيرى الدنيا والآخرة، فجعلوا حبه يعلو على حبهم لأنفسهم وأهليهم، ثم أعقب صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك مؤاخاةً أكبر، حيث عمل على جمع شعب المدينة المنورة تحت راية وطن واحد وقيادة واحدة وفق المبادئ الإنسانية وقيم المواطنة التى تَرْجَم لها فى بنود «وثيقة المدينة»، وهى بلا ريب وثيقة ذات أهمية كبرى، وعلامة مضيئة فى تاريخ الإسلام الحافل بتقرير حقوق الإنسان وواجباته ومبادئ العدل والمساواة وقيم الحرية وسمات العيش الكريم، فكانت تلك الوثيقة ترسيخا لمعنى ومبدأ المواطنة الحقيقية، والأساس فى بناء الوحدة الوطنية بمفهومها الصحيح.

مشاهد أخرى

فى سياق متصل، يؤكد الدكتور عطية مصطفى أستاذ الثقافة والدعوة الإسلامية ووكيل كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية، أنه إذا كانت الهجرة قد سعد بها المسلمون الأوائل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن المسلمين فى عصرنا الحاضر عليهم الاقتداء بأسلافهم، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، فالذى فاتته الهجرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، عليه أن يهاجر من الحقد والحسد إلى حب الخير، وان يهاجر من الذنوب والمعاصى إلى طاعة الله والعمل الصالح، ومن حب النفس إلى الإحساس بالآخرين، ومن ضيق الرزق الى سعته بالجد والاجتهاد وليس يالتواكل والشكوى، حتى يعيش الجميع فى خير وسعادة ونماء.

حب الوطن

ويشير الى أنه فى يوم الهجرة تجلت فى مواقف النبى صلى الله عليه وآله وسلم مظاهر حب الوطن مكة والإخلاص له، وذلك عندما وقف ونظر تجاه مكة وقال فى كلمات تكشف عن حبه لوطنه: «والله إنى أعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت» وفى رواية أخرى: «ما أطيبَك من بلدٍ وما أحبَّك إليَّ، ولولا أن قومى أخرجونى منك ما سكنْتُ غيرك»، وحتى بعد الاستقرار فى المدينة المنورة كان حب الوطن والانتماء والحنين إليه لا يفارق النبى صلى الله عليه وآله وسلم فكانت تمتلئ عيناه بالدموع إذا ما ذكرت مكة، فقد جاء فى حديث أصيل الغفارى أنه قدم من مكة فسألته السيدة عائشة رضى الله عنها فى حضور النبى صلى الله عليه وآله وسلم: كيف تركت مكة يا أصيل، قال: تركتها حين ابيضت أباطحها وأحجن ثمامها وأغدق إذخرها وأبشر سلمها، فاغرورقت عيناه، صلوات ربى وسلامه عليه وعلى آله، وقال: «تشوقنا يا أصيل؟»، ومن حب الأوطان كذلك أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم دعا لموطنه الجديد الذى اضطر إلى الهجرة إليه فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت مكة، أو أشد وصححها، وبارك لنا فى صاعها، ومدها، وحول حماها إلى الجحفة»، وفى هذا درس مهم، ان الانسان مهما يقابل من ألم ومشقة وتعب فى وطنه فلا يفرط فيه، ولنا فى الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة فى الانتماء الى الأوطان، مؤكدا أن حبها والدفاع عنها فريضة.

التخطيط والأخذ بالأسباب

فى سياق متصل، يؤكد الشيخ أسامة قابيل (من شباب علماء المسلمين)، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم، كان يخطط لهذه الهجرة المشرفة تخطيطا دقيقا، وضرب أروع الأمثلة فى حسن الأخذ بالأسباب، فوضع خطة متينة محكمة، كل له دوره وتخصصه، وهذا يعلمنا احترام التخصص فى واقعنا المعاصر، فعلى رضى الله عنه- نام على فراشه صلى الله عليه وسلم مغطيا رأسه، وعبد الله بن أبى بكر كان يصبح مع قريش فيسمع أخبارها ومكائدها، فإذا اختلط الظلام تسلل إلى الغار وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم الخبر، فإذا جاء وقت السحر رجع مصبحاً بمكة، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط لم يكن مسلما وقتها- وكان هاديا ماهرا بالطريق وواعده فى غار ثور بعد ثلاث ليال، فتوزيع الأدوار جاء مرتباً مخططاً منظماً وفق خطة علمية مدروسة، مؤكدا أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يعلمنا أن الأخذ بالأسباب وحده لا يكفى ليؤدى المهمة التى يسعى إليها الإنسان، وإنما يجب أن يكون مصحوبا بحسن التوكل على الله، وأن يكون الاختيار على حسب الكفاءة والأمانة وليس الولاء.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق