رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. يكتبه: أحمد البري
الضوء الهارب!

يكتبه أحـمــد البــــــرى
بريد الأهرام

لا تحتاج الزوجة إلى زوجها لإشباع رغباتها المادية فقط, بل تحتاجه بجوارها ليدعمها ويقويها ويساندها فى الأزمات، ويحتويها نفسيا وعاطفيا

قد تبدو مشكلة عادية بالنسبة للمآسى التى تتناولها فى بريدك الشهير، لكنها تمثل لى وللكثيرات من مثيلاتى معضلة كبرى تؤرق مضجعنا، ولا نجد سبيلا إلى حلها، ولذلك أكتبها إليك كما أعيشها، فأنا سيدة فى الأربعين من عمرى، متزوجة منذ ستة عشر عاما، ولدىّ بنتان فى المرحلة الإعدادية، وقد بدأت حكايتى مع زوجى قبل ارتباطى به بثلاث سنوات، حيث تعرفت عليه فى شركة كنت أعمل بها خلال الإجازة الصيفية، وأنا طالبة بالجامعة، ووجدته شابا ممتازا يتمتع بأخلاق عالية، وملتزما فى كلامه وتصرفاته، ومرت الأيام، وازداد كل منا تعلقا بالآخر حتى جاء يوم أفصح لى فيه عن رغبته فى الزواج منى، وأنه سوف ينتظرنى إلى أن أستكمل دراستى، وكنت وقتها فى إجازة صيف السنة الأولى فى كليتى، ففرحت جدا، ومهدت له الطريق مع أهلى، فتقدم لخطبتى، وسألوا عنه، وجاءت كل الردود فى مصلحته، واستمرت خطبتنا حتى أتممت دراستى، وأثث هو شقة الزوجية بمنزل والده، وقد لاحظت عليه منذ الخطبة خوفه المستمر على مشاعر أهله حتى فى الأمور العادية، ومنها أننا لم نقم حفل خطبة، ولو بسيطا لأن ابنة خالته كانت مريضة، وملازمة الفراش، وتكرر ذلك عند عقد القران لأنه لم يمر على وفاة زوج خالته سوى شهرين، ومع تكرار هذه المواقف عرفت أن السبب الحقيقى هو بخل والده، وكم ثرت عليه، وغضبت منه، ولكن حبى له جعلنى أتغاضى عن الكثير من مواقفه وأفعاله، وتزوجته فى بيت العائلة، وعشت أسود أيام حياتى فيه من والديه وإخوته وزوجة شقيقه الأكبر التى هى السبب فى الكثير من متاعبى وآلامى لما تكنه لى من كره شديد منذ فترة الخطبة، وتحمّلت قدرى واختيارى، وأنجبت ابنتى الكبرى، وترقى زوجى فى عمله وتحسنت ظروفه المادية، ولم يساعده أبوه فى الوقت الذى ميّز فيه أشقاءه، وما أعنيه هو التمييز بين زوجى وأخوته، وبين الأحفاد، فحتى الميراث قسّمه والده بشكل غير عادل، فأعطى ابنه الأكبر نصيبه ليقيم به مشروعا، وساعد الأصغر بمبلغ كبير من المال فى زواجه، واحتفظ بباقى المبلغ معه لحين وفاته، وفعل الشىء نفسه فى تقسيم البيت.

واستمرت أحوالنا على هذا المنوال تسع سنين، ثمّ سافر زوجى إلى بلد عربي، واستطعت خلال أربع سنوات من سفره أن أدّخر مبلغا، وأن أشترى شقة تمليك، وطوال فترة سفره لم أنج من حقد وغل شقيقه الأكبر، فراح يحرّض زوجى ضدى مستغلا خلافا عاديا نشب بيننا فى إحدى إجازاته، ويفتعل مواقف للحديث عن أن زوجة فلان استولت على أمواله وهو مسافر، وأن زوجة آخر عرفت رجلا فى غياب زوجها، وطلبت الطلاق للارتباط به، وما شابه ذلك من أمثلة قصد منها إيذائى نفسيا، ولفت نظر زوجى إلى أشياء هو يعلم يقينا أننى من المستحيل أن أفعلها أو حتى أفكر فيها، فلست أنا التى تغدر بمن أحبته، وارتضته شريك حياتها.. لقد سلّمت أمرى إلى خالقى، فهو المطّلع على السرائر، والقادر على كل شىء.

وبرغم تمييز والده ووالدته الواضح لإخوته وهضمهما حقوقه، فإن لهما دائما طلبات عنده، ويلبيها بلا نقاش مهما تكن درجة أهميتها أو تكلفتها، فهو سخى جدا مع أهله جميعا، وليس والده ووالدته فقط، ولكنه لا يقدر الظروف القاسية التى نحياها، فنحن نتعذب لعدم وجوده بيننا، كما أننى أخشى من تقلب الظروف والأحوال، ولابد أن نعمل حسابا للزمن، ولم أطلب غير حقوقنا، فعندما تركنا بيت العائلة، اتفقت معهم على تأجير شقتنا لكى نحصل منها على عائد يساعدنا فى تسديد أقساط الشقة والمعيشة، فإذا بهم يأخذون الإيجار ويعطونه لأبناء شقيقه الذى دخل السجن فى قضية ما برغم مصادر الدخل المتعددة لديهم، وهم يعيشون حياة أكثر رفاهة منا، وكله بسبب «سياسة التمييز» التى اتبعها حماى وحماتى ضدنا.. والله يا سيدى لا أنظر إليهم حقدا، ولكنى أريد أن أدخر مبلغا من المال، لكى يعود زوجى من السفر، ويستقر معنا أنا وبناتى، فهو مازال فى الخارج، ولا يعرف طريقا للادخار، فمنذ عدة أشهر احتاجت والدته إلى عملية جراحية بمبلغ كبير من المال، فأرسله إليها بالكامل، وقالت لى إنها سترده من مبلغ ميراث كانت تنتظره، وعندما حصلت عليه، تجاهلت الأمر، ولم تعطنا شيئا من المال، وقد احتجت إلى مبلغ مماثل لعلاجى، وخلال حديثى معها، قلت لها إننى سوف آخذه من صديقة لى، فسكتت، ولم تعرض، ولو مجرد المساعدة بجزء منه!، وعندما فاتحت زوجى فى موقفها هاجمنى، وقال لى إنه أعطى والدته مبلغا لعلاجها، وليس على سبيل «السلف»، فذكرته بما فعله والده ووالدته فى الميراث الذى لم يحصل منه على شىء، فردّ علىّ بأن الله سوف يحاسبهما على ذلك، أما هو فسوف يستمر على نهجه، ولن يحيد عنه، وعاد إلى الدولة التى يعمل بها، وليس هناك أى تغيير فى حياتنا.

إن نفسيتى تحت الصفر، وكذلك حال بناتى بسبب بعده عنا، وقد توترت علاقتى به، وأتذكر الحب الذى جمعنا، والسنين التى لم نفترق فيها، وأقارن حالى الآن بحالى التى كنت عليها، فأشعر باختناق.. وحتى عندما يأتى فى إجازة، فإن والدته تقضى معنا أكثر من نصفها، ولا تدع لى فرصة لقضاء وقت كاف معه، ولا تجد البنات وقتا للحديث معه، فهل تستقيم هذه الحياة؟!

وربما تتصور يا سيدى أننى أريد إبعاده عن أمه، لكنى والله لا أقصد ذلك، فأنا حريصة على توطيد علاقتى بها برغم كل ما تفعله ضدنا، وأعد الطعام وأذهب إليها سواء فى وجود زوجى، أو خلال سفره.

لقد تعبت من الكلام معه عن حياتنا، ففى كل مرة يقول لى: «مادام مش ناقصك حاجة متتكلميش»، ولا يفهم أنه ينقصنا وجوده معنا، وبناته فى حاجة إليه، فلقد تحمّلت مسئولية تربيتهما، ومازلت أؤدى دور الأب والأم، لكنى مللت من غيابه.. وعندما ألح عليه فى العودة نهائيا من الخارج، يقول لى: «الوضع فى البلد صعب، هاجى أعمل إيه؟»، وفى الوقت نفسه لا توجد إمكانية لأن نعيش معه هناك.. لقد فشلت فى إقناعه بأننا نواجه ظروفا صعبة، ولن نستطيع أن نتحمّل غيابه عنا أكثر من ذلك، وأعيش فى رعب خوفا من المجهول، فهل ترانى على حق؟، أم أننى وغيرى ممن يعيشن ظروفا مشابهة نعطى مشكلتنا حجما أكبر من حجمها؟، وما السبيل لكى تمر بنا سفينة الحياة بأمان؟.. فكلما ظهر ضوء فى الأفق أفاجأ بهروبه، وتظهر مشكلة جديدة لم تكن فى الحسبان حتى تعبت ومللت من الحياة.. فماذا أفعل؟

 

  • ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

 

برغم الصفات الجميلة التى يتمتع بها زوجك، فإنه يفتقد فلسفة «التوازن والمواءمة» بين مسئوليته تجاهك أنت وبناته، والدور الواجب أن يضطلع به نحو أبيه وأمه، فما أحوج كل زوجة إلى زوجها، وما أشد عناء الحياة إذا غاب عن بيته وأبنائه، وما أقسى تأثير السفر الطويل على الأسر من النواحى التربوية والنفسية والعملية.

ولو أن زوجك وضع النقاط على الحروف منذ البداية فيما يتعلق بتمييز بعض إخوته فى مسألة الميراث، وناقش أباه فى موقفه، ثم تنازل بمحض إرادته عن بعض حقوقه لإخوته الأكثر منه احتياجا لما وصلت الأمور إلى هذا الحد، فوالداه مازالا ينظران إليه على أنه قادر ماديا، وأنه بإمكانه تلبية كل ما يريدانه من متطلبات، وليس مسألة «الميراث» فقط، وهناك مواقف كثيرة يمكنه فيها لفت نظرهما إلى ذلك، ولا أؤيدك فى إثارة مسألة دفعه تكاليف عملية جراحية لأمه، فهذا أمر طبيعى، وواجب عليه مادام فى استطاعته، وأعتقد أن رد فعلك أتى بنتيجة عكسية، فقال لك «إنك لا ينقصك شىء».

وفى الوقت نفسه، فإننى أقدر خوفك من المستقبل، وضيقك لسفره الدائم، فهو يعيش فى غربة، وأنت وبناتك تقمن فى غربة تختلف قليلا عن غربته، ولكن يجمعكم الألم, والحقيقة أنه يتألم بدرجة ربما تكون فى بعض الأحيان أكبر منك, ولكنها غير محسوسة, فالرجل ـ فى الغالب ـ لا يميل إلى الشكوى، ولا يحب إظهار الضعف والألم مهما شق عليه ما هو فيه, ويحاول أن يبث الأمل ويزرع البسمة ويعيد البهجة ويحتوى نفسيات زوجته وأبنائه ليشعرهم بأنهم لم يفقدوه وأنه متواصل معهم وموجود فى حياتهم, وأن غيابه عنهم مجرد وقت طارئ فى حياتهم، لكن الغربة لها آثار سلبية على الزوجة يجب أن يعيها، فالتأثير الجسدى لابتعاده عنها لا يمكن إنكاره ولا إهماله ولا تجنب ذكره, ففيه الإحصان للزوجين معا وخاصة فى ظل عصر محموم بإثارة الغرائز والشهوات فى كل مكان وبكل وسيلة, وينتج عن غيابه من المعاناة الكثير لكليهما معا، وربما يكون أثره السلبى على الزوجة أكثر من الزوج برغم ظن الكثيرين عكس ذلك.

ولا تحتاج الزوجة إلى زوجها لإشباع رغباتها المادية فقط, بل تحتاجه بجوارها ليدعمها ويقويها ويساندها فى الأزمات، ويحتويها نفسيا وعاطفيا.. نعم تحتاج إلى جلسات مطولة معه ليستمع إليها حتى لو لم يقدم حلولا لما تشتكى منه, فيكفيها أن ينصت لكلماتها، فتفرغ طاقتها وتجدد نشاطها وتزداد قدرتها على مواجهة الصعاب، ومن المهم أن ينقل كل منهما للآخر ما يشعر به من فرح وسعادة ومشكلات أيضا, إذ من يسمعهما إن لم يستمعا لبعضهما, ومع من يتركان سرهما ويدفنان أحزانهما إذا لم يتسع صدراهما كزوجين لما يعصف بهما من أزمات؟, فلقد ذهب رسول الله مسرعا إلى أم المؤمنين خديجة يبثها شكواه فخففت همه, فقالت له من الكلمات الطيبات النافعات ما أثلج صدره، فهدأت نفسه، وارتاح باله.

ولا يتوقف تأثير الزوج على علاقته بزوجته، وإنما يمتد إلى علاقته بأبنائه، وفى ذلك يقول الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا

على ما كان عوده أبوه

فالأسرةُ تقوم على تحقيق المودة والرحمة لإقامة مجتمع متماسك؛ لقوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم: 21)، وفى الأسرة يجد الأبناء الراحة الحقيقية، ويَنعمون بالرحمة والمودة فى ظل الوالدين، مما يؤدى إلى لين جانبهم، والدعاء لهما بالرحمة؛ لإحسانهما فى تربيتهم صغارا.

ومن هذا المنطلق لابد أن يستشعر كل فرد مسئوليته نحو أسرته، ولا يقتصر دور الأب فى حياة أبنائه، على المسئولية المادية، فوجوده بينهم ركيزة مهمة من ركائز تطورهم ونموهم النفسى والاجتماعي، وقد يترك غيابه آثارا نفسية مزمنة عليهم صعبة الشفاء، بالإضافة إلى الضغوط على كاهل الزوجة التى يصبح عليها القيام بدورى الأب والأم معا، إلى جانب افتقادها الدعم والإحساس بالمشاركة، وقد تصاب بالعصبية الشديدة والتوتر والانفعال الزائد حتى لأبسط الأسباب، فتصبح عنيفة مع أبنائها.

وأرجو أن يعى زوجك كل الجوانب السلبية لبعده عنكن، فقوله لك «مادام مش ناقصك حاجة متتكلميش»، تبين أنه يحصر مسئوليته فى النواحى المادية وحدها، وهذا خطأ كبير، فكما قلت فى رسالتك إنه لم يفهم أنه ينقصك والبنات وجوده معكن، فبعض الآباء يحاولون تعويض غيابهم عن طريق إغداق الأموال على الأبناء، فيصاب بعضهم بهوس الشراء، مما يؤدى إلى حدوث خلل فى قدرتهم على إدارة مواردهم المالية فيما بعد، كما أن بعض الأمهات يفرطن فى تدليل الأبناء ظنا منهن أنهن يعوضن غياب الأب عن حياتهم، والبعض على العكس يتعاملن مع الأبناء بقسوة مفرطة لكى لا يفسدهم غياب الأب، وهذه كلها أخطاء فادحة يقع فيها الكثيرون.

إننى أهيب بزوجك أن يدرس الأمر بتأن، فالسفر مهما يطل وقته، لابد من العودة إلى الوطن، وأحسب أنه قادر على العمل فى مصر وسط أسرته، وعليه أن يعى أن المادة ليست كل شىء، وأنه سوف يخسر الكثير إذا استمر على هذه الحال، وأقول له: «كفاك غربة، فبناتك وزوجتك فى حاجة إليك».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق