رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

محطات حول إشكالية مياه النيل

تحاول إثيوبيا جاهدة إيهام المجتمع الدولي بأن مصر تستولي على مياه نهر النيل وأن إثيوبيا منبع 85% من مياه النهر لا تحصل على أي حصة منها، ثم تدعي أن مصر هي التي خصصت لنفسها الحصة التي تحصل عليها دون موافقة باقي دول النهر. والحقيقة أن مصر لم تخصص لنفسها الحصة التي تحصل عليها من مياه نهر النيل وينبغي للإثيوبيين أن يعرفوا جيدا أن مصر لم تشق النهر لكي يصل إلي أراضيها ولكن النهر هو الذي شق طريقه من إثيوبياومن منابع النيل الأبيض وحتى مصر وانتهاء بالبحر المتوسط. وعلى ذلك فإن مصر وعبر آلاف السنين وعبر التدفق الحر للأنهار الأربعة المكونة لنهر النيل وهي الأبيض (من خارج إثيوبيا) والأزرق وعطبرة والسوبات تعودت أن يصل إلي أراضيها كمتوسط عام 84 مليار م3 سنويا، تزيد 20 مليارا في أثناء سنوات الفيضان الغزير السمان وتنقص بنفس الحجم في أثناء فترات شح الفيضان في السنوات العجاف، وبين السنوات العجاف والسمان هناك سنوات المتوسط العام وهو رقم 84 مليار م3. من هذا يظهر أن مصر لم تحدد لنفسها أي حصة ولكنها كانت تتسلم عبر آلاف السنين هذه الكمية من المياه والتي ارتضت بعدالتها أن تقتسمها مع السودان جارتها الجنوبية بمرجعية وجود بدائل وفيرة للمياه في السودان وقت تبعية الجنوب السوداني لها بانهاره الكثيرة بحر الغزال وبحر الزراف وبحر العرب ونهر لولو وبحيرة نو ومستنقعات السد بمحتواها 40 مليارا من المياه العذبة بالإضافة إلي الأمطار والفيضان في ولايات الشرق السوداني في ولايتي النيل الأزرق وكسلا ومعها روافد عطبرة ومستنقعات السوبات جنوبا وشمالا فكانت القسمة بالثلثين لمصر الجافة الصحراوية والثلث للسودان وفير الأنهار والأمطار. وفي خمسينيات القرن الماضي وجدت مصر أن ورود أغلب مياه النيل يحدث في أثناء موسم الفيضان سواء كان وفيرا أو شحيحا تأتي إلي مصر خلال اربعة أشهر فقط من يوليو وحتى أكتوبر وتتدفق بسرعة كبيرة نحو البحر المتوسط ليصب فيه نحو 22 مليار م3 سنويا من هذه المياه الثمينة التي ينبغي أن ينتفع بها الإنسان وليس البحر.

من هنا كانت فكرة بناء السد العالي في جنوب مصر بغرض إنقاذ 22 مليار م3 سنويا تصب في البحر ولا يستفيد بها أحد بالإضافة إلي أن مصر لم تنزعها من أي دولة ولكن أنقذتها من الضياع في مياه البحر المالحة، ووزعتها بواقع 14.5 مليار للسودان ونصفها فقط 7 مليارات لمصر مالكة السد ومتحملة تكاليفه وأهدت السودان نحو 150 كم طولي هي بحيرة السد في الأراضي السودانية لينتفع بها الصيادون في السودان وتكون ثروة سمكية ومصدرا للرزق لأهالينا في السودان. وكالعادة تدعي إثيوبيا لدول العالم أنها تكتفي بالنظر إلي أنهار النيل الثلاثة التي تنبع من أراضيها دون أن تستفيد منها وهذا غير صحيح على الإطلاق حيث ينص قانون الأمم المتحدة لمياه الأنهار الدولية العابرة للحدود والذي أصبح نافذا بعد اكتمال نصابة عام 2007 على الجميع سواء على الدول الموقعة عليه أو غير الموقعة، نص على أن توزيع مياه الأنهار تكون لموارد النهر كاملة وليست فقط لمياه النهر التي تجري بين ضفتيه بل تشمل الأمطار والبحيرات العذبة والمياه الجوفية وأخيرا المياه التي تجري بين ضفتي النهر مع مراعاة وجود المياه البديلة في دول المنابع وشح المياه في دول المصبات. لهذا السبب ارتضت دول منابع النيل الأبيض الست بما تحصل عليه من مياه بحيرات فيكتوريا وألبرت وكيوجا وإدوارد وجورج وهي بمئات المليارات ولم تثر مشكلة واحدة بينها وبين مصر حول المياه التي تجري بين ضفاف النهر أو التي تتوه في مستنقعات جنوب السودان. وفي المقابل لم تكتف إثيوبيا بما تحصل عليه من مياه بحيرة تانا التي ينبع منها النيل الأزرق وتحتوي على مابين 40و50 مليار م3 من المياه، ثم على الخزان الذي أنشأته عام 2009 على رافد تكيزي أحد روافد نهر عطبرة والذي يخزن 10 مليارات متر مكعب سنويا وبذلك تكون إثيوبيا وحدها قد حصلت على نحو 60 مليارا من الأمتار المكعبة من المياه من نهري النيل الأزرق وعطبرة فقط بينما تحصل مصر على 55.5 مليار من حصيلة أربعة أنهار للنهر وليس نهرين فقط.

الأمر الثاني الذي نص عليه القانون الدولي لمياه الأنهر هو الأمطار والتي يبلغ حجم سقوطها على إثيوبيا 936 مليار م3 سنويا طبقا لتقدير منظمة الأغذية والزراعة لعام 2014 تستفيد منها إثيوبيا في كونها أكبر مصدر للبن العضوي في العالم وثاني أكبر عدد للمصدرين في القارة الإفريقية للأغذية الأورجانيك لأوروبا بسبب نموها على هذه المياه المطرية النقية غير الملوثة ولا المعاد استخدامها. هذه الحاصلات تستهلك بالتأكيد عدة مليارات من المياه النقية ولكن الأهم هي أن هذه الأمطار تنبت مساحات شاسعة من المراعي والمروج والتي تكاثر عليها ثروة حيوانية بلغت 100 مليون رأس من الماشية نصفها من الأبقار ونصفها من الخراف والمجترات الصغيرة طبقا لنفس التقرير لمنظمة الفاو. ومن المعلوم أن رأس الأبقار تستهلك خمسة آلاف م3 من المياه حتى تصل إلي عمر السنوات الثلاث وبالتالي فإن خمسين مليون رأس من الأبقار تستهلك 250 مليار م3 من المياه في ثلاث سنوات أى أن مواشي إثيوبيا تستهلك وحدها من أمطار موارد نهر النيل نحو 126 مليار متر مكعب من المياه تضاف إلي ماتستهلكه من بحيرة تانا وخزان سد تاكيزي (60 مليار) فيكون ماتحصل عليه إثيوبيا من موارد مياه نهر النيل 168 مليار م3 أي ضعف ماتحصل عليه مصر والسودان مجتمعين أو ثلاثة أضعاف حصة مصر وحدها من المياه، فهل بعد كل هذه الإيضاحات تدعي إثيوبيا للعالم أنها لا تحصل علي أي حصة من موارد مياه نهر النيل وهي التي يبلغ نصيب الفرد فيها من المياه ثلاثة أضعاف نصيب الفرد في مصر وتبلغ أراضيها المزروعة فعليا (35 مليون هكتار) وهي عشرة أضعاف مساحة الأراضي المزروعة في مصر (3.5 مليون هكتار)؟!

> كلية الزراعة جامعة القاهرة


لمزيد من مقالات د نادر نور الدين

رابط دائم: