قال الله تعالى فى سورة الأعراف: «وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وطمعا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ».
نلمح فى هذه الآية الكريمة أمرين مهمين، الأول: فتح التاء فى قوله تعالى (رحمت)، والثانى قوله تعالى (قريب)، حيث جاء اللفظ مذكرا مع أن اسم (إن) مؤنث، (رحمت)، فكيف يذكَر المبتدأ والاسم مؤنث؟
الجواب أنه لا ينبغى لأحد أن يمضى فى الحديث عن هذا القرآن المعجز بلفظه ومعناه وكتابته دون روَية وتأمل.
إن علماء التفسير قد أطالوا النفس فى الحديث عن فتح تاء (رحمت)، وخلاصة ذلك أن الخط الذى كتب به القرآن توقيفي، بمعنى أن الله أراد الكلمة هكذا بفتح التاء، وذلك ركن من أركان القرآن لا ينبغى إهماله وغض الطرف عنه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، يتلقى القرآن لفظا وكتابة عن أمين الوحى جبريل عليه السلام، لذا ففى قوله تعالى (قل هو الله أحد) لا يحذف (قل)، بل يكتبها ويحفظها كما نزلت، كذلك فتح التاء فى (رحمت)..هكذا نزلت.
والعجيب أن من ينظر إلى (رحمت) لا ينظر إلى ما قبلها وما بعدها، فقبلها نهى عن الفساد فى الأرض بعد إصلاحها، والدعاء خوفا وطمعا، خوفا ورجاء، فهكذا ينبغى أن يعيش المؤمن حياته، فكيف لا تأتى التاء مفتوحة لتبين اتساع وانبساط رحمة الله، خاصة أنهم وصفوا فى نهاية الآية بالإحسان؟
أما عن التذكير لكلمة (قريب)، وهى خبر إن الناسخة، فذلك لاكتساب اسم إن المؤنث (رحمت) من المضاف إليه ـ وهو لفظ الجلالة «الله» سبحانه وتعالى التذكير، أفلا يكون ذلك سرا من أسرار فتح تاء (رحمت)!
ورغم أن القرآن ليس بحاجة إلى شاهد، فإن كتب النحو تحفل بالشواهد المبينة لاكتساب المضاف من صفة المضاف إليه، كقول الشاعر:
إنارة العقل مكسوف بطوع هوى وعقل عاصى الهوى يزداد تنويرا
فـ(إنارة) مؤنث، اكتسب التذكير من المضاف إليه (العقل)، فجاء الخبر مذكرا (مكسوف).
رابط دائم: