رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مخالفات ومخالفون .. من يُحاسب ولماذا؟

كان الحوار يدور فى إطار هادئ تماما، مع زميلين فى العمل، ليتطرق لمخالفات البناء، حينما أكد زميل فاضل، أنه شاهد حالة بناء فى قريته الريفية فى الوجه البحري، فكان ردى الحاسم، أن مآل ذلك البناء الهدم الفورى لاسيما بعد ما شاهدناه جميعا، فى الآونة الأخيرة مما تفعله أجهزة الدولة المعنية فى التصدى لمخالفات البناء، وهدمها دون مواربة، مهما يكن حجم المخالفة، وكذلك أياً كان ثقل المخالف، ووسائل التواصل الاجتماعى حبلى بما يؤكد ذلك.

إلا أن المفاجأة كانت فى رد الزميل، حينما قال إن البناء تم على مدى يومين دون أن يرى اعتراضا من أى جهة، وبعد انتهاء الحديث، توجهت لأداء بعض المهام، لتجمعنى المصادفة بأحد الأصدقاء، الذى فاجأنى بما يفعله ضعاف النفوس للهروب من عقوبة البناء المخالف، لاسيما بعد 22 يوليو 2017، بحسب قانون البناء الموحد 17 لسنة 2019.

حيث يقوم شخص ما راغب فى البناء وليكن على أرض زراعية، وبعد الشروع فى البناء مباشرة، تتوجه الجهة الإدارية صوب المخالف لتحرير المخالفة، حتى تلك اللحظة قد تبدو الأمور طبيعية، حتى نعلم أن المخالفة يتم تحريرها، لشخص وهمى لا وجود له على أرض الواقع، ومحل إقامته يقع فى منطقة بعيدة للغاية، حتى تتعثر كل الجهات المعنية فى الوصول إليه، فيتفرق دمه بين الجهات، وتدخل المخالفة فى حسبة برما، غالبا لن تخرج منها، لتظل قائمة شامخة، وقد تكون بجانبها تماما مخالفة أخرى ولكن تتم تسويتها بالأرض، لأن صاحبها لم تأته تلك الفكرة الشيطانية ليضرب الناس الكفوف وهم فى حالة من التعجب، كيف تمت إزالة مخالفة و لم تتم إزالة الأخري؟

فى الحقيقة تلك الواقعة تذكرنا بما كان يحدث فى عاصمة مصر الثانية المسماة بالإسكندرية، حينما كانت عناصر الفساد تضع خطتها المحكمة بعمل مخالفة البناء باسم شخص وهمى وقد أطلق عليه لقب «الكحول» ومحل إقامته بعيد تماما عن مكان المخالفة؛ لتزداد المخالفات بشكل فج، تحت بصر وسمع كل الجهات المختصة، لتنمو وتترعرع جهارا، دون خجل، ولم الخجل، والحيل واضحة ومعروفة.

إننا اليوم أمام حالات متباينة ومختلفة لمخالفات صارخة، وقعت على مدى سنوات طويلة ومتكررة، وقد أوجدت واقعا مغايرا تماما لما يفرضه القانون، هذا الواقع كانت له آثار يصعب حصرها، منها تشكل مجتمعات صغيرة وكبيرة جنبا إلى جنب، منها المخالف كلية فى كل أصول وقوانين البناء، ومنها المخالف فى جزء صغير، سواء كان طابقا أو أكثر ولتباين القوانين المنظمة، سنجد أننا أمام معضلة اجتماعية كبيرة، قد تضرب بنيان المجتمع فى أسس راسخة.

فأسر كثيرة جدا، استقرت ونمت، فى عقار أو وحدات سكنية، طبقا للقانون هى فى وضع مخالف، مما يستلزم التعامل معها بما يقره القانون، بالإزالة، ونحن هنا أمام وضع اجتماعى يحتاج إلى دراسته بشكل جيد، لأن اللبس الذى يغلف تلك المسألة، تماهى بشكل بات يشكل اضطرابا كبيرا جدا.

ففى قانون التصالح، من يدفع قيمة التصالح؟

صاحب العقار، وقد يكون مجهول الهوية، أو معلوماً، فهل نتعامل مع المعلوم ونترك المجهول؟ أم صاحب الوحدة السكنية الذى دفع ثمنها بالفعل من قبل؟

وإذا كان لابد من تنفيذ قرار الإزالة لوحدة عقارية شاغرة منذ سنوات، تقطن بها أسرة مستقرة نفسيا و اجتماعياً، ولا تملك من حطام الدنيا ما يمكنها من تدبير وحدة سكنية أخري؛، فإلى أين تلجأ؟

ما سبق أسئلة تدور على ألسنة الناس، إلا أننا وبغرابة شديدة ابتعدنا تماما عن لب المشكلة، فعلى سبيل المثال، من حرر مخالفة »للكحول« غير الموجود على أرض الواقع، ألم يكن على علم بتلك المعضلة، وتركها تنمو وتزدهر، ومن ثم تتكرر، لتضحى واقعا آثماً فُرض علينا بأريحية عجيبة، ثم نأتى اليوم لنلقى اللوم على كل الأطراف ما عدا الطرف الرئيسى الذى سمح لتلك المخالفات بأن ترتفع بهذا الكم المحبط بدم بارد!!

لذلك الحديث عن مخالفات البناء، وآثامها وآثارها التى خلفت واقعا مشوها، لابد أن تأخذ كل أبعادها فى الحسبان، لاسيما أن هناك من تربح بشكل غير قانوني، وهناك من دفع ما يملك ليحوز وحدة سكنية تستره وأسرته، ولا يملك ما يعينه على شراء غيرها، بعد معرفته أنها مخالفة، وقبل أن نوجه إليه اللوم على فعلته، هل يمكن توجيه اللوم على كامل المنظمة الفاسدة، وأن تتم محاسبة عناصرها، قبل أن يتم حساب طرفها الأخير، لأنه العنصر الأضعف و المأمون وجوده، فتنهال عليه اللعنات كلها بمفرده، وكأنه هو المسئول الوحيد عن سوءات الواقع المرير.

إننا وإذ نثمن كل إجراء حازم يُصوب الوضع الخاطئ، ليعيد للقانون هيبته ورونقه، علينا أن نضع الأمور فى نصابها السليم والمنطقى ليكافأ من يعيش فى إطار القانون ومعيته، وكذلك ليعاقب كل من خالفه وتربح بسبب ذلك، كلُ بقدر ما ارتكب من مخالفات، هذا الحديث يدور فى نفوس الناس، قبل أن يشعر الناس بالغبن لذنوب لم يقترفوها، أو يُعاقب أحد على ذنوب آخرين.

[email protected]
لمزيد من مقالات ◀ عمـاد رحـيم

رابط دائم: