رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الدجانى وماذا فعل العثمانيون بليبيا

عندما كنتُ أتابع وقائع لقاء الرئيس السيسى مع مشايخ وقادة القبائل الليبية يوم الخميس 16 يوليو الماضي، ارتسمت فى مخيلتى صورة المؤرخ والباحث الفلسطينى الراحل أبا الطيب. وهو د.أحمد صدقى الدجانى (1936-2003) الذى زاملته لسنوات فى التدريس بمعهد الدراسات العربية بالقاهرة فى حقبة السبعينيات، واشتركنا معا فى تأليف عدد من الكتب، وفى أثناء ذلك تعلمت منه الكثير واستفدت من خبراته وثقافته.

يُعتبر د. الدجانى من أكثر الباحثين العرب تخصصًا فى التاريخ الليبي. فكانت رسالته للدكتوراة فى جامعة القاهرة عن تاريخ الحركة السنوسية تحت إشراف د. محمد أنيس، والتى صدرت فى كتاب عام 1968. وتتالت كتبه التى زادت على الخمسين مؤلفًا، كان منها عن ليبيا: أحاديث عن تاريخ ليبيا فى القرن الثامن عشر والتاسع عشر عام 1968، وليبيا قبل الاحتلال الايطالى عام 1970، وبداية اليقظة العربية الحديثة فى ليبيا-وثائق عام 1976، ووثائق من تاريخ ليبيا- الوثائق العثمانية عام 1976، وذلك إلى جانب عشرات البحوث فى الدوريات العلمية. لذلك، فإن شهادة الدجانى عن ليبيا فى العهد العثمانى ينبغى أن تؤخذ بكُل الجدية والاهتمام، وهى شهادة ينبغى استرجاعها فى هذه الأيام التى يتحدث فيها الرئيس التركى أردوغان عن علاقات تركيا التاريخية الحميمة مع ليبيا.

سيطر العثمانيون على طرابلس فى عام1551 وحكمها ولاة معينون من استنبول. وبمرور السنين، تراخت قبضتهم عليها فحكمها عدد من الاسر المحلية التى توارثت الحكم .واستمر هذا الوضع حتى وصول السلطان محمود الثانى الذى تولى الحكم فى 1808 واتبع سياسة مركزية تهدف إلى تكريس النفوذ العثمانى فى كل الولايات. وبالفعل، تمكن الأسطول التركى بقيادة مصطفى نجيب باشامن إعادة فرض السيطرة المُباشرة على ليبيا.

يقول الدجانى إنه لسنوات طويلة اتسمت الحياة السياسية بوجود سلاطين ضعفاء انغمسوا فى حياة القصور وتركوا أعمال الدولة للوزراء والولاة الذين لم يكونوا من طينة أُخري. لذلك، ُسميت رجُل أوروبا المريض الذى دخل طور الضعف والتدهور. وخلال هذه الفترة، كان تعيين الولاة كثيرًا ما يتم بدفع الرشاوى وكانت مهمة الوالى بعد تولى منصبه أن يجمع من الضرائب أضعاف ما دفعه.وبالغ الولاة فى جمع الضرائب بمختلف أشكالها. فكانت هناك ضرائب على الذبائح، والأشجار، وامتلاك الحيوانات، والمحاصيل الزراعية، وضريبة فتح بندر على الحوانيت والمحال التجارية. وكان الولاة يحتفلون بتوليهم مناصبهم بفرض رسوم جديدة أُسميت رسوم القدوم.

وزاد من وطأة هذا الأمر وثقله سرعة تغيير الولاة، ويقول الدجانى انه خلال الفترة من عام 1835 إلى عام 1911تولى منصب ولاية طرابلس عدد 33 شخصًا كان منهم ثلاثة قضوا فيما بينهم 30 عامًا، أما الباقى فحكموا لمدد تقل عن العامين لكل منهم.

وترتب على ذلك، نشوب العديد من الثورات والانتفاضات فى غريان، ونالوت بالجبل الغربي، وترهونة وسرت، ومنها قيام ثورتين كبيرتين الأولى بقيادة الشيخ غومة المحمودى والثانية بقيادة الشيخ عبد الجليل سيف النصر. ويضيف أن ما حدث فى ليبيا كان جزءًا من انتفاضات عربية متعددة ضد الحكم العثمانى كظاهر العمر فى الشام وعلى بك الكبير فى مصر ولجوء أهل تلمسان إلى المغرب وسحبهم البيعة من الترك وتحويل بيعتهم الى سلطان المغرب. كما كتب الدجانى توثيقًا للمحاكمات التى أجرتها السلطات العثمانية لعدد من القيادات الليبية عام 1882.

وحسب قوله، فإن عموم البدو والفلاحين خيًم عليهم الجهل المطبق، وعاشوا فى فقر شديد، وتلقوا جل ضربات السلطة، فمنهم تجبى الضرائب وعليهم تُوقع العقوبات. وانطبع فى نفوسهم نتيجة الظُلم الخوف من الحاكم وعدم الثقة به، كما تعودوا السكوت تحت وطأة الجور ما داموا لا يستطيعون له دفعًا، والثورة ضدهم إذا قدروا عليه. ووفقًا له أيضًا، فإن: العلم قد بلغ درجة عظيمة من الانحطاط فى أول القرن الثامن عشرفواكب فى ذلك الانحطاط السياسي. وقد مر ليبلغ تلك الدرجة فى ثلاثة قرون مظلمة صار بعدها قديمًا باليًا. وضرب مثلا على ذلك بإصدار الوالى التركى حسن بك أمره بقتل الشيخ ابن القندوز وذلك لآرائه الإصلاحية التى اعتبرها خطرًا عليه. واتخذ والٍ آخر موقفًا مماثلًا، فغضب من آراء الشيخ »محمد بن على بن السنوسي« عقب عودته من رحلته الطويلة فى مصر والحجاز والمغرب، واعتبرها خروجًا عن الدولة، وأمر بالقبض على رفاقه.

كان هذا هو حال ليبيا تحت حكم الاتراك والذى انتهى فى 1911 بهزيمتهم امام القوات الايطالية ثم تنازلهم عن ليبيا لايطاليا بمقتضى اتفاقية اوشى . ويُعبر الشيخ طاهر الزاوى مُفتى ليبيا وواحد من أهم مؤرخيها فى كتابه عن تاريخ ليبيا الصادر عام 1954 عن الوضع فى البلاد فى هذه الفترة،بأنه وضع اتسم باختلال الأمن فى البلاد وقيامه على العنصرية والاستغلال وانصراف الترك لملء جيوبهم واشباع شهواتهم وترك البلاد للفقر والجهل والمرض.

فهل يريد أردوغان بما يقوم به فى ليبيا الآن إحياء هذه الذكريات الأليمة مرة اُخري!


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: