قد تبدو الحقبة الزمنية الحالية شديدة الصعوبة على مصر، فالأزمات والعداءات تحوطها من جميع الاتجاهات. الحقيقة؟ لقد مرت على مصر أزمات أشد وأعنف قد نتناساها عمدا لكنها ستظل راسخة فى أعماق وجداننا كمصريين.
فى التاريخ الحديث أحداث وصعاب كثيرة مرت، قد تجعل ما نمر به اليوم أمورا عادية ومألوفة. لنتذكر ويلات ثلاثة حروب فى ثلاثة عقود متتالية، ونخص بالذكر نكسة 67، وكم كان الذعر ينتاب الجميع،أولا من ويلات الحرب، وثانيا خوفا على جنودنا الذين عادوا من سيناء منهزمين ومدمَرين. ثم سنوات القهر من 67 إلى 73، حيث عاش الشعب المصرى حالة انكسار وخيبة أمل لأزمته حتى نصر 73.
بعد ثورة 25 يناير ضاق بنا الحال بعد انفلات الأمور وهروب السجناء وتفشى السرقة والتخريب والهجوم على أقسام البوليس، واضطرار الدولة إلى اللجوء إلى الجيش للتحكم فى زمام الأمور. ومع ذروة التسيب أمضى الشباب المصرى ليالى طوال اأمام منازلهم يحمون ذويهم وديارهم.
ثم جاء الإخوان فى 2012 لإذلال الشعب المصرى بأكمله وكسره مع نصرة عشيرتهم. آنذاك،فرض الإخوان قبضتهم على الشعب بقرارات تعسفية مثل المرسوم الذى منع المحاكم المصرية من نقض قرارات الرئيس وحصّنته ضد الشعب، وإن دلت هذه الأوضاع على شيء فقد دلت على محسوبية الإخوان لأنفسهم، واستغلالهم للدين لحشد البعض على البعض الآخر، وعدم إدراكهم للفجوة الحقيقية بينهم وبين الشعب المصري. أما مقولتهم »طظ فى مصر« فستبقى منحوتة فى وجدان المصريين إلى الأبد.
ومع ذلك قد يرى البعض أن الوضع اليوم أسوأ. نحن محاطون بمشاكل خطيرة من الداخل والخارج، فى الداخل العصابات الإرهابية مازالت تعمل حتى وإن قلّت الهجمات على القوات المسلحة وعلى أرض مصر. ويعملون أيضا من خارج مصر عبر إعلام ملفّق تمركز فى تركيا، ثم حاولوا العبث بعقول الشباب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعى ونشروا الشائعات والفتن والأكاذيب لزعزعة الشعب وتفكيكه.
عن طريق سيناء والأنفاق والحدود الشمالية الشرقية يطلقون عمليات تخريبية دموية تستهدف القوات المسلحة والمدنيين، ومن الغرب وعن طريق ليبيا تحاول تركيا السيطرة على الشرق الأوسط والنفط الليبى ومشاكسة واستدراج مصر إلى صراع هى فى غنى عنه باستغلال الضعفاء من اللاجئين السوريين والمرتزقة. ومن الجنوب تأتى إثيوبيا بسد النهضة الذى يبدو أن ملأه بدأ بالفعل. إن النيل هو شريان الحياة لمصر وسد النهضة مع ملئه غوغائيا وبدون إدراك لما قد يسبِّبه لدول المصب يعبث بوجود مصر والسودان أيضا. فوق ذلك كله تعانى مصر كما يعانى العالم جائحة كورونا التى أثبتت ضعف الإنسان وحدود إمكانياته فى محاربة فيروس قاتل ولعين. وقد أعلن وزير المالية المصرى أن مصر قد خسرت 130 مليار جنيه من إيرادات الدولة بسبب فيروس كورونا محددا مقدار آثار الجائحة على بلادنا. الخلاصة وجب الحرص والقلق، لكن وجب أيضا التأكدمن أنه كما استطاعت أم الدنيا تخطى الصعاب من قبل، سوف تستطيع تخطيها اليوم أيضا سواء طال الزمن أم قصر،والسبب هو أن المصريين كما عوّدونا يحاربون الاستبداد سواء كان ذلك على شكل عدوان ثلاثى غاشم،أو هيمنة إسرائيلية على أرض مصرية،أو طغاة يقسِّمون البلاد إلى عشائر مفضلة. يتفوق المصريون دائما وأبدا على من سمحت له نفسه الوقوف أمام أم الدنيا.
ثبت من قبل أن المصريين لا يهدأ لهم بالٌ إلا وقد زالت الغمم عن مصر،أيًا كانت.قام الرئيس السادات بمعجزة عام 73 واستكملها عام 79 باتفاقية معاهدة السلام محققا المستحيل. لولا السادات لبقيت مصر فى حالة حرب واستنفار إلى اليوم، وقد خسرت سيناء إلى الأبد. رفض الرئيس السيسى على غرار الرئيس السادات أن يعانى المصرى باستمرار حكم حفنة من الانتهازيين، وأن يقودنا الرئيس السابق إلى الهاوية فأخذ زمام المبادرة وأعاد إلى مصر استقرارها.
لكن أهم سبب لمصير مصر الأفضل هو أن كلًا من القائدين السادات والسيسى كانا يعتمدان على جيوش قوية ومتفانية. ربما اعتمد الرئيس السادات على دهائه، وربما اعتمد الرئيس السيسى على استجابة الشعب لندائه ووقوفه معه، ولكن لو كان هذان القائدان لديهما جيوش متواضعة أو جيوش ذات ولاء منقسم، ربما بدت مصر مختلفة تمامًا اليوم.
لا ننكر أن المرحلة الحالية من أخطر المراحل فى تاريخ مصر الحديث، ولا يخفى على أحد حجم التحديات التى تواجهها مصر، لكنها أم الدنيا التى صمدت أمام الصعاب وخرجت فائزة فى جميع التحديات قد تبدو كما لو ضاقت الدنيا واستحكمت حلقاتها إلا أن الفرج قريب بإذن الله. يقولون لك إن مصر عجوز كهلة. قل لهم مصر ليست بعجوز بل شابة بشبابها غنية بأمجادها وتاريخها ومحمية برجالها ونسائها. قد نكون محاطين يمينا وشمالا ومن الداخل ومن الخارج بكره مزمن وكوارث مركزة ونية مبيته ولكنها أم الدنيا لن ينال منها أحد.
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى رابط دائم: